حالة من الارتباك الشديد عانت منها الأسواق العالمية منذ جائحة كورونا، واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لتظهرعلى الواجهة أزمة العملات الأجنبية وخاصة أزمة الدولار الأمريكى، التى تتعامل به معظم دول العالم فى استيراد منتجاتها فى الخارج، حيث يحتل الدولار الأمريكى المركز الأول فى التعاملات التجارية بين معظم دول العالم، ليتساءل البعض، هل تستطيع الولايات المتحدة طباعة الدولار الأمريكى متى شاءت وبالكمية التى تريدها، أم أن هناك ضوابط تحكم هذه العملية؟.. ومن هي الجهات المعنية بطباعة الدولار، ومن يعطى أمر الطباعة؟، وكيف يتم تحقيق التوازن بين طباعة الدولار ومعدل التضخم؟
بحسب تقرير لشبكة سكاى نيوز، فإن هناك أربع جهات أمريكية تتشارك قرار طباعة دولار وهى البيت الأبيض ومجلس النواب والشيوخ ووزارة الخزانة ومجلس الاحتياطي الفيدرالى، مشيرين إلى أن الأخير يعطى أمر الطباعة فى عملية متوازنة ودقيقة.
الدولار الأمريكى
وأوضح التقرير أن الطلب على الدولار يزداد أثناء الأزمات وهو ما يفيد الولايات المتحدة لجهة التضخم الذي يتم توزيعه بدرجة متساوية على جميع حاملي العملة الخضراء ودون أي تأثير على سعر الصرف، مشيرين فى الوقت ذاته إلى أن طباعة العملة ترتبط بشكل أساسى بتقديرات الاحتياطي الفيدرالى لمعدل التضخم ولمستوى الطلب في الاقتصاد.
وأكد التقرير أن جذر العلاقة المالية والاقتصادية ما بين الفروع المختلفة من الإدارة الأمريكية وهي البيت الأبيض ومجلس النواب والشيوخ ووزارة الخزانة ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، مشيراً إلى أن هذه الجهات الأربعة منوط بها الحالة الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة، إذ تربطهم علاقة ثنائية وأخرى ثلاثية وفي بعض الأحيان يرتبطون بعلاقة رباعية، وهذه العلاقة لها أحكام وضوابط واضحة ودقيقة وتعود إلى أكثر من 150 عاماً.
وأشار التقرير للشبكة أن طباعة البنكنوت "الكاش" فهو أمر يصدر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالى والذى يعد بمثابة البنك المركزى فى الولايات المتحدة، إلى وزارة الخزانة التي ينضوي تحتها هيئة طبع وصك العملة بهدف طباعة كمية معينة من النقود من مختلف الفئات، وعلى سبيل المثال في بداية العام الجاري صدر أمر من الاحتياطي الفيدرالي لطباعة 190 مليار دولار من فئات مختلفة تحددها وزارة الخزانة، طبقاً لما قاله الدكتور الشعار.
الدولار
وأوضح التقرير أنه "ضمن مستويات العرض المالي غير "الكاش" في الولايات المتحدة، هناك سندات الخزينة والتي تصدرها وزارة الخزانة، وهذه السندات يتم تتداول على أنها نقود (دولار) بدليل أن أغلب دول العالم تمتلك سندات خزينة أميركية وتعتبرها نقود مع أنها عبارة عن أوراق، لكن إذا اقتصرنا في الحديث هنا عن البنكنوت فيوجد علاقة ثنائية ما بين الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة إذ يصدر الفيدرالي أمرا بطباعة النقود لصالح وزارة الخزانة بكمية معينة، مرة أو مرتين في العام".
وأستطرد التقرير أن الحكومة الأمريكية أو الجهات الأربع المعنية بالحالة الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة لا تستطيع طباعة الدولار فى أى وقت، بل العملية متوازنة ودقيقة وتخضع لقرار مشترك بين هذه الجهات، وهذا القرار تحكمه تقديرات الاحتياطى الفيدرالى لمعدلات التضخم ولمستوى الطلب فى الاقتصاد ليصدر على أساس ذلك أمر الطباعة.
وأكد التقرير أنه "نتيجة لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وما قبلها من جائحة كورونا، وأزمة الغذاء، وزيادة معدلات التضخم وما تبعها من زيادة معدلات الفائدة من البنك الفيدرالي الأمريكى والبنوك المركزية بالعديد من دول العالم، لجأ العديد من الأفراد والدول إلى الحصول على عملات الدول المتقدمة التي تتميز بالثقة في قيمتها، ويعد الدولار أول تلك العملات، فأثناء الأزمات يزداد الطلب على الدولار، وهذا يفيد الولايات المتحدة لجهة التضخم الذي يتم توزيعه بدرجة متساوية على جميع حاملي الدولار، ودون أن تأثير على سعر الصرف".
طباعة الدولار
من هذا المنطلق، فمن مصلحة الولايات المتحدة إثارة حالات عدم الاستقرار خارج حدودها، كي يقوم أصحاب الثروات الكبيرة من البلدان النامية بنقل الأموال إلى بلدان "مستقرة ومتقدمة"، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وأكدت خبيرة اقتصادية لشبكة سكاى نيوز، أن السياسة الأمريكية في التعامل مع أزمة التضخم واعتمادها لسياسة رفع الفائدة أضرت بجميع دول العالم بوجه عام والدول النامية على وجه الخصوص، ما يعنى أن جميع دول العالم تدفع ثمن السياسة النقدية الأمريكية بطباعة 12 تريليون دولار في أقل من عامين، لكنها لا تعتقد بوجد خطر حدوث التضخم المالي المفرط في الولايات المتحدة وذلك بسبب الوضع العالمي للدولار.
من جانبه، قال أحد الرؤساء التنفيذيين لإحدى الشركات لشبكة سكاى نيوز، إن هناك دولارات خاضعة لسلطة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكى ودولارات ليست خاضعة لسلطته وتسمى يورو دولار (Eurodollar) أي ودائع وقروض في أوروبا أو خارج الولايات المتحدة، والتحدي الكبير في الأشهر الـ 16 المقبلة أمام الفيدرالي هو كيفية محاربة التضخم دون رفع الفائدة إلى مستويات فادحة، وهناك طرق عدة منها ما يسمى "الريبو" وهو اتفاقية إعادة الشراء، أو اتفاقية البيع وإعادة الشراء، وهي شكل من أشكال الاقتراض قصير الأجل خاصة في الأوراق المالية الحكومية، حيث يبيع الوكيل الضمان الأساسي للمستثمرين ويشتريه منهم مرة أخرى بعد فترة وجيزة، في اليوم التالي عادة، بسعر أعلى قليلاً، حيث يمكن أن يلجأ الفيدرالي إلى هذه الطريقة كي يحسن السيولة في سوق السندات الحكومية الأمريكية الذي هو أكبر سوق مالي في العالم".
كما أكد أن سوق السندات الأمريكي شهد نقصاً في السيولة في أوقات كثيرة وكان آخرها في فترة جائحة كوفيد (مارس 2020)، حيث حدث ارتباك في سوق السندات أي انعدمت السيولة بسبب الفرق الكبير بين سعر البيع والشراء، لأن عدد البائعين لم يواز عدد المشترين وهذه مشكلة إذ يهبط سعر السندات وترتفع العوائد، والفيدرالي يقول إنه يستطيع رفع الفائدة 6 بالمئة حتى يتم تهدئة التضخم، وإن لم يحدث ذلك فسيكون مجبراً على رفع الفائدة وهذا الرفع سيدفع عوائد كل السندات الحكومية إلى مستويات أعلى، طبقاً للعايدي.
وأضاف أيضا أن الفيدرالي الآن بعيد عن الطباعة، لأن الطباعة تأتي عندما يتم اللجوء إلى التيسير الكمي (شراء السندات) والآن يتم العكس أي التضييق النقدي (بيع الأصول التي تم شراؤها خلال التحفيز الكمي)، فعندما يتم شراء السندات يتم التوسع ويحدث ذلك مع تخفيف السياسة النقدية لكن الآن يحدث العكس تماماً حيث يتم رفع الفائدة وبيع السندات، لذلك فإن الفيدرالي حالياً بعيد عن طباعة النقد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة