من يريد أن يعرف كيف تُولد الحوارات؟ وكيف يصل الخلاف إلى منتهاه، والاستقطاب إلى أقصاه؟ يمكنه متابعة الاختلافات الفنية والتى تتحول إلى معارك قَبلية حول دراما رمضان، وإذا لم يكن المستخدمون قادرين على إدارة حوار حول ما يشاهدونه، فكيف يمكن الوثوق بآرائهم فيما يتعلق بمصير العالم ومستقبل الكرة الأرضية؟!
وبقدر ما تقدم مواقع التواصل فرصة للفرجة والتعرف على آراء متعددة، من الصعب أن تكون قاعدة للحكم أو التعرف على الآراء الحقيقية، هناك ازدواجية، ورغبة لجذب الأنظار أو الحصول على متابعة وإعجاب وقلوب وتصفيق، ممن يطرحون آراءهم انطلاقا من رؤية مسبقة، وبالطبع هناك من يطرح رأيه اقتناعا أو انحيازا، ويظهر تأثير السوشيال ميديا حتى فى طريقة تعاطى الجمهور وتفاعله، بشكل يجعل من الصعب التفرقة بين التريند المصنوع والواقع الذى يفرض نفسه، والعمل الذى يشد الجمهور، وبصرف النظر عن الموقف من هذا الفنان أو غيره، هناك حالات من الدراما تعالج ما يمكن تسميته رغبات الجمهور، فيقبل عليها بشكل قد يبدو صادما لمن يسعى للتعرف على الأسباب بعيدا عن الجمهور، وهو نقاش دائر من عقود حول أعمال كثيرة فى السينما والتليفزيون.
هناك تحولات وتغيرات فى المجتمع من الطبيعى أن تتعامل معها الدراما، خاصة القضايا الأسرية والعائلية، الطلاق، والتعدد بين الرفض والقبول، وهى ظاهرة تخضع لآراء اجتماعية، وأحيانا دينية، وعند طرح هذه الأفكار، ينقسم الجمهور حسب موقفه من الموضوع، ولهذا تظهر آراء تهاجم بشكل مسبق، مرة تهاجم المضمون وتسعى لتصيّدأ خطاء، وأخرى تعتبر معالجة قضايا اجتماعية وإنسانية نوعا من الإهانة، وهو تناقض واضح يظهر حجم التعامل مع هذه الموضوعات، البعض يرى أن قضايا الأسرة أو الصراعات الاجتماعية واقع يستحق العرض دراميا، بينما نفس الشخص أو غيره يرفض طرح موضوعات تتعلق بحياة المرأة وعملها.
أكثر من عمل هذا العام يعالج موضوعات الطلاق والخلافات الزوجية والوصاية والميراث، وتأثيراتها على الأسرة والأطفال ومصائرهم، ومنها» مذكرات زوج» أو» جعفر العمدة» و «تحت الوصاية»، والأخير يثير ويعالج قضية شديدة الحساسية، وموجودة فى المجتمع من حولنا، حيث تنعكس مصائر العائلات على الأبناء بشكل مباشر، وأيضا قضية تعدد الزوجات أو التناقضات فى المجتمع والصراعات الدينية والقبلية والتقاليد التى لا تنتمى إلى الدين، ويسعى البعض لإلباسها ثوبا دينيا، بينما القضية تتعلق بالطمع والمصلحة ومحاولة انتزاع النفوذ.
وداخل الخلاف حول الموضوعات، هناك اختلاف ومواقف مسبقة من الممثل نفسه، بناء على سلوك سابق أو حال، بعيدا عن الموضوع، ودائما كانت الأعمال الدرامية التى تجذب الجمهور هى التى تصدم النخب ويجدون أنفسهم مطالبين بتبرير الرفض لأنفسهم، من دون أن يقنعوا الجمهور.
مع الأخذ فى الاعتبار أن مواقع التواصل أيضا تسودها الاختصارات والأحكام المطلقة، باستثناءات قليلة، وتنتشر ظاهرة النقد اللحظى، وإطلاق الأحكام أثناء عرض الحلقة ومن دون انتظار لتطورها أو حتى اكتمالها، بينما الواقع أن الأعمال الدرامية فى أغلبها تنطلق من الواقع إلى الخيال، وتسعى لمعالجة هذه الموضوعات فى إطار من التشويق والجاذبية التى تطيل بقاء المشاهد متابعا للأحداث، ومن هنا فإن القضايا الاجتماعية أو الإنسانية تعتمد أحيانا على الواقع، وتطرح موضوعات فى الواقع، لكن الاستقطاب والانحياز كثيرا ما يجعل من الصعب التفرقة بين رأى شخصى، ورأى منقول أو مبنى على تبعية.
وهذا الانقسام الحاد الذى يصل إلى الصدام حول الموقف من مسلسل أو فيلم، هو نفسه الذى يجرى حول مباراة، ويجعل الاختلاف يصل إلى التشاحن والاحتقان والفتنة، ربما اتهام من يتفرج بأنه ناقص عقل وخال من الإنسانية، ويرد الآخر باتهام الأول بالسطحية والجهل، وهو مشهد رأيناه فى السابق، ونتابعه وسط حالة من الفرجة، بينما الدراما فى الأصل للتسلية والفرجة، لكن انتقل الاستقطاب من الرياضة للسياسة، وانتقلت العدوى إلى مواقع التواصل، وأصبحنا أمام فرق من المختلفين الذين يتحاربون بالكلام، من دون أن يبحث أى منهم عن أى مساحة مشتركة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة