فى مسلسل تحت الوصاية، هناك مشهد يحمل مسحة كوميدية مع الدراما، دياب أو صالح عم الأولاد وشقيق زوج منى زكى الراحل، عندما يعرف أن والده فى حالة حرجة وتخبره موظفة المحكمة أن وفاة والده تعنى ذهاب الوصاية من الجد إلى الأم، يذهب صالح إلى المسجد يصلى ويدعو ربنا أن ينجى الأب من المرض، وعندما يأتى له متسول يسأله، يعطيه ويقول له ادعو لأبى إن ربنا ينجيه وهو ما يفعله الرجل بإخلاص، يدعو للأب، أن يشفيه الله، الشحات هنا يريد مصلحته، والعم أيضًا يريد أمرًا غير مشروع، يصلى له بكل خشوع، وهى مسحة كوميدية لكنها فى الأساس إنسانية تحمل مشاعر متضاربة، حيث يدافع الشخص أحيانًا عما ليس من حقه، ويتعامل معه على أنه حق له، بل وقد يغفل عما إذا كان ما يفعله شرا.
المشهد يحمل مسحة كوميديا، لكنه أيضًا مأساوى، صالح صادق جدًا فى دعوته أن ينجو والده، حتى يبقى واضعًا يده على ميراث أبناء شقيقه، لا يشعر بذنب أنه يأكل أموال اليتامى، بل ويدعو الله أن يبقى له والده ليتمكن من أكل أموال اليتامى، وهو يفعل ذلك بكل إخلاص، ويريد أن يتزوج من خطيبته، وحماته عندما تعرف أن المركب ذهبت تحرض ابنتها على فسخ الخطبة.
وحتى الجد وهو يخضع لضغوط ابنه صالح، لا يبدو راغبًا فى ظلم أحفاده، بل هو يتصرف من وجهة نظره، وحيرته بين مصالح أحفاده، ومصالح ابنه الأصغر، وهى ميزة للقصة وفريق العمل فى مسلسل «تحت الوصاية»، فهو عمل يقدم الأشخاص بطبائعهم، وخلطة الشر والخير داخل نفس الشخص، والعمل كله يقدم هذه الفكرة من زاوية إنسانية وليس من زاوية أحادية، ثم إنه لا يسلط الضوء على قضية الوصاية وتضارب المصالح أحيانًا، لكنه أيضًا يعالج موضوع المجلس الحسبى، والذى يقوم بدور القيم على إنفاق أموال أو ممتلكات اليتامى، والمجلس فكرته تقوم على متابعة أوجه إنفاق أموال القصر، ونفس الأمر فيما يتعلق بالوصاية، فهى تحركات تتعلق بنيات حسنة هدفها حماية أموال ومصالح الأطفال القصر، ونفس الأمر فيما يتعلق بالوصاية من الجد على الأحفاد، قد تكون هى الأنسب فى حالات كثيرة.
المهم فيما يتعلق بطرح القضايا الأسرية والعلاقات الاجتماعية هنا أن كل طرف يظن أنه صاحب الحق، ومن متابعة القضايا أمام المحاكم أو الخلافات، أحيانًا يكون الزوج هو المتشدد والظالم، وأحيانًا تكون الزوجة، وفى حالات كثيرة يكون العناد والطمع أو تدخل أطراف خارجية، وفى كثير من الأحوال تنتهى العلاقات إلى نوع من التوازن وضمان الحقوق لكل طرف بالتراضى، وربما تكون هى الحالات الأغلب، والتى يكون فيها طرفا الأسرة من طبقات تعرف «الأصول» وتنهى الخلافات بشكل ودى من دون صراعات، بل ربما يكون هذا هو الغالب فى كثير من الحالات، خاصة الأسر التى تنهى خلافاتها من دون أن تصل للمحاكم، بينما الكثير من الحالات تدخل أطرافا من جهات مختلفة فتشعل الصراعات الأسرية وتوصلها للمحاكم، ويسعى كل طرف إلى استخدام كل الحيل للانتصار فى معارك تتحول إلى حروب تتوه فيها الحقائق.
من هنا فإن وجود جهات مثل المجلس الحسبى أو الوصاية هى فى الأصل لضمان مصالح الأطفال القصر، لكنها تتحول مع سوء استعمال الحق إلى قيود وعراقيل، وهنا تأتى أهمية الأعمال الدرامية التى تعالج المشكلات الاجتماعية من زوايا متعددة، لأنها تكشف عن تفاصيل وتراكمات اجتماعية، وفى مرات كثيرة كانت السينما أو الأعمال الدرامية سببًا فى تعديل قوانين، الأهم فى «تحت الوصاية» أنه يسعى لتسليط الضوء على قضية معقدة ومتشابكة، لأن البشر ليسوا ملائكة ولا شياطين، أما منى زكى فى هذا العمل فتقدم أحد أهم أدوارها على الإطلاق، وهو أمر يستحق أن نتناوله وحده هى وفريق العمل كله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة