حازم حسين

جت سليمة.. شهرزاد «تعيش الحكايات» ببساطة وخفة الطفولة

الأربعاء، 19 أبريل 2023 03:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما يزال عالم «ألف ليلة وليلة» صالحًا لإنتاج الدهشة، وقادرًا على خلق حيّز مُشترك للفُرجة بين دوائر مُختلفة زمانًا ومكانًا، إذ يُمثّل مساحة مفتوحة للتخييل وتنوّع الأجواء وتعدُّد مستويات السرد، ويسمح بإنتاج مقاربات بصرية غنيّة بالتفاصيل، ودراما لا تنقصها الصراعات، مع أفق فسيح من الحلول فوق المعقولة، بفضل ما تسمح به فانتازيا الحكاية وبنيتها الثرية بنكهة «واقعية سحرية».. لا أعرف إن كان شىء من هذا التصوّر لامس أذهان صانعى التجربة، لكن مسلسل «جت سليمة» استعار أشهر مُدوّنات الحكايات العربية من أجل صناعة فُرجة، وحالفه التوفيق نوعًا ما، على الأقل من زاوية ابتكار مُعالجة لا تخلو من بهجة وخفّة حواديت الأطفال!
 
لم تتقيّد حكاية «جت سليمة» بحدود ألف ليلة وليلة، ولم تشتغل على منطق الليالى بصورته التقليدية، انطلاقا من «زوجة/ شهرزاد» تُحاول كبح شهوة القتل فى نفس «الزوج/ شهريار»، لتكون الناجية الوحيدة من طابور زوجات طويل، ولا عبر مسار خطّى مُتلاحق من الحكايات الصغيرة الهادفة لإبقاء حالة التشويق دون غاية درامية داخلية للتتابع نفسه.. حافظ العمل على مستويى السرد: قصة شهرزاد، ومن داخلها قصص الليالى، لكنه أعاد تفكيك بعض العناصر وترتيبها، واستلهم عددا من الحكايات اللامعة ناسجًا قصة واحدة.
 
زاوجت القصة بين روح «ألف ليلة» وجاذبية عالم «أميرات ديزنى».. شخصية «سليمة» مُعادل لشهرزاد، لكنها مُؤسّسة على ركائز من قصة سندريلا، فتاة يتيمة تقع ضحية لزوجة الأب، وتُستنزف فى خدمة بنتيها، وتُجبر على الزواج من شخص لا تحبّه، بينما يحضر الملمح «الشهرزادى» من خلال امتلاكها مكتبة، وحبّها للقراءة وقدرتها على الحكى، ثم وقوعها على كتاب تراثى كان يملكه والدها فتنتقل به إلى زمن آخر، هكذا تتضح معالم الشخصية على أرضية «ألف ليلة وليلة»، لكن الحكّاءة هنا لا تروى الحكايات، وإنما تعيشها بكل نزق وسطحية وخفّة وبساطة الحواديت، وبكل ما فى روحها من طفولة مفقودة تحت سطوة اليُتم!
 
طبيعة شخصية «سليمة» السابقة تحضر على طول الحكاية: بين استلهام قصص مثل سندباد وعلاء الدين وعلى بابا ومعروف الإسكافى والصعلوك الأول والملك والحكيم دوبان من ألف ليلة، وسندريلا والأميرة والأقزام وغيرهما من عوالم أميرات ديزنى، يبدو العمل مُخلصًا لصناعة حالة طفولية تتداخل فيها كل الأشياء، من أجل تجميع أكبر قدر من مفردات عالم الطفولة ومفاتيح الحكايات الجذابة، بهدف البهجة والتسلية أولا، وربما أخيرًا!
يستند العمل فى بنيته إلى المحاكاة الساخرة، بوضع أجوائه المُستعارة فى مقابل صدامات جزئية مُتكررة مع منطق العصر خارج الحكاية، ورغم إسباغ حالة من الواقعية والفخامة على الصورة فإنه لا يستهدف الإيهام بقدر ما يحاول خلق صورة جميلة وحسب، إذ يواصل كسر الجدار طوال الوقت بإبراز انفصال وعى الشخصيات عن سياقها، عبر استدعاء أغنيات وحكايات وأسماء وتعبيرات من خارج زمن الحكى على ألسنة شخوص الماضى.. وفق تلك الصيغة يتّخذ التمثيل طابعا كاريكاتوريًّا، يحتفى بالانفعالية والمبالغة ورسم شكل خارجى ساخر ومُفتعل أحيانا!
 
رهان الجماليات البصرية كان حاضرا بوضوح فى شكل الديكور والملابس والإكسسوارات، وفى تفاصيل الإضاءة المُتجاوزة لمعايير الواقعية لصالح الإنارة وإبراز معالم الصورة، فضلًا عن احتفاء حاشد وظاهر بالألوان فى كل شىء، فالصورة فى أغلب الحكاية مُبهرجة وملوّنة بمبالغة فى الجُدران والملابس والموائد وكل التفاصيل، والغاية أن تكون الكادرات ثريّة والأجواء مُبهجة بما يتناسب مع رهان الطفولة الذى اعتمده العمل منذ لحظته الأولى!
 
دراميًّا بدت الكتابة مُشتّتة بين منطق الحكى المنضبط وما يستهدفه العمل، فرغم استلهام قصة سندريلا فى مفتتح الحكاية لتأسيس شخصية «سليمة»، غاب هذا الخط منذ نهاية الحلقة الأولى ولنحو 11 حلقة تالية حتى الآن، وكأنه كان مُجرّد مدخل لتلك الأجواء دون استفادة منه أو تعميق لحالته أو حتى انعكاس لآثاره النفسية وعلاقات أفراده فيما تلاه من حكايات، وحتى إن جرت العودة إليه لاحقًا فلن يكون ذلك قبل الحلقة الأخيرة، وفى إطار تجميع ختامى للخيوط كأنه إغلاق للكتاب، بدون توظيف أو استفادة حقيقية أيضًا.
 
الصورة عبّرت عن رهان الجمالية، من دون لحظات أو تفاصيل مُلفتة تقريبًا، وجاءت الموسيقى مُستكملة لمحاولة كسر الإيهام وعصرنة الحالة، عبر اعتماد جمل وموتيفات راهنة، بإيقاع قريب من آذان الأجيال الجديدة مع ملمح تعبيرى يُترجم أجواء الدراما والحالات النفسية للشخصيات أحيانًا سعيًا إلى خلق حالة من التأثير والشحن العاطفى، وبالمثل جاءت أغانى أيمن بهجت قمر وألحان عمرو مصطفى لتستكمل الجسر بين تاريخية الحكاية وواقعية الإنتاج والتلقى، وأحسب أن ذلك كان غرضه ألا ينفصل المشاهد، لا سيما الأطفال، عن القصة بتغييب كل العناصر المألوفة لهم سمعيًّا وبصريًّا!
 
حالة الفُرجة المبنية على قصة مُسلّية وصورة مُبهجة وأغنيات خفيفة، اكتملت بتطعيمها بلوحات استعراضية مُتباعدة وغير مُبرّرة دراميًّا أحيانًا، ويبدو الأمر طموحًا شخصيًّا لبطلة العمل دنيا سمير غانم، لكنه طموح يستفيد من قدراتها الجيدة فى الغناء والحركة، وإن جاءت رقصات هادى عواضة بسيطة بدون جُمل لامعة، وكانت «على الواقف» تقريبًا مع خلق صورته الجاذبة من الإكسسوارات وحركة المجاميع واقتصار أداء «دنيا» على الذراعين دون أى توظيف تقريبًا للنصف الأسفل، لكن فى النهاية كانت الحالة مُبهجة ولا تخلو من مُتعة، لا سيما فى استعراض الزفاف وأغنية «ارقصوا له».
 
«جت سليمة» ليس عملا كوميديًّا، وإن كان لا يخلو من ملمح فكاهى، لكن محاولته صناعة عالم غرائبى تتجمّع فيه كل التفاصيل الممكنة من أجواء الحكايات القديمة خصم من تماسك اللعبة، وانطبع بقدر من الخفّة على رسم الشخصيات وأسمائها، مثل: سلقط وملقط، زعيط ومعيط، واجتهد التمثيل فى أن يُجارى الحالة المقصودة من العمل وإن لم يُوفّق بعضهم، لكن كان حضور محمد سلام فاعلاً ومنقذًا للعمل، وهو ما تحقق أيضًا بتفاوتات نسبيّة من إيمان السيد وصلاح الدالى وكريم سامى ورحاب الجمل والطفلين آدم النحاس وآدم أنور، بينما تعامل المخرج إسلام خيرى مع التجربة من أيسر الطرق وأبسطها، فحافظ على جمالية الصورة وتسلسل الحكاية وإن ارتبك الإيقاع أحيانًا، لكنه لم يخسر رهان الفُرجة لا سيما للأطفال، وإجمالا يُمثّل العمل مقاربة مُختلفة لعالم ألف ليلة وليلة، خرجت فيها شهرزاد من قصر الملك لتمارس طفولتها وتعيش الحكايات بأخف الصور الممكنة!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة