منذ اللحظة الأولى لاشتعال الصراع فى السودان الشقيق، تحرص الدولة المصرية على حفظ التوازن والتعامل بدقة مع كل معطيات ملف تعرفه الدولة المصرية جيدا، بحكم العلاقة التاريخية، ومن منطلق هذا العلم فقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن ما يحدث فى السودان شأن داخلى وأن مصر لا تتدخل فى شؤون أى دولة، ولكنها مستعدة للوساطة بين الفرقاء، مع مواصلة الاتصال بين الأطراف المختلفة، الدولية والإقليمية، لوقف الصراع فى أسرع وقت والعودة للمفاوضات، الرئيس السيسى وجه نداء لاستعادة الهدوء والجلوس على مائدة الحوار بين كل الأشقاء فى دولة السودان سواء كان الجيش السودانى أو الدعم السريع، مشددا على أنه ليس من مصلحة السودان حدوث اقتتال داخلى.
وتنطلق مصر من خبرتها على مدى السنوات الأخيرة، وأن أى صراع داخلى ينتج عنه خطر متسلسل، على الاقتصاد والبنية التحتية، فضلا عن كونه ينتج المزيد من القتلى والجرحى وآلاف اللاجئين، ولهذا أعلن الرئيس السيسى بوضوح «خلال السنوات الماضية فى دول أخرى، عندما غاب الحوار وكان الصوت فقط للسلاح، لم تشهد هذه الدول الاستقرار ودفعت تكلفة كبيرة جدا من أمنها وسلامتها واقتصادها وفقدت وقتا ثمينا جدا كان يمكن استثماره فى البناء والتنمية والتعمير».
الدولة المصرية لم تتوقف عن الاتصالات مع كل الأطراف الداخلية بالسودان، والأطراف القريبة الصلة، والإقليمية والدولية، لوقف تدهور الأوضاع، وتحدث الرئيس مع رئيس جنوب السودان سيلفا كير، وأكدا الاستعداد للعب دور وساطة مع الأشقاء فى السودان للوصول إلى هدنة والتفاوض، والاتصالات لا تنتهى مع الجيش السودانى وقوات الدعم السريع لتشجيعهم وحثهم على إيقاف إطلاق النار وحقن دماء السودانيين واستعادة الاستقرار.
وبجانب سعى الدولة لحقن دماء الأشقاء السودانيين، كان التحرك على محور آخر لتأمين المصريين، على الأراضى السودانية، ووضع الخطط اللازمة لإجلائهم وتم توجيه أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية بالعمل على مدار اللحظة، وتم وضع خطط لإعادة حوالى 10 آلاف مصرى من الأراضى السودانية.
والواقع أن مصر على مدى سنوات واجهت تحديات داخلية وإقليمية ودولية، وتحذر دائما من الانجرار إلى الصراع، وترك المسارات السياسية، كما تحذر من التدخلات الخارجية التى تتسبب فى هذا الانحدار، وهى أخطار تدرك مصر خطرها، ليس فقط على كل دولة مثل السودان ولكنها تقود إلى انعكاسات على المحيط الإقليمى والعربى، لأن الفوضى تقود إلى بؤر تجميع الأخطار، وإمكانية أن تستعيد التنظيمات الإرهابية قوتها وتعود لتمثل تهديدا مباشرا على مصالح الدول.
وعلى مدى عقد كامل تواجه الأمة العربية دائما تحديات إقليمية، وتحولات عالمية، ولم يخل الشرق الأوسط على مدار عقود من تحديات تفرض نفسها على السياسة والاقتصاد، وهى تحديات تضاعفت خلال العقود الأخيرة، التى شهدت تحولات متعددة، منذ غزو العراق، بدأت مرحلة جديدة أنتجت الإرهاب والتهديدات الوجودية، ضاعفتها تحولات العقد الماضى التى أحالت أحلام وآمال التغيير إلى كوابيس، وشهدت دول عربية - مثل سوريا وليبيا واليمن - صراعا هدد آمال التغيير والتنمية، وأدى هذا إلى نزح الثروات، وضاعف من أعداد اللاجئين، وتوالت أزمات عالمية انعكست إقليميا، عامان مع فيروس كورونا، تلتهما الحرب فى أوكرانيا وتشعباتها المعقدة عالميا، والتى خلقت أزمة أكثر تعقيدا، وانعكاساتها على الاقتصاد والتضخم والأسعار.
ثم تأتى الأزمة فى السودان، وصراع الإخوة، ليضاعف من آلام البلد الشقيق وشعبه، وينذر فى حال اتساعه وطول مدته، بالمزيد من التدهور، وهو صراع يعكس مصالح ضيقة لأطراف هنا أو هناك، لكنه فى النهاية يضاعف من خطر التدهور، ويضيع فرص التنمية والبناء.
هذه التحديات تفرض ضرورة العمل العربى والإقليمى المشترك والتعاون، خاصة فى ظل انصراف الدول الكبرى والمنظمات الدولية إلى الانشغال بقضايا ومنافسات وصراعات نفوذ، مع عجز واضح للنظام العالمى عن متابعة أو معالجة هذه الأزمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة