انفجار مفاعل تشرنوبل 1986 .. واحد من أشهر كوارث القرن العشرين فى 26 أبريل 1986، وذلك عندما انفجر أحد المفاعلات الأربعة لمدينة تشرنوبيل، التى كانت آنذاك تابعة للاتحاد السوفيتى، وأدى الانفجار مباشرة إلى مقتل 36 شخصًا وأكثر من 2000 مصاب، بينهم رجال إطفاء بعد تعرضهم للإشعاع، وتسبب الحادث، لاحقًا، فى مقتل العشرات، بينما لا يزال عدد الضحايا غير دقيق، إذ يقدر البعض القتلى بالآلاف، كما تم إجلاء السكان من مدينتين و74 قرية.
وعقب الانفجار أعلنت السلطات فى أوكرانيا أن منطقة تشرنوبل "منطقة منكوبة" والتى تشمل مدينة بربيات التى أنشأت عام 1970 لإقامة العاملين فى المفاعل وتم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل، وبعد حدوث الانفجار بدأت عمليات دفن وتغليف المفاعل بالخرسانة المسلحة لمنع تسرب الإشعاع الناجم عنه والذى أدى إلى وفاة عدد كبير فى السنوات اللاحقة متأثرين بالإشعاع وخاصة أمراض سرطان الغدة الدرقية، إلا أنه فى الأعوام الأخيرة لوحظ تشقق فى الغلاف الخرسانى لذلك هناك دراسات لعمل غلاف جديد أكثر سماكة وأفضل عزلاً.
صلاة
ومن الكتب الشهيرة التى تناولت هذا الأمر كتاب صلاة تشرنوبل للكاتبة البيلا روسية الحاصلة على جائزة نوبل سيفتلانا أليكسيفيتش، والذى قام بترجمة الكتاب إلى العربية للكتاب أحمد صلاح الدين.
فى الكتاب تنقل سيفتلانا بوح كثير من الأشخاص الذين كانوا شهودًا على الحدث المهول، ومن ساهموا فى الحد من آثاره المفجعة، فوقعوا ضحايا التلوث الإشعاعى، تستهل بزوجة رجل إطفاء فقد حياته فى التفجير، تقول إنها لا تدرى عما تتحدث، عن الموت أم عن الحب.
تحكى قصة حبها لزوجها وقرارها ملازمته فى المستشفى فى أيامه الأخيرة رغم تحذيرات الأطباء لها، وكيف أن كل مصاب بالإشعاعات يتحول إلى قنبلة بشرية متنقلة يعدى من حوله ويؤثر عليهم بطريقة مدمرة بدوره، وتأثير الحادث عليها وتشتتها بين عالم الحلم والواقع وفقدانها ابنتها بعد ولادتها ثم بقائها رهن صورة زوجها الراحل وذكراه الباقية.
تكتب سفيتلانا عما تسميه بالتاريخ المُغْفل، تقول إنها شاهدة على تشرنوبل، التى تصفها بكارثة الزمن، وتسأل نفسها عن ماذا تشهد، على الماضى أم المستقبل؟ تقول إنها تنظر إلى تشرنوبل كبداية للتاريخ الجديد، وتعتقد أنه ليس معرفة فحسب، بل مقدمة المعرفة، لأن الإنسان دخل فى جدال مع التصورات القديمة عن نفسه وعن العالم. وتلفت إلى أنها تكتب وتجمع الأحاسيس اليومية والأفكار والكلمات، وتحاول الارتقاء لتكون روحا.
قالت سيفتلانا أليكسيفيتش في مقدمة الطبعة العربية للكتاب" «أشعر بسعادة بالغة بصدور الترجمة العربية لكتابى «صلاة تشرنوبل» ذلك لأن قضية تشرنوبل قضية العالم أجمع، سمعت وقت أن كانت الكارثة لا زالت فى أيامها الأولى أن الناس يقولون، فى كل أنحاء العالم: إن هذا لا يمكن أن يحدث إلا عندكم أيها الروس المستهترون، فى حين ما كان ليخطر على بال أحد أن يطلق مثل هذا الوصف على اليابانيين عندما وقعت كارثة مفاعل فوكوشيما اليابانى.
يقف الإنسان عاجزا أمام التكنولوجيا، التى اخترعها بنفسه، وفى مقدمتها تكنولوجيا الطاقة الذرية.
إن إصرارنا على المضى قدما فى هذا الطريق، لا يعنى سوى أننا مصرون على الانتحار، ولا يجب أن يقتصر التفكير فى هذا الأمر على الدول الأوروبية وحدها، إنما يجب أن ينشغل به العالم أجمع، فى أمريكا اللاتينية، جنوب أفريقيا، لا يزالون يؤمنون بالطاقة الذرية، كما فعلنا نحن منذ ثلاثين، أربعين سنة ماضية، لكننا فهمنا أنه لا يمكن الفصل بين الذرة العسكرية والذرة السلمية، لا فرق بينهما، كلها شىء واحد.
يراودنى الأمل أن يفهم الجميع هذا، فأنا أرى أن أكبر تهديد للإنسان هو الإنسان نفسه.
ذهب بالفعل بلا رجعة ذلك الزمن الذى بنى فيه الإنسان علاقته مع الطبيعة بمنطق القوة، من فوق عرش الإله، جعلنا تشرنوبل نتطلع إلى الخلود.. ربما يمكن أن نطلق على ذلك بروفة نهاية العالم، ربما نهلك جميعا، ليس هذا من قبيل الفانتازيا، ربما يندثر عالمنا الرائع، بكل ما فيه من غابات، أنهار، حيوانات.
أصعب ذكرياتى عن تشرنوبل، مشهد خروج الإنسان من القرى الملوثة بينما تخلى عن الحيوانات، التى أطلق عليها الجنود الرصاص، ثم دفنوها فى مقابر بيولوجية، عندما دخل الجنود القرى، تتبعت الحيوانات أصواتهم، خرجت للقائهم، ربما شعرت بسعادة لعودة أصوات البشر.. لم يعلموا بعد أن الإنسان قد خانهم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة