ربما اتسمت السياسات المصرية، طيلة السنوات الماضية، بقدر كبير من الاتزان والانسجام، بين الداخل والخارج، وهو ما يبدو في القضايا التي تمثل أولوية كبيرة بالنسبة لها، على غرار تحقيق التنمية في إطار مستدام، والتي تحولت من مجرد هدف داخلي بحت، إلى أحد أهم أدواتها الدبلوماسية، في إطار تعميم تجربتها في محيطها الإقليمي والدولي، لتتحول القاهرة إلى نموذج يمكن الالتفاف حوله، مما فتح الباب أمامها للحديث باسم أقاليمها أمام العالم، والدفاع عن رؤيتهم ومصالحهم، وهو ما تجلى بوضوح خلال قمة المناخ، والتي انعقدت في شرم الشيخ في نوفمبر الماضي، والتي تبقى أحد أهم الشواهد على تجاوز الدور المصري للنطاق الإقليمي الضيق نحو آفاق دولية أوسع.
إلا أن حالة الانسجام، التي تتسم بها الرؤية المصرية، ربما لا تقتصر على القضايا الدولية المثارة، وإنما تمتد إلى إدارة علاقاتها بأطراف المعادلة، سواء السياسية أو المجتمعية أو الاقتصادية أو غيرها، وهو ما يبدو في النهج القائم على مفهومي "المصالحة" و"الحوار"، والذي يحمل في طياته قدرا كبيرا من الانفتاح، ليس فقط مع الشركاء، وإنما أيضا مع كافة الأطراف الأخرى، ذات التوجهات المخالفة، عبر ما يمكننا تسميته بـ"سياسة الباب المفتوح"، والتي من شأنها خلق مساحة للجميع للمساهمة والمشاركة الفعالة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الجمعية، سواء على مستوى المجتمع في الداخل، أو على المستويين الإقليمي أو العالمي.
فلو نظرنا إلى الداخل المصري، نجد أن ثمة خطوات كبيرة اتخذتها الدولة، تحمل صبغة "تصالحية"، تحمل "بابا مفتوحا" للجميع، عبر إدماج كافة الفئات السياسية والمجتمعية في "بوتقة" العمل الوطني دون إقصاء، على غرار الحوار الوطني، والذي تجاوز الأعراف التقليدية، والتي اقتصرت في الماضي على الأحزاب السياسية، ليضم فئات مجتمعية عانت تهميشًا صارخًا، على غرار المرأة والشباب وذوى المهم، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني، وهو ما يساهم في الاستفادة من كافة الخبرات في جميع المجالات، لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع، في مواجهة تحديات عميقة، جراء حالة من الأزمات طويلة الأمد.
حالة الاندماج بين أطراف المعادلة في الداخل امتدت إلى تدشين صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة، ومؤسساتها من جانب، والقوى الأخرى، التي تضع نفسها في إطار "المعارضة"، عبر تحقيق قدر من الشراكة، من شأنها السماح للجميع بالعمل والاستفادة من مختلف الرؤى والخبرات، بعيدا عن الوتيرة المتسارعة التي تتسم بها الصراعات السياسية المعتادة، والتي تؤججها سياسات التهميش والإقصاء، لتؤدي في نهاية المطاف إلى اندلاع شرارة الفوضى المجتمعية غير المحسوبة، والتي قد تأكل الأخضر واليابس.
سياسة "الباب المفتوح" تنطبق كذلك في إدارة علاقات مصر الدبلوماسية، والتي تتجسد في العديد من المشاهد الإقليمية والدولية، عبر تطويع كافة الظروف والمستجدات لتحقيق مزيد من الانفتاح على كافة الدول، باختلاف رؤيتها أو توجهاتها، وهو ما يتجلى في التحركات الدبلوماسية التي خاضتها مصر، في أعقاب ثورة 30 يونيو، والتي تمركزت حول احتواء الخلافات، والانطلاق نحو مزيد من التعاون لتحقيق المصالح الجمعية، وهو ما أثمر في تنويع الشراكات التي تجاوزت الحالة الإقليمية نحو العالمية، بالإضافة إلى تطور العلاقات مع دول، ربما كانت على قائمة "الخصوم" لسنوات طويلة.
وهنا يمكننا القول بأن سياسة "الباب المفتوح" تمثل نهجا مصريا بامتياز يعتمد في الأساس على تضييق نطاق الخلافات لتصل بها تدريجيا إلى "درجة الصفر"، مع العمل على بناء أسس جديدة للعلاقة من التعاون والشراكة على أرضية من المصالح المشتركة، سواء بين أطراف المعادل السياسية في الداخل، أو في إدارة العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى، شريطة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والعمل معا على أساس الاحترام المتبادل.