عصام محمد عبد القادر

الاستدامة البيئية.. رؤية مصر 2030

الأربعاء، 26 أبريل 2023 09:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يتناول الهدف الخامس من رؤية مصر 2030 الاستدامة البيئية؛ حيث سعي الدولة بقوة نحو الحفاظ على التنمية والبيئة معاً من خلال الاستخدام الرشيد للموارد بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة في مستقبل أكثر أمناً وكفاية ويتحقق ذلك بمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية وتعزيز قدرة الأنظمة البيئية على التكيف والقدرة على مواجهة المخاطر والكوارث الطبيعية وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وتبني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة.

وتعني الاستدامة مقدرة الدولة عبر أجهزتها ومؤسساتها على استغلال الموارد الطبيعية بها؛ لتصبح ذات فائدة ملموسة بصورة مباشرة، ويستفيد منها الأجيال الحالية ويتم الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة؛ لذا عندما يحافظ الإنسان على الموارد الطبيعية ويتجنب إهدارها أو استنزافها يُعد ذلك سلوك قويم يُعبر عن الاستدامة البيئية، ويحدث ذلك بصورة إجرائية عندما يقلل من أنماط الاستهلاك لهذه الموارد، كما يعتمد على عمليات التدوير المبتكرة دون الإضرار بالبيئة.

وتقوم ماهية الاستدامة البيئية على الاحتفاظ بالصفات التي تشكل قيمة في البيئة المادية والاجتماعية؛ حيث المحافظة على حياة البشر والكائنات الحية الأخرى، ويتأتى ذلك من خلال المحافظة على الماء والهواء بما يؤدي لاستمرارية الحياة، ويحد من استنزاف الموارد غير القابلة للتجديد، بما يوفر القيمة الجمالية لأنماط الحياة المختلفة للأجيال الحالية والمستقبلية في ضوء الركائز الرئيسة المتمثلة في البيئة والاقتصاد وما يرتبط بهما من نواحي اجتماعية.

وترتبط الاستدامة البيئية بحياة الإنسان؛ إذ تستهدف الحلول التي تحقق العدالة الاجتماعية عبر اقتصاد قوي يعتمد على بيئة صالحة يمكن من خلالها احتواء المخلفات من الغازات والنفايات الناتجة عن الممارسات التصنيعية، مع السيطرة على المدخلات وقياسها ومعرفة جودتها للسيطرة على مخرجاتها، وتجنب استخدام المواد الضارة بالبيئة، ومن هنا تحدث حالة التوازن بين الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية على المستوى العالمي.

وتتعدد المجالات التي ترتبط بها الاستدامة البيئية؛ لتشمل المياه؛ حيث الحفاظ على الموارد المائية والمياه الجوفية وما يحيط بها من أنظمة أيكولوجية، كما تشمل الغذاء؛ حيث الحفاظ على الأراضي والغابات والحياة البرية والأسماك وموارد المياه العذبة، وتتضمن الصحة؛ حيث حماية الموارد البيولوجية وما يرتبط بها من أنظمة داعمة للحياة، كما تتضمن السكن والخدمات؛ حيث الاستخدام الصحيح للأراضي والغابات وما بهما من موارد طبيعية، وتتسق الاستدامة البيئية بالطاقة؛ حيث العمل على تخفيض الآثار البيئية للوقود الحفري والتوسع في تنمية استعمال الغابات والبدائل المتجددة الأخرى، كما تتسق أيضًا بالتعليم؛ فبصورة مقصودة يتم التوسع في تنمية الوعي بالثقافة البيئية عبر المناهج والبرامج التعليمية، ما ينعكس بصورة وظيفية على الدخل القومي للدولة؛ فيحدث النمو الاقتصادي في القطاعين الرسمي وغير الرسمي عند الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية الضرورية.

وتتبنى الجمهورية الجديدة استراتيجية متميزة للاستدامة البيئية؛ من خلال حرصها على حماية البيئة الطبيعية والمحافظة عليها بتفعيل القوانين الصارمة التي تساعد على ذلك، وعبر الإعلام المتميز يتم تعزيز الوعي المجتمعي تجاه تعضيد السلوك البيئي المسئول، وتهتم المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بالإدارة الفعالة لاستهلاك الموارد خاصة الماء والطاقة، كما تحرص على الحد من النفايات والغازات المنبعثة من عمليات الإنتاج وتحسين نوعية الهواء، والدولة تؤكد على بناء الشراكات مع كافة المنظمات التي تجعل الأهداف البيئية في مقدمة أولوياتها.

ورغم الانفتاح الاقتصادي للدولة المصرية والذي له تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي؛ إلا أن الدولة حريصة تمامًا على التمسك بالقوانين البيئية، وهذا ما يزيد من فعالية المعايير التي تتبناها المؤسسات بصورة إجرائية، مما يؤدي إلى تحقيق الميزة التنافسية للقطاع الاقتصادي، ومن ثم تتدفق الاستثمارات الأجنبية من خلال البيئة الآمنة التي تضمن الاستدامة المرتبطة بالحد من التلوث بالإقلال من نصيب الفرد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ونقاء المنتج والعمل على اضمحلال آثار التغير المناخي.

وتواصل الدولة جهودها نحو تحقيق الإنصاف الاجتماعي بالعمل على إيجاد الفرص المتساوية في العيش الكريم، والحد من الحرمان، وإتاحة الفرص المتساوية أمام الجميع، وتدشين المشروعات القومية وفق معايير عالمية تضمن سلامة البيئة وتراعي احتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وإنجازات الدولة بفضل قيادتها السياسية الجسورة ساهمت في تقليص الفوارق بين المواطنين في الصحة والتعليم والسكن وفي الحصول على كافة الخدمات الأساسية، ويعد ذلك من متطلبات الاستدامة البيئية التي تعتمد على مبدأ العيش في وئام واستقرار متلازمين مع البيئة ومفرداتها، والعمل المسئول لحمايتها وصيانتها.

وتواجه الاستدامة البيئية عديد من التحديات التي جعلت الدولة تعتمد في استراتيجيتها على الاقتصاد الأخضر الذي يستهدف تحسين رفاهية الفرد ويحقق المساواة الاجتماعية ويقلل من المخاطر البيئية ويعمل على تحويل الإنتاج من استخدام الوسائل التقليدية إلى استخدام وسائل مستحدثة تحافظ على البيئة وترفع من مستوى الإنتاجية مثل الزراعة العضوية بديلًا عن الزراعة في صورتها التقليدية، وتتبنى الدولة المشروعات التي تراعي البعد البيئي ومنها الاقتصاد الأخضر المتمثل في تدوير المخلفات وإنتاج الطاقة المتجددة وزراعة الغابات الشجرية واستخدام الطاقة الشمسية، وغيرها من المشروعات النمائية التي يصعب حصرها.

وقد ارتأت القيادة السياسية أن هناك ضرورة لإعادة التفكير بصورة إيجابية نحو الاهتمام بالبيئة ومشكلاتها؛ حيث العمل وفقًا للقيم التي تضمن السلوك الصحيح في كافة الممارسات التي تؤديها المؤسسات بمختلف تنوعاتها، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الربط الوظيفي بين الاستدامة البيئية والمشكلات البيئية عند إيجاد الحلول من خلال تحليل المواقف البيئية التي تُسهم في اتخاذ القرارات المتزنة بما يؤدي إلى التحسين والتطوير والإفادة من خبرات الماضي والآخرين لتحقيق أفضل الإنجازات والخروج من الأزمات والتغلب على التحديات والعقبات.

ويتوجب على المؤسسات التعليمية أدوارًا وظيفية نحو تنمية الوعي تجاه الاستدامة البيئية بالتركيز على نشر الوعي المستدام، ويبدأ بحث المتعلم نحو المحافظة على البيئة وتنمية التفكير الإيجابي تجاه تنمية مواردها، والممارسة الوظيفية عبر الأنشطة البيئية المقصودة التي يستوعب من خلالها المتعلم القضايا والمشكلات البيئية ليشارك في حلها بصورة علمية بداية من جمع المعلومات من مصادرها الرئيسة انتهاءً باختيار أفضل الحلول التي تقوم على مبدأ رئيس يتمثل في ضمانة حق الأجيال القادمة في توفير موارد بيئية، تزامنًا مع تحقيق الفائدة المرجوة في الواقع المعاش، ومن ثم أضحت المناهج التعليمية البوابة الرئيسة لتحقيق غايات الاستدامة البيئية.

ويقع على عاتق مؤسسات الدولة غير التعليمية مسئولية تنمية الثقافة البيئية التي تستهدف إيجاد وعي بيئي يشكل رأيًا عامًا واعيًا بقضايا البيئة مرتبطًا بغرس قيم الحفاظ على البيئة للعمل على صيانتها من التهديدات التي تواجهها، ومن ثم يعي الفرد أساسيات التفاعل بينه وبين مكونات البيئة، وبالطبع تتطلب تنمية الوعي جاهزية محتوى إجرائي يتضمن في طياته قيمًا ومبادئ ومعايير تنمي الاتجاهات الإيجابية للمواطن في تعاملاته السلوكية الصحيحة مع الوسط المحيط به اعتمادًا على ما اكتسبه من خبرات معرفية ومهارية ووجدانية تحدث أثرًا ملموسًا لديه وفي الآخرين من حوله بواسطته، ومن هنا تضمن تنمية الثقافة البيئية صورة الاندماج الفعال في البيئة وفق إطار المسئولية البيئية التي تحقق الحفاظ على البيئة من أجل الحاضر وتطلعات المستقبل بما يضمن الاستدامة البيئية.

ولنا أن نتطلع إلى أجيال حالية تستمتع بمواردها الطبيعية وتحافظ على حقوق الأجيال القادمة وتعمل على تنقية البيئة عبر تنمية طويلة المدى واعتمادًا على خطط تنموية وسياسات اقتصادية مستمرة؛ لتتحقق العدالة الاجتماعية بالصورة التي يتطلع إليها الجميع، وهو ما يؤسس على التنسيق بين جميع شرائح المجتمع المصري، حفظ الله بلادنا ووفق قيادتنا السياسية إلى استكمال مسيرتها البناءة نحو تحقيق غايات يحلم بها كل مخلص على أرض المعمورة.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة

الابتكار والبحث العلمي.. رؤية مصر 2030

الأربعاء، 19 أبريل 2023 10:40 ص

الاقتصاد التنافسى.. رؤية مصر 2030

الأربعاء، 12 أبريل 2023 11:08 ص

الاندماج الاجتماعى.. رؤية مصر 2030

الأربعاء، 05 أبريل 2023 10:51 ص

جودة الحياة .... رؤية مصر 2030

الأربعاء، 29 مارس 2023 09:35 ص



الرجوع الى أعلى الصفحة