تحكى مأساة الزلزال التركي- السورى، أن طفلا خرج من بين الأنقاض "يضحك"، وأن أب "ملكوم" زف طفليه لـ"عرس الموت".
مشهدان
الأول: "جبنا العرسان وجينا، هلا بالعرسان"، هنا أب سورى يحمل طفليه على ذراعيه، مرددا مقولة شعبية تصدح بها الأعراس فى الشام، ولكنه "يزفهما" هذه المرة لـ"الموت".
الثاني: الطفل كرم يضحك ويداعب الحاضرين من المنقذين أثر خروجه من تحت أنقاض منزل مدمر فى قرية "أرمناز" فى ريف إدلب.
الطفل السورى كرم
فى ما بين المشهدين، (الدامى، والمفرح) أمتلأ فضاء مأساة الزلزال التركي- السورى بالقصص والحكايات واللحظات العابرة كلمح البصر، ما بين ثنائية (الموت والحياة).
عدد القتلى، اليوم الأربعاء، يرتفع إلى أكثر من 11,324، حسبما أظهرت أرقام رسمية، فيما لا يزال عناصر الإنقاذ يحاولون العثور على ناجين عالقين تحت الأنقاض.
ووفقا لما أعلنته إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد"، اليوم الأربعاء، ارتفاع عدد الضحايا فى تركيا إلى 8,574 قتيلا جراء الزلزال الذى ضرب جنوب البلاد الإثنين، وذلك فى بيان ذكرت فيه أحدث إحصائية لعدد الضحايا حتى الساعة 09:45 بالتوقيت المحلى لدولة تركيا.
وذكر البيان أن عدد الإصابات ارتفع هو أيضا إلى 40,910 مصابا، مشيرا إلى حدوث 648 هزة ارتدادية أقواها بلغت 7.6 درجات فى مركز قضاء ألبيستان بولاية كهرمان مرعش، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية.
وعلى الجهة المقابلة، كان مسؤولون وعاملون طبيون والمرصد السورى لحقوق الإنسان، أعلنوا أن عدد القتلى فى سوريا جراء الزلزال ذاته ارتفع إلى 2,750 فى سوريا، ما يرفع حصيلة القتلى الإجمالية إلى 11,324 قتيلا.
وارتفع عدد المصابين فى محافظات سوريا المتضررة جراء الزلزال إلى 4645 جريحا، وفق مصادر مختلفة.
المأساة، مفجعة ومفزعة، وحكايات "الموت" ورائحته المقبضة، تملأ رئة كل شخص يحمل صفة "إنسان" على هذا الكوكب.
من بين الأنقاض، ضجت وسائل التواصل الاجتماعى بمقاطع الفيديو التى وثقت حجم الألم الذى يعانيه مئات الآلاف من الأبرياء، الذين وجدوا أنفسهم فى غضون ثوان، بين حطام وركام دون حول لهم أو قوة.
ووثقت الكاميرا مشهدا مؤلما، حيث يمكن سماع صوت ممزوج بالبكاء لطفل سورى يصرخ من تحت الأنقاض قائلا: "بدى أطلع"، بعد أن أمضى 30 ساعة فى انتظار المساعدة.
ونجح عمال الإنقاذ فى إخراجه على قيد الحياة، من تحت أنقاض منزله المدمر فى مدينة سلقين غربى إدلب.
ومن بين المشاهد التى أبكت الملايين حول العالم، طفلة سورية تدعى إيلاف، يتم انتشالها من تحت الأنقاض فيما يهنئها الموجودون قائلين "حمدلله على سلامتك إيلاف"، وعندما سألها أحدهم: "هل معك أحد بالداخل؟"، جاء الرد الصادم بكلمات لا يُفترض أن ينطق بها طفل أبدا، قائلة: "نعم عمو، إخوانى وأمى بالداخل، لكنهم ميتين".
مشهد آخر وثقته عدسة الكاميرا، كان لطفل سورى يدعى محمد، يبدو وكأنه لا يتجاوز الرابعة أو الخامسة من عمره، تحت الأنقاض فى هاتاى بتركيا.
وظهر الطفل وقد انهار عطشا وهو لا يزال عالقا تحت الأنقاض، ليقوم أحد المنقذين بسقايته الماء بكميات صغيرة من خلال غطاء العلبة المعدنية.
وبعد بضعة كلمات من الموجودين لمداعبة الطفل الصغير، وبضعة رشفات من الماء، بدأ يبتسم دون أن يدر فداحة الموقف المأساوى الذى وُضع فيه.
وتعاطف ناشطون مع مشاهد مؤثّرة لطفل سورى وهو على سرير أحد المستشفيات بشمال البلاد بعد أن خسر أسرته فى الزلزال.
وحسب الفيديو الذى انتشر انتشارا واسعا عبر الشبكات الرقميّة، ظهر الطفل وعلى وجهه عدة جروح وهو يأكل "حبة" من الموز قُدّمت له ليسدّ جوعه.
ولاقى المقطع المصور تعاطفا من قبل الناشطين الذين أعربوا عن حزنهم الشديد لما حلّ بالطفل الذى أصبح وحيدا بعد فقدان أفراد عائلته جراء الزلزال المدمر.
وعلّقت المتابعة ناهد الطويل على الفيديو بالقول "شاهدت المشهد أكثر من 100 مرة لا أعلم ماذا سنقول لله عندما نقف بين يديه، الإنسانية والبشرية تعيش أوقاتا لا يستوعبها عقل ولا يتحملها قلب، نسأل الله إلا يحملنا ما لا طاقة لنا به، قلوبنا انفطرت ودموعنا انهمرت وعقولنا توقفت".
وقال رجلٌ سورى يقيم فى ضواحى أنطاكيا أن "فرق الإنقاذ تمكنت من إنقاذ نجلى بعد يومٍ من انهيار المبنى الذى كنت أقيم فيه وتم نقله إلى المستشفى لتلقى العلاج بسبب كسور فى جسمه"، مشيرًا إلى أن "ما ساهم فى إنقاذه هو أن المبنى كان مكونًا من طابقٍ واحد، ما ساعد فرق الإنقاذ فى الوصول إليه سريعًا".
وعلى الرغم من هول المآسى التى يعيشها السوريون بعد وقوع الزلزال المدمر، فإن للفرح مكانًا أيضًا بين الأنقاض وبقايا المنازل.
ففى فيديو مليء بالبراءة والسعادة، أنقذ رجال الدفاع المدنى السورى طفلا يدعى كرم من تحت الركام وسط فرحة عارمة عمت المكان فى ريف إدلب.
وعلت التكبيرات فى موقع إنقاذ الصغير، الذى خرج وهو يضحك ويداعب الحاضرين من المنقذين.
كما علق حساب الدفاع المدنى السورى على الفيديو عبر حسابه فى "تويتر"، قائلًا "المعجزات تتكرر والتكبيرات تعانق السماء من جديد. لحظات يملأها الفرح بإنقاذ الطفل "كرم" من بين أنقاض منزل مدمر فى قرية "أرمناز" فى ريف إدلب فى اليوم الأول من الزلزال".
"وعودة إلى الغناء، أرتفعت أصوات المنقذين وهى تردد، "يا شام أنت شامنا … لحن الحياة تحت الأنقاض".. وبهذه الكلمات شد متطوعون من عزيمة الطفلة شام العالقة تحت الأنقاض فى منطقة أرمناز قرب إدلب، والتى ضربها الزلزال العنيف يوم الاثنين.
وغنى المتطوعون الأغنية للطفلة "شام" أثناء عملية إنقاذها، ليلة الثلاثاء، حيث كانت ممدة تحت الأنقاض وعليها أجهزة التنفس، وتجرى حديثًا مع كوادر الإنقاذ وتحاول ترديد الأغنية وراءهم.
وقد وثق فيديو جديد انتشر على وسائل التواصل الاجتماعى، حرقة قلب وألم سيدة تركية فقدت أفرادًا من أسرتها فى الزلزال، فإذا بها تصرخ وتبكى فوق الجثث المغطاة التى انتشلت خلال عمليات بحث بين الأنقاض فى مدينة هاتاى بعدما اكتشفت أن أفرادًا من عائلتها بينهم.
ولم تتوقف المشاهد التى تكسر القلب القادمة من تحت أنقاض الزلزال المدمر، فقد تداول رواد مواقع التواصل مقطع فيديو مؤلما لطفلة سورية بعد نجاح فرق الإنقاذ فى انتشالها من تحت الركام فى منطقة سلقين بإدلب، ليسألها أحدهم: "فيه أحد عندك جوة؟ لترد ببراءة: أمى وإخواتى جوة بس ميتين".
وأثارت صور الطفلة الرضيعة التى ولدت بأعجوبة تحت الركام، وبقيت متصلة عبر حبل السرة بوالدتها التى قتلت بعدما دمر الزلزال منزل عائلتها فى سوريا، تعاطف الملايين.
.. "حقيقة لا نعرف لماذا ندخل الحزن إلى قلوبكم عبر مشاركة هذا الفيديو، لكن يجب أن تعرفوا قصصهم، وتعرفوا كم هم متعبون، وتدعوا للمتضررين من قلوبكم".
وتنتظر مئات العائلات السورية حالها حال الأتراك فى عددٍ من المدن التركية معرفة مصير أبنائها الذين انقطع التواصل معهم جرّاء الزلزال المدمر الذى ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا فجر السادس من فبراير الجارى، علاوة على إصابة عشرات الآلاف بجروح، فكيف يبدو وضع الناس فى تلك المدن المتضررة؟.
يختلف حجم الدمار الذى خلّفه الزلزال من منطقةٍ لأخرى، ففى الجنوب الغربى من تركيا يبدو الدمار هائلًا، كما هى الحال فى مدينة أنطاكيا التى قُتِل فيها عائلات سوريّة بأكملها جرّاء الزلزال، كما أن عائلاتٍ سوريّة أخرى تنتظر إنقاذ أبنائها العالقين تحت الأنقاض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة