يضعف الأمن الغذائي ويزداد خطر الجوع في العالم ، في السنوات الأخيرة ، حتي أصبحت موجات الحرارة والجفاف والفيضانات أكثر توترا في جميع أنحاء العالم بجانب التغييرات الجيوسياسية بسبب حرب أوكرانيا وما تسبب منه في أزمات غذائية في العالم.
وتؤثر هذه الظواهر الجوية المتطرفة على سلاسل التوريد والبنية التحتية وسبل عيش الناس وإنتاج الغذاء العالمى،حيث أنه فى العقود الأخيرة ، عانى العالم من نوبات عديدة من نقص الإنتاج الزراعي في مناطق النمو الرئيسية على كوكب الأرض ، وحسبما قالت صحيفة "لا ميريا" الإسبانية فإن المزيد من الدراسات العلمية تشير إلى أنه مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب ، تزداد احتمالية حدوث أحداث مناخية شديدة تؤثر على العديد من صوامع الحبوب في نفس الوقت ، وهو وضع بدأ الشعور به مع توقعات بتأجج الأزمة فى السنوات المقبلة ، وهذا يمثل تحديًا بالغ الأهمية لنظام الغذاء العالمي ، لا سيما في سياق الأزمات العالمية.
صيف مليء بالظواهر الجوية القاسية
في عام 2022 ، أثرت سلسلة من الأحداث المناخية المختلفة فى العالم في نفس الوقت على سلال الخبز الرئيسية في جميع أنحاء الكوكب، حيث ساد استمرار الحرارة الشديدة والجفاف على الأحوال الجوية في معظم أنحاء نصف الكرة الشمالي طوال فصل الصيف، كما أدى الربيع الرطب إلى تأخير الزراعة في معظم الأراضي الزراعية في أمريكا الشمالية، وبعد أشهر ، تم تحطيم سجلات درجات الحرارة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وجنوب آسيا ، تدمرت المحاصيل وأدى هذا الى نقص انتاج الحبوب ، بالإضافة إلى الفيضانات العارمة التي أدت إلى غرق محصول الأرز في باكستان.
كما تأثرت المحاصيل الزراعية من ندرة المياه ، وترك نهر بو المزارعين في منطقة إميليا رومانيا الإيطالية يعانون بسبب القلق حول التخلي عن المحاصيل التقليدية مثل الذرة وفول الصويا وزراعة عباد الشمس.
إميليا رومانيا هي واحدة من أكثر المناطق الزراعية إنتاجية في إيطاليا. يمكن أن يؤثر نقص المياه هناك أيضًا على الإمدادات الغذائية للأبقار والخنازير ، التي يعتبر حليبها ولحومها ضروريين لإنتاج جبنة بارميجيانو ريجيانو ولحم الخنزير.
اما في بريطانيا ، فإن السكان يواجهون نقصا في الطماطم وسط ضعف المحاصيل في البلدان الموردة. ففي الشتاء تشتري بريطانيا هذه المنتجات من المغرب وهولندا واسبانيا، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اعتمد المستوردون بشكل كبير على الواردات من المغرب.
وفرضت عدد من سلاسل محلات البقالة البريطانية قيودا على عدة أنواع من الفواكه والخضروات. على سبيل المثال، قامت "أسدا" بتقييد مبيعات الطماطم والفلفل والخيار والخس والبروكلي والقرنبيط والتوت. في محلات السوبر ماركت التابعة لسلسلة بريطانية أخرى، وسيكون من الممكن شراء وحدتين فقط من السلع في الفئات التالية: الطماطم، الخيار، الخس والفلفل.
كما تتعرض الذرة لانخفاض في المحصول في الموسم الجارى ،في عدد من الدول ، وتتراوح محاصيل الذرة بين 10٪ و 50٪ في البرازيل والولايات المتحدة وجنوب وغرب إفريقيا.
ويعانى كوكب الأرض من ارتفاع في درجات الحرارة بمعدل 1.8 درجة مئوية منذ عصور ما قبل الثورة الصناعية. تعاني المحاصيل بالفعل من زيادة الحرارة وإجهاد الجفاف ، مما يجعلها أكثر عرضة لخسائر المحاصيل عندما تحدث الأنماط العالمية للطقس القاسي.
خفض إنتاج البن في أمريكا اللاتينية
وتعتبر القهوة من اكثر ما تأثر أيضا بالتغيرات المناخية ،وارتفعت أسعار البن مجددا خلال الفترة الماضية، وقالت صحيفة "انفوباى" الأرجنتينية إن بن أرابيكا شهد اعلى مستوى لها عند 1.68 دولار للرطل ، بعد أن وصل إلى قاع في 11 يناير عند 1.42 دولار للرطل، وبذلك فقد ارتفع أرابيكا بنسبة 10٪ في الأسبوعين الماضيين - لتعويض معظم انخفاضها بنسبة 12٪ في الأسابيع الثلاثة السابقة - بسبب مخاوف المحاصيل في البرازيل ، أكبر منتج للبن.
قال جاك سكوفيل ، كبير محللي المحاصيل في شركة برايس فيوتشرز للوساطة المالية ومقرها شيكاغو ""هناك فكرة أن إمكانات الإنتاج البرازيلية قد تم المبالغة فيها، وعلى الرغم من ان المحصول فى البرازيل يعتبر جيد إلا أن الظروف السيئة التي شوهدت في وقت مبكر من دورة المحاصيل التى تضر بآفاق الإنتاج الإجمالية ، كما فعل سوء الأحوال الجوية العام الماضي ".
ويأتي النقص بعد أن تجاوز الطلب في الموسم الحالي المعروض بمقدار 4.5 مليون كيس ، بحسب الشركة.
وأضاف أن الأسعار سترتفع مرة أخرى، ولكن عند مستوى أقل مقارنة بعام 2022، ونتوقع زيادة تتراوح تصل إلى 3٪ فى الأسعار فى أوروبا الغربية فى عام 2023. على سبيل المثال، 2.48٪ فى إسبانيا و1.96٪ فى ألمانيا، وذلك بالنظر إلى تكاليف الإنتاج من سعر الكهرباء الذى ارتفع بمستوى يقارب من 50% أكثر من العام السابق، وأيضا استمرار الحرب فى أوكرانيا التى لها تأثير مهم على الغاز والكهرباء.
وفى بورتوريكو، قال وزير الزراعة، رامون كونزاليس بييرو، أن سعر القهوة سيرتفع بنسبة 40%، ومن المتوقع أن توصى لجنة تقييم القهوة زيادة الأسعار فى الفترات المقبلة.
أما فى كولومبيا، فقد سجل البن الكولومبى أسوأ سعر له فى بورصة نيويورك، عند 1.54 دولار، مع انخفاض الصادرات الكولومبية إلى 11.4 مليون كيس، وزن الكيس الواحد 60 كيلو جرام.
الوضع الجيوسياسي العالمي يلعب دوره
بالإضافة إلى التغيرات المناخية ، فإن العالم يمر بأزمة سياسية من خلال استمرار حرب أوكرانيا والعواقب التي تسببها من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، حيث تفاقم ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية بسبب التضخم العالمي بعد كورونا بسبب الاضطرابات في صادرات الحبوب والأسمدة بسبب الحرب الأوكرانية ، و تعتبر كل من روسيا وأوكرانيا مصدرين زراعيين رئيسيين.
الجوع والحلول المتاحة
ففي الوقت الذى يصبح الجوع آخذ في الارتفاع، بعد الانخفاض المستمر منذ ستينيات القرن الماضي ،حيث زادت المعدلات العالمية لنقص التغذية كل عام منذ عام 2018 بنسبة 2٪ إجمالاً، فإنه يتم البحث عن الحلول المناسبة لحل تلك الأزمة.
تؤثر هذه الأزمات على قدرة شبكة الغذاء العالمية على التكيف مع الصدمات المناخية التي ستزداد حتماً في العقد المقبل. يمكن أن تساهم الاتجاهات العالمية الأخرى في زيادة ضعف النظام الغذائي، فزيادة استهلاك اللحوم ، على سبيل المثال ، ستؤدي إلى إجهاد الإمدادات الغذائية ، لأن كل سعر حراري من الحبوب التي يتم تغذيتها للحيوان لا يولد سوى جزء بسيط من السعرات الحرارية من الطعام للناس.
و أحد هذه الحلول ، هو استثمار المزيد من الجهود في التعاون الدولى حيث يجب إعادة النظر في السياسات المتعلقة بالمخزونات التجارية والأغذية في عالم يتزايد فيه خطر فشل المحاصيل في نفس الوقت، من الضروري أيضًا تعزيز تخزين الأغذية وشبكات التجارة لتقليل المخاطر ، فضلاً عن تهيئة ظروف أفضل للمساعدة في حالات الطوارئ الغذائية.
على المستوى المحلي ، يمكن للعديد من البلدان الاستفادة من زيادة الاكتفاء الذاتي الغذائي، حيث أدت عقود من السياسات النيوليبرالية إلى جعل أجزاء كبيرة من العالم تعتمد على الغذاء المستورد وأكثر عرضة لظواهر الطقس المتطرفة وارتفاع الأسعار.
والأهم من ذلك ، يجب أن يتكيف النظام الغذائي ككل مع تغير المناخ، ويمكن أن تساعد أنواع المحاصيل وطرق الزراعة الجديدة والأفضل ، خاصة إذا أخذت في الاعتبار احتياجات صغار المزارعين الأكثر ضعفاً ، والذين غالبًا ما تتجاهلهم شركات تربية المحاصيل الكبيرة.
ولكن مع تزايد احتمالية حدوث ظواهر الطقس المتطرفة ، فإن تكييف الزراعة المحلية ليس سوى نصف الحل. إذا لم يعد من الممكن اعتبار التوازن بين المحاصيل الجيدة والسيئة أمرًا مفروغًا منه ، فسيكون من الضروري وجود مجموعة واسعة من التعديلات التكميلية لنظام الغذاء العالمي للحفاظ على إمدادات غذائية مستقرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة