إسحاق نيوتن، أحد أكثر العلماء تأثيرًا فى التاريخ، وساعدت مساهماته فى مجالات الفيزياء والرياضيات وعلم الفلك والكيمياء فى بدء الثورة العلمية، واليوم تحل ذكرى رحيله، إذ رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم 20 مارس من عام 1727م، وقد ارتبط العالم الكبير بقصة التفاحة التى سقطت عليه، والتى تعد القصة الأشهر على الأرجح في تاريخ العلم، فكما يقال كانت الحافز الذى دفعه للتفكير في المقارنة بين القوة التي تسببت في إسقاط التفاحة بتلك المطلوبة للحفاظ على القمر في مداره، ولكن ما الذى حدث بعد تلك القصة؟.
ويقول كتاب "نيوتن: مقدمة قصيرة جدًّا" لروب أيلف، وترجمة شيماء طه الريدي: سواءٌ أكانت صحيحة أم لا، فإنه في الوقت الذي كان نيوتن يقوم فيه باكتشافاته الرياضية، كان عاكفًا على توسيع نشاطه ليمتد إلى سلسلة استثنائية من الأبحاث في الميكانيكا جعلته أول من يوحد القوى الحاكمة للحركات على الأرض وفي السماء.
وبحسب اعترافه، بدأ نيوتن صياغة رؤاه الجديدة باكتشاف القانون الذي يظل بموجبه جسم دوار في مداره، وسرعان ما صاغ سلسلة من قوانين الحركة، كان يتذكر (ويطور) الكثير منها حينما كان عاكفًا على تأليف كتاب «المبادئ الرياضية» بعدها بعشرين عامًا. وفي مفكرة بعنوان «المسودة»، كتب نيوتن في أوائل عام 1665 ما يزيد عن مائة حقيقة بديهية عن الحركة، شملت مفهوم القصور الذاتي الأساسي، فيما قام أيضًا باستحضار تبرير ميتافيزيقي للاعتقاد الخاص بأن تأثيرات التصادمات لا بد أن تكون مساوية لسببها، وهي نسخة بدائية لقانون الحركة الثالث الذي ورد في كتابه «المبادئ الرياضية»، وبالأخذ في الاعتبار كتلة الجسم وسرعته، أدى تحليل نيوتن الرائع إلى قانون ينص على بقاء قوة الحركة، أو الزخم، كما هي قبل وبعد التصادم.
بعد ذلك، راح نيوتن يبحث بنشاط وبراعة في مسار الجسم الذي يُقذف من جوانب مربع مغلق، متخيلًا أن إجمالي التصادمات الأربعة التي يمارسها كل جانب من جوانب المربع مماثل ومساو للقوة الإجمالية المطلوبة للحفاظ على جسم ما في مدار حول نقطة مركزية. وبناءً على الافتراض القائل بإمكانية تكبير عدد الجوانب التي تحدث تصادمًا لما لا نهاية (بحيث يكون دائرة)، خلص نيوتن إلى أن القوة الإجمالية المطلوبة لإبقاء الجسم يتحرك في دائرة في دورة واحدة «تعادل بالنسبة لقوة حركة الأجسام نسبة كل تلك الجوانب [أي محيط الدائرة] لنصف قطر الدائرة». فإذا كانت «قوة حركة الأجسام» تساوي ، فإن إجمالي القوة الناتجة في دورة واحدة هي . وإذا كان الوقت المستغرق لدورة واحدة هو ، فإن حاصل قسمة القوة على الوقت، للتعبير عن «القوة المؤثرة على جسم دوار في لحظة معينة»، هو . وقد نشر كريستيان هويجنز هذه النتيجة التي تمثل نواة تطور الميكانيكا لأول مرة في عام 1637 على الرغم من أن نيوتن كان قد استخدمها بالفعل قبل ذلك بسنوات ليتخطى بذلك ما أنجزه هويجنز.
أدرك نيوتن آنذاك أنه استطاع معالجة مشكلة أثيرت أول ما أثيرت على يد جاليليو، وهي تحديدًا النسبة بين القوة التي تحافظ على ثبات جسم ما على الأرض (الجاذبية) و«القوة الطاردة المركزية»، أي ميل نفس الجسم للانطلاق في الفراغ بفعل دوران الأرض. وقد اشتق نيوتن الرمز للتعبير عن القوة الأولى، أي العجلة الناتجة عن الجاذبية. أما بالنسبة للثانية، فقد قرر أن القوة الطاردة المركزية من شأنها دفع الجسم في دورة واحدة للأرض عبر المسافة، ومن خلال تحديد قيمة لحجم الأرض، خلص إلى أن قوة الجاذبية أقوى من القوة الطاردة المركزية بمقدار 350 مرة (إذ إن من شأن الجاذبية أن تدفع جسمًا ما للنزول لمسافة 16 قدمًا في ثانية واحدة، فيما تجعله القوة الطاردة المركزية يتحرك لمسافة نصف بوصة فقط).
وبفعل تأثر نيوتن بمشهد سقوط التفاحة على الأرجح، عقد في أواخر ستينيات القرن السابع عشر مقارنة بين ميل القمر إلى الابتعاد عن الأرض وبين قوة الجاذبية عند سطح الأرض، وهي إشكالية أشار إليها جاليليو، وباستخدام رقم للتعبير عن حجم الأرض جعل القمر بعيدًا عن الأرض بحوالي 60 قطر دائرة أرضية (أي المسافة من مركز الأرض إلى خط الاستواء)، استنتج أن ميل جسم ما للابتعاد عن خط استواء الأرض (قوتها الطاردة المركزية) يفوق ميل القمر للابتعاد عن الأرض بقرابة 12 مرة ونصف. فإذا كان استقرار مدار القمر يتطلب أن تقوم القوة الطاردة المركزية بموازنة الجذب الموجه مركزيًّا الذي تولده الأرض، فإن القوة الطاردة المركزية للقمر تساوي قوة جاذبية الأرض عند سطحها بمقدار 350 × 12.5 (= 4325) مرة.
وفي نفس المخطوطة التي أجرى فيها هذه العملية الحسابية، اشتق نيوتن قانون التربيع العكسي للمسافات للقوة المؤثرة على جسم دوار بدمج قانونه الخاص لقوة الجسم الدوار في قانون كبلر الثالث. وتذكر نيوتن فيما بعد أن الرقم الذي استخدمه للقوة التي تحفظ القمر في مداره 4325 قد «توافق بشكل شبه تقريبي» مع ذلك الرقم الناتج، بالأخذ في الحسبان مربع المسافة بين القمر والأرض (602 = 3600) المطلوب لقانون التربيع العكسي، وعند هذه النقطة، أعزى نيوتن الاختلاف بين هذه النتائج لتأثيرات دوامة أرضية؛ وفيما بعد أدرك أن الاختلاف ناتج عن قياس خاطئ لحجم الأرض، وكذلك رأى في هذا الجهد الخرافي دليلًا على أسبقيته في ابتكار قانون للجاذبية الكونية، غير أن هذا الجهد قدر ما كان مدهشًا، فقد افتقد العديد من عناصر نظريته العظيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة