رصدت دراسة أقرها مجلس الشيوخ، أسباب العنف الأسري، مابين نفسية وذاتية واجتماعية واقتصادية واعلامية وثقافية، وتم إحالة الدراسة إلى رئيس الجمهورية، وتنوعت أسباب العنف الأسرى على النحو الآتي:
1-أسباب نفسية:
تتسم هذه الأسباب بالتعقيد، والتشابك، وتتمثل فى فشل الزوجين أو الأبناء فى الاتصال الجيد مع بعضهما البعض، أو ممارسة التفاوض بطريقة عقلانية، أو منطقية، بمعنى صعوبة التفاهم، والإقناع المتبادلين، بل يحدث بينهمـا نـوع مـن الجدل اللفظى، وخلق شعور بالتهيؤ للشجار، وقد يزيد إلى حد الهجوم على الطرف الآخر ليكون السبب المباشر، والمفجر لحدوث العنف. ويمكن التمييز بين نوعين من العوامل السلبية التى تكمن وراء عملية العنف وهي: "مجموعة العوامل المهينة، أو الاستعدادية، أو التراكمية التى تهيئ الفرد، تمهيدًا للانهيار، مثل (الفشل، الإحباط، القسوة، الصراعات المتراكمة ليحدث الانهيار فى النهاية على إثر توافر عامل سببى آخر هو العامل المباشر أو المعجل لعملية العنف وقد يسهم ضعف شعور الرجل باحترام ذاته، أو الثقة فى ذاته فى ممارسة العنف للتعبير عن النقص، والحماية من مشاعر الفشل، والإحباط، والقابلية للهزيمة، باستخدام العنف ضد زوجته وقد يحقق العنف هدفًا نفسيًا وهو إزالة حالة التوتر، والشد، ولكنه يسبب فى النهاية الفجوة العاطفية، ومن ثمَّ التفكك الأسري.
2- أسباب ذاتية:
هى أسباب لا تختلف كثيرًا عن الأسباب النفسية بل تلتقى معها فى نقاط عديدة، وترتبط عموما بشخصية القائم بالعنف؛ كأن يكون لديه خلل فى الشخصية ومعاناته من اضطرابات نفسية، أو تعاطى المخدرات، وغيرهاويمكن تقسيم الأسباب الذاتية إلى قسمين، الأول: الأسباب الذاتية التى تكونت فى نفس الإنسان نتيجة ظروف خارجية، مثل (الإهمال، سوء المعاملة، العنف الذى تعرض له الإنسان فى طفولته)، وغيرها من الظروف التى أدت إلى تراكم نوازع نفسية مختلفة؛ تمخضت عن عقد نفسية قادت فى النهاية إلى التعويض عن الظروف السابقة باللجوء إلى العنف داخل الأسرة؛ وقد أثبتت الدراسات الحديثة بأن الطفل الذى يتعرض للعنف إبَّان فترة طفولته يكون أكثر ميلًا نحو استخدام العنف من غيره. أما القسم الثاني: الأسباب التى يحملها الإنسان منذ تكوينه، والتى تراكمت نتيجة سلوكيات مخالفة للسلوك السوى اقترفها الآباء، مما انعكس سلبًا على الطفل، ويمكن إدراج العامل الوراثى ضمن هذه الأسباب.
3- أسباب اجتماعية:
تتمثل الأسباب الاجتماعية فى العادات، والتقاليد التى اعتادها مجتمع ما والتى تتطلب من الرجل - حسب مقتضيات هذه التقاليد - استخدام وسائل العنف فى قيادة أسرته باعتبارها المقياس الذى يمكن من خلاله معرفة المقدار الذى يتصف به الإنسان من الرجولة. وفى هذا الإطار أكد "دور كايم " وغيره من علماء الاجتماع، على أهمية الوسط الاجتماعى فى تفسير ظاهرة العنف، ويذهب البعض إلى أن من أهم الاتجاهات التى احتواها المدخل السوسيولوجى فى تفسير العنف ذلك الاتجاه الذى ربط بين تفسير تفاوت معدلات العنف، وما طرأ على البناء الاجتماعى من تغير. ويرى "كلينـارد" "عند حديثه عـن البنـاء الاجتماعى والسلوك الانحرافى المؤدى إلى العنف، أن هذا السلوك يرتبط بالمكانة والطبقة الاجتماعية التى يمكن أن تتمثل فى معايير الجوار وفى الأنماط المتمايزة للعلاقات الشخصية خاصة بين الآباء والأطفال، كما أن كثيرًا من الأحداث الجانحين الأكثر عرضة للعنف هم من الطبقات الاجتماعيـة الـدنيا؛ حيث الفشل، الفقر، الأسر المحطمة، الجوار السيئ، والانتماء إلى أسر كبيرة الحجم.
وقد أرجع اتجاه آخر أسباب العنف الأسرى الاجتماعية إلى العمليات الاجتماعية والنظريات الخاصة بالتعليم، والتنشئة الاجتماعيـة ويفسر هذا الاتجاه العنف الأسرى علـى أنه انتهاك للقيم، والمعايير المنظمة للسلوك، والأدوار التى يشغلها أعضاء المجتمع. ويشير إلى أن الأسر التى تفككت إثر ظاهرة العنف الموجود بين أفرادها، لم تستطع تنشئة أبنائها اجتماعيًا بصورة صحيحة؛ باعتبارها أكثر العوامل أهمية فى تنشئة الطفل، وقد أجمعت تجارب العلماء على أهميتها فى رسم خصائص الشخصية، وتعويدها على المبادرة، والإبداع، فالأسرة ذات تأثير حيـوى على حياة الطفل، وهذا التأثير حاسم فى التربية ككل، لذا فمن الأهمية إعداد الأسرة لكى تكون بيئة تربوية سليمة تشجع، وتنمى قدرات الطفل، واستعداداته بصورة مناسبة.
4- أسباب اقتصادية
تؤكد الدراسات العلمية على وجود ارتباط بين الأزمة الاقتصادية والانحراف السلوكى، داخل المجتمع فهذه الأسباب يترتب عليها تغيير يحدث فى المجتمع سواء كان هذا التغيير ثقافيًا أو فكريًا أو ماديًا، وهذا التغيير يؤدى إلى تغيرات فى معدلات الجريمة والعنف على مستوى الأسرة والمجتمع ولعل أبرز الأسباب الاقتصادية المؤثرة فى حدوث العنف تتمثل فى البطالة وانخفاض الدخل والفقر والغلاء وارتفاع الأسعار، إذ أن هذه الأمور تزيـد مـن الضغوط النفسية، وتزيد من الشعور بالعجز والانهزامية، وبالتالى تعد مدخلًا خصبًا للعنف. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العوامل فى الأغلب لا تؤثر على شخصية الفرد إلا فى حال استمرارها مدة زمنية طويلة، فالإنسان إذا عانى ضيقًا ماديًا مؤقتًا، وكان يتمتع بالتربية الدينية والأخلاقية، فإنه نادرًا ما يلجأ إلى استعمال العنف. وفى الإطار ذاته فالعوامل الاقتصادية ولئن كانت من العوامل المؤدية إلى العنف إلا أنها ليست الوحيدة، إذ يذهب أصحاب المدرسة التكاملية، عند تفسيرهم لعلاقة العوامل الاقتصادية بالعنف، إلى أن العوامل الاقتصادية تعد من العوامل الإجرامية المهيئة والمساعدة لارتكاب الجرائم إذا صادفت استعدادًا إجراميًا لدى الفرد فتتفاعل معه محدثة الجريمة، فحالة الفقر – مثلًا- التى قد يعانى منها بعض الأشخاص لا تؤدى إلى ارتكابهم الجرائم لعدم وجود الاستعداد الإجرامى لديهم أصلًا.
5- انتشار جائحة كورونا
أعلنت العديد من الدول عن ارتفاع حالات العنف الأسرى، ضد النساء والأطفال قبل ظهور جائحة كورونا والتى ازداد الوضع سوءًا بسببها، مما دفع الأمم المتحدة إلى إصدار بيانات حول الموضوع، فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش ( إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة العنف المنزلى ضد النساء والفتيات، والمرتبطة بحالات الإغلاق التى تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كوفيد-19، حيث تضاعف عدد المكالمات فى خطوط المساعدة فى العالم؛ لذا حثت الأمم المتحدة جميع الحكومات على جعل منع العنف ضد المرأة وجبر الضرر الواقع جراء هذا العنف جزءًا رئيسيًا من خطط الاستجابة الوطنية الخاصة بكوفيد-19، وحددت العديد من الإجراءات التى يمكن اتخاذها لتحسين الوضع، بما فيها:" زيادة الاستثمار فى الخدمات الإلكترونية ومنظمات المجتمع المدنى - التأكد من استمرار الأنظمة القضائية فى مقاضاة المعتدين - تكثيف حملات التوعية العامة، وخاصة تلك التى تستهدف الرجال والفتيان.
ووفقًا لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحددة للمرأة) فإن العنف المنزلى كان بالفعل حتى قبل تفشى جائحة كورونا أحد أكبر انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة، حيث تعرضت خلال الفترة من إبريل 2019 وحتى إبريل 2020 ما يقرب من (243) مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة فى جميع أنحاء العالم للعنف
أما على المستوى الإقليمى فقد أعدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( الإسكوا ( دراسة بيّنت فيها أن للجائحة تأثيرًا كبيرًا على مختلف أشكال العنف ضد المرأة والفتيات، ولفتت إلى تزايد العنف ضدهن فى المنطقة العربية خلال الجائحة
6- أسباب ثقافية
تتناسب الأسباب الثقافية للعنف الأسرى تناسبًا عكسيًا مع الثقافة التى يحملها المجتمع، وخصوصًا الثقافة الأسرية، فكلمـا كـان المجتمع على درجة عاليـة مـن الثقافة والوعى، كلما تضاءل دور هذه الأسباب حتى تنعدم فى المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك فى المجتمعات ذات الثقافة المحدودة.
وقد أكد عدد من الباحثين أن العنف الأسرى كثيرا ما يرتبط بالثقافات الفرعية للمجتمع، إذ تلاحظ فى المجتمعات العربية أن لبعض القيم الثقافية قدرًا من القدسية، ففى حالة الشرف العائلى، فإن بعض الثقافات تدعو إلى استعمال العنف، كما تشير إلى وسائل المحافظة على الشرف، والدفاع عنه بكل الطرق بما فيها العنف ضد أحد أفراد الأسرة، ولا شك أن الغيرة تظـل - دائما - عاملًا من العوامل المؤدية إلى تدهور العلاقات بين الزوجين، مما يمهد الطريق للعنف الأسرى
7- أسباب إعلامية
وتؤكد الدراسات أن الأطفال الذين يشاهدون أكثر من سواهم أفلام العنف يصبحون أكثر عدوانية، وهذه العدوانية تستمر فى السلوك حتى المراهقة، وسن الرشد، كما وجدت الشرطة الأمريكية أن عددًا من الجرائم العنيفة؛ ارتكبها مراهقون بنفس الطريقة التى شاهدوها فى الأفلام. أما الإعلانات، فأصبحت تتطرق إلى أفلام الرعب، والإثارة، ومشاهد لأجسام ممزقة بخناجر بشكل يثير الاشمئزاز، مما ينمى السلوك العدوانى داخل الأسرة وبالأخص لدى الأطفال الذين هم فى مرحلة تكوين الشخصية وهكذا أصبحت الوسائل الإعلامية تتقاسم مع الوالدين دورهما فى تنشئة أبنائهم، كما أصبحت تشكل عاملًا مؤديا للعنف؛ خاصة عندما يتفاعل مع العوامل الأخرى المساعدة على إحداث العنف.
ويرتبط بما سبق دور الألعاب الإلكترونية عبر تطبيقات متخصصة تقدم محتوى عنيفًا يمكن محاكاته دون إدراك أو أنها تُغذى نوازع العنف فى نفوس المتابعين خاصة من الشباب والأطفال، وتفتح الباب أمام أشكال مستحدثة من العنف فى محيط الأسرة. وقد تعددت الدراسات التى تشير إلى إرتباط أعمال العنف بالانخراط فى ألعاب تنطوى على ممارسات عنيفة أو تحض على العدوان بأى شكل من الاشكال.
كما تنوعت الألعاب التى تستهدف شريحة الشباب على وجه الخصوص وهى الشريحة المؤهلة لتكوين الأسرة وتحمل المسئولية، ولعل استحضار تلك الممارسات فى الحياة اليومية يعد من الخطورة بمكان ويصلح لتفسير العديد من أعمال العنف الأسري
وجدير بالذكر أن ما تنتهجه السياسة الإعلامية فى السنوات الأخيرة من خلال تصحيح مسارها هو نهج محمود حيث تعمل على رفع درجات الوعى المصرى عن طريق الاستخدام الأمثل للبرامج سواء على الشاشات أو الإذاعة أو الإعلام المقروء والإلكترونى بما يعزز ويدعم التصدى للمشكلات التى تواجه المجتمع من أجل تحقيق أفضل النتائج المجتمعية الممكنة، فى إطار النموذج السياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى تأخذ به الدولة وهى تتجه صوب الجمهورية الجديدة.