سره الباتع .. قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس، تحولت إلى مسلسل للمخرج خالد يوسف بعد مرور 65 عامًا على صدورها ضمن مسلسلات رمضان 2023، وتزامنًا مع عرض مسلسل سره الباتع، ينشر "اليوم السابع" قصة "سره الباتع" التى نشرت لأول مرة عام 1958 ضمن مجموعة قصصية بعنوان "حادثة شرف".
سره الباتع لـ يوسف إدريس.. الجزء الرابع عشر
ومنذ ذلك التاريخ أُصِيب جنودنا بمرض الخوف من الفلاحين إلى درجة جعلتْ أحد أطباء الجيش يُطلِق على هذه الحالة: "فلاحين فوبيا".
غير أنَّ هذا المرض بدأ يزول تدريجيًّا حين تمَّ لنا الاستيلاء على مصر، ورأينا الفلاحين عن قُرْب ولم نجِدْهم متوحِّشين ولا من أكلة لحوم البشر، وجدناهم حين عرَفْناهم طيبين جدًّا، ومسالِمِين، ويخجلون من الغرباء، ولكنهم مطيعون، وأحيانًا كنا نجِدُهم ساذجين، حتى ليُخَيَّل للواحد منا أنَّه لو صفع أحدهم لَمَا احتجَّ ولما غضب، ولم نكن نستطيع أن نصدِّق أنهم هم الذين افزعوا قوات مارتن حتى أحالوها إلى قطيع من الحيوانات المذعورة التي تبحث عن النجاة بأية طريقة.
ما كِدْنا نَرَى هذه العِصِيَّ الرهيبةَ التي يسمُّونها النبابيت ونسمع: «لهكبر» هذه حتى جرَيْنا كلُّنا إلى القلعة لنحتَمِيَ بها، ولم تحدث في هذا اليوم خسائر، كنَّا فقط قد خسِرْنا المتَّهَم؛ إذْ كانوا قد استطاعوا في غمرة الارتباك الشديد الذي حدث أن يهرِّبوه، وتولَّى بيلو غضبٌ جامِحٌ، وجمع قوَّاته في فناء القلعة، وألْقَى عليهم خطابًا يفيض بالتأنيب والتوبيخ، وقال لهم إنَّنا سنخرج كلُّنا من القلعة ولن نعود حتى نكون قد قبَضْنا على حامد هذا وعلى عشرةٍ غيره!
وتركتُه هو يواصِلُ جهودَه المظفَّرة، أمَّا أنا فقد أخذتُ طريقي عائدًا إلى حفرياتي في منطقة الهرم، ولكنَّ أخبار ما حدث بعد هذا كانتْ تَصِلُنا من القاهرة باستمرار، ولم أعرِفْها وحدي، كان الجميع يعرفونها.
فقد خرج بيلو على رأس قوة القلعة كلِّها وحاصَرَ شطانوف، وفتَّشَ كلَّ المزارع التي حولَها، وفتَّش كلَّ البيوت ولم يعثُرْ على حامد، فقَبَضَ على شيخ البلد وعلى عشرة من الأهالي، ونادى المنادي أيضًا بأنَّه ما لم يَظهَر حامد فسيُعْدِمهم، ولكنَّ الشمس غابتْ ولم يَظهَر حامد، وخاف بيلو إنْ هو أطلَقَ النارَ على الفلاحين الأسرى أن يزداد الشغب، فأعطى أهالي شطانوف مهلةً أخرى، ولَمَّا لم يَظهَر حامد غضِبَ بيلو وأطلَقَ النارَ على شيخ البلد، واحتفَظَ بالباقِين أحياء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة