بدأ السباق الرمضاني بالعديد من البرامج والمسلسلات التي تنوعت ما بين درامي وكوميدي وتاريخي إلى حدا ما، معظمها حتى الأن يعطي انطباع جيد بشأن الأحداث والقصة والحبكة وغيرها من تفاصيل الأعمال الدرامية، ولكن ما لبث ان لفت نظري مسلسل "رسالة الإمام"، المسلسل الذي انتظرناه طويلاً وخصوصاً مع اختفاء الأعمال التاريخية والدينية عن الساحة الفنية في رمضان بالأخص خلال السنوات الماضية، ولكن هذا المسلسل مدنا بالأجواء الرمضانية الأصلية والتي نشأنا عليها..
المسلسل جاء بعد غياب حوالى عقد من الزمان، ولا أدري السبب وراء ذلك، ربما لارتفاع التكلفة واحتياج مثل تلك الأعمال لوقت كاف للمراجعة التاريخية والعرض على الأزهر لمراجعة السياق الديني وايضاً المراجعة اللغوية وغيرها، الأمر الذي يحتاج تكلفة عالية ربما اكثر من اغلى عمل تم انتاجه في رمضان، وايضاُ احتياجة لمراجعة وتدقيق من مختصين بهذا الشأن لتلافي الأخطاء التي قد تؤثر بالسلب في ذهن المتلقي وتشوش معلوماته..
على الرغم من كثافة البروموهات الخاصة بالمسلسلات وانتشارها على الكثير من القنوات إلا أن ذلك المسلسل أثار انتباهي، نظراً لمكانة الإمام الشافعي لدي ولأسرتي، فأتذكر والدتي دائماً في زياراتها لمنطقة مصر القديمة والتي كانت تقطن بها قبل ولادتي كانت تقوم بزيارة ضريح الإمام الشافعي والإمام الليثي والسيدة عائشة ومقام أبا ذر الغفاري هناك، لم تكن زيارتنا تقتصر على ضريح معين أو شخص معين، بل كانت زيارة نستمد منها روحانيات استمرت معي حتى الأن من خلال ذكريات وعادات توارثتها عن أمي حتى وقتنا هذا..
المسلسل على الرغم من عرض حلقة واحدة منه فقط إلا أنه يحتل مكانة كبيرة لدي ولغيري من المتابعين، سعدت جداً بأشتراك الأزهر في المراجعة والأحتكام لمراجع لغوي فضلاً عن تمثيل تلك الفترة التاريخية بشكلها الأقرب للواقع وقتها، وايضاً بالرغم من تناول سيرة الإمام في مسلسل يسرد سيرته إلا أنني أعتقد بأن المسلسل الحالي باختلاف اسمه يعرض مرحلة تاريخية او رسالة معينة موجودة في حياة الإمام ونحتاج إليها بقوة الأن..
شخصية الإمام الشافعي وميلاده في العراق ورحيله إلى مصر في القرن الثاني الهجري مرحلة تحول في سياق الفكر الإسلامي، نتج عنها منهج وتراث يُتبع ويُدرس حتى وقتنا هذا، ويشاد به في المراكز المتخصصة التاريخية منها والدينية وغيرها، لما أحدثته فترة الإمام الشافعي في مصر والعالم العربي والأسلامي، حتى امتدت اثاره لخارج القارات الثلاث حالياً..
رسالة الإمام لابد من كونها رسالة قوية مؤثرة، رسالة حتى وان اختلفت مع الواقع الحالي إلا أنها ستظلل على أحداث الواقع وتكشفه أن لم تكن تعالجه، فعلى الرغم من كوني لا أعرف الرسالة الموجودة في ذلك العمل إلا أن سيرة الأمام مليئة بالعديد من الرسائل، والتي طالعت بعض منها في ديوانه وكتبه..
والحقيقة أن الواقع الأن في اشد الأحتياج لمثل تلك الرسائل، ليس لرسائل الشافعي فقط، ولكن لغيره الكثير مثل ابن عربي والسهروردي والحلاج وغيرهم الكثيرون، الذين ساعدوا في نشر الفكر الإسلامي كل بطريقته واسلوبه، ولكن يكمن اتفاقهم في نشر الأخلاق والقيم وثقافة الاختلاف واعطاء مساحة للعقل في التفكير واحياناً الأبداع..
فتحية للعمل وصناعة والمشاركين فيه، وتحية خاصة لمن ساعد على ظهور مثل هذا العمل إلى النور من جديد لإحياء التراث العربي والأسلامي صاحب التفرد في الحضارة الانسانية بأكملها، وأتمنى تكثيف مثل تلك الأعمال في الفترة القادمة وليس فقط في السباق الرمضاني، فكم احوجنا لمثل تلك الأعمال التاريخية التربوية الأخلاقية في وقت نحن في اشد الأحتياج إليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة