كانت الساعة تقترب من الثانية ظهرا، والشمس تعكس أضواءها على مياه البحر المتوسط، في منطقة المارينا بمدينة برشلونة، الأجواء كانت أكثر من رائعة، والجميع يتسابق لالتقاط الصور التذكارية مع اليخوت الراسية في المارينا، والطيور المنتشرة خاصة "الباتروس"، الذى كان يملأ المكان بهجة.
فجأة، وفى وسط الانشغال بالأجواء الجميلة، لم يجد صديقى شنطته الصغيرة الخاصة به، بعدما تركها بجواره على الأرض للحظات يتمكن خلالها من التقاط صورة "سيلفى" مع اليخوت الراسية في المارينا. التقط الصورة، لكنه لم يجد الشنطة في مكانها. التفت يمينا ويساراً بحثا عنها، لكن لم يجدها. جن جنونه، فالشنطة بها كل شيء "جواز السفر والبطاقة الشخصية، وبطاقات الائتمان البنكية فضلاً عن مبلغ مالى من عملة اليورو"، ووسط انشغاله بالبحث عن الشنطة، وجد سيارة شرطة تمر من أمامه، فأسرع إليها واستوقفها وشرح لهم ما حدث، لكن كان الرد "اذهب إلى مركز الشرطة لتحرير محضر".
الرد كان غريبا ومفاجئاً، فلماذا اذهب إلى مركز الشرطة، وانتم متواجدون في المكان. ما هو دوركم. لم يتلقى صديقنا ردا، وكل ما تلقاه أنهم منحوه عنوان مركز الشرطة الذى يبعد عن مكان السرقة مسافة 2 كيلو تقريباً.
حينما التفت صديقنا حوله، وجد أن المكان ملئ بالكاميرات، فاطمأن أن حقه سيعود، فكل شيء مرصود بالصوت والصورة!.
ذهب إلى مركز الشرطة، في أحد الشوارع المتفرعة من شارع "رامبلا" أحد أشهر شوارع برشلونة، وهناك بدأ صديقنا يستفيق من صدمة السرقة ليتلقى صدمة أكبر، فعلى الرغم من التعامل المحترم والانسانى داخل المركز، ومحاولة الشرطية في بداية الأمر تهدئته، والطلب منه بداية الاتصال بالبنك المتعامل معه لإغلاق الحساب لغلق الباب أمام السارق قبل أن يجرى عمليات شراء من خلال "الفيزا"، وهو ما قام به صديقنا بالفعل، وكانت هذه النصيحة في توقيتها، فبعد إيقاف الحساب، تلقى صديقنا رسالة من البنك تفيد بأن "الحرامى" حاول إجراء عملية شراء بالكارت في سوبرماركت، لكن العملية تم رفضها.
أقول استفاق صديقنا من صدمة السرقة إلى الصدمة الكبرى، فكل ما ستقوم به الشرطة هو إجراء محضر بما حدث، لكى يستخدم المحضر في استخراج وثيقة سفر من خلال السفارة المصرية في مدريد تمكنه من العودة إلى القاهرة، كبديل لجواز السفر المسروق، لكن بخلاف ذلك لن يحدث شيء.
هنا تسأل صديقنا، وهل ستتركون الحرامى؟.. مكان السرقة به كاميرات كثيرة ترصد كل كبيرة وصغيرة، وبالعودة إليها يمكن بسهولة تحديد هويته، لكن للأسف لم يتلق رداً. الرد الوحيد، أن كل دورنا تحرير المحضر، واذا قام أحد بتسليمنا محتويات الشنطة سنعيد الاتصال بك لإعادتها إليك.
خرج صديقنا من مركز الشرطة، غير مصدق لما يحدث.
كاميرات في كل شبر، ودوريات شرطية تمر في الشوارع على مدار الساعة، لكنها لم تمنع حرامى من سرقة الشنطة، ربما لأنه يدرك أن أحد لن يتحرك لتعقبه أو تحديد هويته.
خرج صديقنا من المركز، وكل تفكيره في العودة إلى القاهرة، فتم التواصل بالسفارة المصرية في مدريد، التي كانت كعادة غالبية سفاراتنا بالخارج عند حسن الظن، السفير يوسف مكاوى، سفيرنا في أسبانيا، وطاقم السفارة خاصة الإدارى النشيط رانى إبراهيم، كان هدفهم الأول طمأنة صديقنا وأنهم سيوفرون له وثيقة السفر التي تمكنه من العودة إلى القاهرة، وهو ما تم فعلياً في دقائق معدودة.
ما قام به السفير المصرى وطاقم السفارة، شيء يدعو للاطمئنان. نعم انت خارج الأراضي المصرية، لكن دولتك خلفك أينما ذهبت.
لكن تبقى المشكلة كما هي، كيف لدولة سياحية كبيرة مثل اسبانيا، لا يكون لديها نظام أمنى يمنع بداية حدوث مثل هذه السرقات في الشوارع الرئيسية والشهيرة، واذا حدثت، فكيف لا يتم ملاحقة مرتكبيها والقبض عليهم، خاصة وأن كل الشوارع مغطاة كاملة بالكاميرات!.
أحد المصريين المقيمين هناك في برشلونة، قال لنا أن حالة صديقنا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فالسياح يشتكون دوماً من السرقة، لكن للأسف لا رادع للسارقين، فكل المحاضر التي يتم تحريرها يومياً، تدخل في إطار الحفظ، رغم أن الشرطة لديها القدرة على تعقب السارقين بالصوت والصورة، لكن يبدو أن لديهم أولويات أخرى تفوق أولوية حماية السائحين في دولة تعتمد فى كثير من دخلها على جذب السياحة.
هذه تجربة عايشتها قبل عدة أسابيع قليلة مع صديقى، خلال زيارتنا لأسبانيا. تجربة أراها مهمة، لكن من يفكر في الذهاب إلى أسبانيا أو غيرها من الدول الغربية، نعم هي دول متقدمة، لكن التقدم عندهم ليس كاملاً، فالنواقص كثيرة، وأكثرها ينتقص من قيمة الدولة نفسها، لكن من الواضح عن عناصر الأبهار النظرية تغطى دوماً على هذه النواقص، وتجعلنا نحن كمصريين وعرب مبهورين بالشكل الأوربي من الخارج، دون ان نتعمق في نواقص أو مشاكل الداخل.
هذه تجربة جعلتنى أعيد تقيم الصورة بالكامل، واتسأل ولو بحسن نية، لماذا أذا تعرض سائح أجنبى في مصر لموقف مشابه أو مضايقة، يتم تصعيد الأمر وتناوله في الإعلام الأجنبي على أننا دولة لا تراعى حقوق السياح، وتلتزم بتوفير الحماية لهم، رغم أن هذه المواقف غالبا ما تكون فردية، ولا تحدث الا قليلاً جداً، في حين أن حوادث سرقة السياح في أوربا تتكرر على مدار الساعة، ولم يتحدث أحد هناك عن حقوق السياح وحمايتهم. هذه نقطة تستحق منا التوقف أمامها كثيراً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة