قد يراها البعض أمرًا عاديًّا، أو موقعًا مُتكرّرًا شغلته مصر كثيرًا من قبل. شخصيًّا أعتبر اختيار الزميل رامى نوار ضمن لجنة المصوّتين الدوليين للدورة 81 من جوائز رابطة الصحافة الأجنبية فى هوليود «جولدن جلوب» مكافأة مهمة للموهبة والدأب والاجتهاد واستقامة النفس، ليس هذا انحيازًا إلى زميل وإن استحق الانحياز، ولا إلى مؤسسة نتشارك الانتماء لها وإن كان حق لها علينا، وإنما من باب أن بعض البشارات الصغيرة تُقدّم براهين كبيرة على أن الجهد الصادق لا يضيع، وأن الموهبة مفازة صاحبها ورأس ماله، وربما كنزه المؤجّل فى علم الغيب.
تشهد الدورة الجديدة حضور 4 وجوه مصرية: رامى نوار وإلى جواره الزملاء محمد سيد عبدالرحيم وياسمين شحاتة ومحمد عوض، فضلا عن ثلاثة أعضاء فى الرابطة، وهو تمثيل بارز للمصريين فى محفل مهم. اختيار «رامى» نتاج شهور من الاشتغال على مساحة نوعية مُميزة من موضوعات الفن والترفيه، وقبلها كانت لديه اهتمامات أخرى، والرسالة أن الكفاءة الحقيقية تسمح بالمنافسة فى ملاعب جديدة وإحراز السبق، فضلاً عن دلالة عامة تنبع من ظروف الاختيار وسط أجواء إصلاحية تنتهجها الجائزة، سعيًا إلى ترميم شروخ عديدة طالت جسدها العجوز مؤخّرًا.
تأسست رابطة الصحافة الأجنبية فى هوليود سنة 1943، ثم أطلقت جائزتها فى العام التالى.. حتى الدورة الأخيرة لم يتجاوز أعضاؤها 95 صحفيا من المقيمين فى نطاق لوس أنجلوس، إضافة إلى 105 مُصوّتين دوليين اكتمل بهم العدد 200. الدورة المُقبلة زادت بأكثر من 50 % لتُسجّل 310 منهم 215 مصوّتًا دوليًّا بواقع 87 باقين و128 جُددًا. نسبة الزيادة كانت الرابطة قد وعدت بها فى مايو 2021 على خلفية إجراءات إصلاحية واجهت بها اتهامات بأنها مجموعة مُغلقة ومُستفحلة القوة ومُنحازة ضد بعض الفئات، فوعدت بتوسعة هيكل المشاركة وتنويعه، وحوكمة آليات العمل، وفى ضوء ذلك مثّل التشكيل الجديد 76 بلدًا بمروحة واسعة من الانتماءات العرقية والثقافية والعقائدية والجندرية.
غابت «جولدن جلوب 2022» عن جمهورها بشكل شبه شامل، باستثناء تغريدات موجزة بأسماء الفائزين.. توقفت قناة NBC عن بثّها لأول مرة منذ 1996، وكان ذلك ضربة قاسية للرابطة التى تعتمد بالدرجة الأكبر على عوائد البث.. الإجراءات الإصلاحية أعادت الأمور إلى سياقها المُعتاد، وقائمة الاختيارات الجديدة تحاول ترسيخ صورة أكثر شفافية وتنوّعا للجائزة، وهو ما يبدو واضحا فى نوعية الاختيارات، والفلسفة التى سمحت بانضمام وجوه جديدة مثل «رامى»، بخلفيات مهنية ومعرفية أوسع وأكثر شمولاً من حقل الصحافة الفنية وحده، ما يُشير إلى مساعٍ حقيقية لتحويل الجائزة إلى منصة فسيحة تستوعب كل الأفكار والتيارات بالفعل، ولا تنحصر فى دوائر بعض أعضاء الرابطة وعلاقاتهم بالاستوديوهات المهيمنة أو شبكات التليفزيون العملاقة فقط!
رامى من صنف الصحفيين الذين لا يُساورك شك فى استحقاقهم النجاح؛ إذ ليس نبتًا شيطانيًّا فى بستان المهنة ولا طاحونة ضجيج ممن يُنظّرون أكثر ممّا يُفكّرون ويعملون.. شاب يملك خبرة الكبار، وكادر يمتلئ بحماس الشباب، كأنه طالب إعلام شغوف يتودّد لصاحبة الجلالة، أو مقيم عتيد فى بلاطها لم يفقد روح الهواية بعد.. عايشته سنوات فوجدت فيه الدأب والإخلاص والضمير والقدرة على الخيال، والأهم رغبة النجاح وقدرة تحقيقه فى كل تجربة أو اختبار.
كان صحفيا جيدا فى قسم السياسة وتولّى ملف الإسلام السياسى خلال فترة ساخنة، فأجاد وكان على قدر المسؤولية، وبالكفاءة نفسها كان سكرتيرًا للتحرير فى اليوم السابع، ومديرا للتحرير فى تجارب نوعية مثل موقع برلمانى أو منصة فيديو 7 التى كانت سبقًا وقتها فى إيلاء المحتوى المرئى اهتمامًا مركزيًّا ضمن رهانات صحافة الديجيتال. وكذلك كان واحدًا من مؤسسى تجربة تليفزيون اليوم السابع، ومدير تحرير ضمن هيكلها الناضج منذ عدة سنوات، وإلى جانب مهامه الإدارية والتحريرية ابتكر لنفسه مسارًا خاصًّا وركّز وأنفق عليه كثيرًا من الوقت والجهد، فترك بصمة فردية خاصة لا يُمكن إلا أن تلتفت إليها مُعجبًا ومبتهجًا!
أنجز «رامى» حلمه الخاص فى برنامج «وجوه مصرية»، مُتتبِّعًا نماذج مصرية لامعة فى الخارج، بأقل إمكانات وبانفتاح على كل المجالات بعيدًا من الصندوق المعتاد والوجوه المُكرّرة، فاستضاف باحثين وعلماء فى ناسا وجامعات أمريكية، وفنانين وروّاد أعمال، وسياسيين وتنفيذيين ضمن بنية الإدارة والحُكم الغربية، وأصحاب أفكار وتجارب مُبتكرة ممّن تربّوا فى مصر وما يزالون مُنتمين إليها وفخورين بها، ثمّ توسّع إلى مسار نوعى من مُقاربة القضايا والموضوعات الذائعة، فاستضاف طباخ الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، ثم سكرتيرها، والممرضة إيمى لوجرين صاحبة القصة الحقيقية لأحد الأفلام البارزة بالموسم الماضى «The Good Nurse»، وامتدّ الأمر إلى متابعة اكتشافات علمية واستضافة أطباء وحالات مرضية خضعت لاختبارات نوعية مُتقدّمة، وعشرات غيرهم من القصص والوجوه المُحفّزة، وفى كل ذلك رأيته يقضى أسابيع بين رسائل ومهاتفات لفتح قناة اتصال مع ضيف مُحتمل، ثم الاتفاق على التفاصيل، وترتيب المواعيد، وإدارة التعقيدات الفنية للتصوير، ومتابعة مراحل إنتاج المحتوى وصولاً لصورته النهائية.. باختصار كان مواكبًا كأنه مُؤسّسة متنوّعة الاهتمامات، يجتهد فى كل بابٍ منها اجتهاد أهل التخصص، ويعبر عليها جميعًا عبور المتلقى الشغوف بالمعرفة والراغب فى الإلمام بكل شىء.
اختيار رامى نوّار تقدير مُستحق، ومكافأة تُربّت على قلوب المجتهدين والمُخلصين من شباب المهنة وشيوخها.. سعيد للغاية بهذا الاختيار، وأُهنّئ «رامى» وكل مُجتهد دؤوب.