رغم أن الأزمة تدور فى السودان، إلا أن انعكاساتها المباشرة - وغير المباشرة - كبيرة على دول الجوار، وعلى دول الإقليم الذى لم تتوقف أزماته وصراعاته، شرقا وغربا، ولم تنته بعد أزمات الاقتتال الداخلى فى دول عربية من حولنا، وتتعثر المسارات السياسية، وهى صراعات لا تنتهى، وكل أطرافها خاسرة، خاصة الشعوب فى الدول المختلفة، مثل سوريا، وليبيا، واليمن، وأخيرا السودان، الذى تتصاعد فيه الحرب الداخلية بين الأخوة وتنتج المزيد من الأزمات المتسلسلة، والتى تضاعف من تعقيدات المشهد.
الصراعات فى الدول العربية، مثل سوريا، وليبيا، واليمن، هددت - ولا تزال - آمال التغيير والتنمية، وتستنزف الثروات، فضلا عن نزوح ما تبقى منها، وتضاعف من أعداد اللاجئين، بجانب تأثيرات أزمات عالمية تنعكس على الاقتصاد والغذاء عالميا وإقليميا، بعد عامين مع فيروس كورونا، ثم الحرب فى أوكرانيا، وتشعباتها المعقدة، التى خلقت أزمة أكثر تعقيدا.
وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة، ومع اشتعال الصراع بالسودان الشقيق، فإن الأمر يتخذ مسارات عشوائية أحيانا، ويشهد تدخلات لقوى مختلفة خارجية، تهدف لاكتساب نفوذ وهمى، أو تسعى للحصول على ثروات القُطر الشقيق، فالسودان بلد ثرى بموارده وإمكانياته، ويفترض أنه ينتظر استقرارا سياسيا يتيح للشعب السودانى توظيف ثرواته والانطلاق على طريق التنمية، لكن الصراع - بجانب أنه يعطل التنمية - يضاعف من مآسى الأفراد والأسر، للحصول على ضرورات الحياة اليومية، فضلا عن خسائر الأرواح، وفقدان الأمن.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، على مدار سنوات يحذر من الاستسلام للتدخلات الخارجية، ويدعو إلى عدم الانقياد وراء هذه التدخلات، وقد كانت تجارب هذه التدخلات والمصالح من قبل قد ساهمت فى إنتاج تنظيم داعش، أحد أكثر التنظيمات عنفا ودموية، وسبق أن ساهمت بعض الدول فى نمو هذا التنظيم، قبل أن تكتشف خطورة هذا الاتجاه، وربما تكون الرؤية الضيقة لبعض الأطراف دافعا لأن تتحالف أو تدعم الانقسام، بينما فى كل مناسبة يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أهمية الإيمان بوحدة الأهداف والمصير وتفعيل التعاون وإعلاء مفهوم الدولة الوطنية، وإبعاد التدخلات الخارجية، والتفرغ لمواجهة الأزمات والتحديات الاقتصادية والتنموية والبيئية، وبلورة تسويات نهائية للصراعات التى لن تحل بمعادلة صفرية، يُقصى فيها طرف على آخر.
مصر تنطلق من خبرتها، خلال سنوات من مواجهة الإرهاب، وتمتلك رؤية واضحة، وخبرات متراكمة تجاه قضايا الإقليم فى أفريقيا، أو الشرق الأوسط، وفى لقائه مع المستشار النمساوى كارل نيهامر، حرص الرئيس السيسى على تأكيد وجهة نظر مصر من أهمية السعى لمواجهة الأزمة الروسية الأوكرانية، بما لها من تداعيات سلبية على السلم والأمن الدوليين، واستقرار أمن الطاقة والغذاء عالميا، وهى التداعيات التى عانت منها - ولا تزال - الدول الأقل نموا، وبما أضاف للأعباء الصعبة التى تتحملها، لتحقيق متطلبات التقدم الاقتصادى والتنمية المستدامة، وأن مصر - من منطلق تمسكها بأهمية تحقيق السلم والأمن الدوليين - تواصل الدعوة فى اتصالاتها بكل أطراف الأزمة، إلى تغليب لغة الحوار، والتوصل إلى تسوية سلمية، لإنهاء الصراع فى أقرب فرصة، وهو نفس ما تتبناه مصر تجاه قضية السودان، حيث تم بحث مستجدات الأوضاع فى السودان، مع تأكيد حرص مصر البالغ على استعادة الاستقرار هناك، والحفاظ على مقدرات شعب السودان الشقيق.
مصر هى الطرف الأكثر إدراكا لخطر الصراع، وتحرص دائما على التنبيه لخطورة التدخلات الخارجية التى تضاعف من تعقيدات المشهد فى السودان، وأن الأطراف التى تدخلت من قبل فى صراعات داخلية لم تربح، بل خسرت على المدى البعيد، لأن التدخلات تقود إلى استقطاب، وفوضى تسهل إعادة التنظيمات الإرهابية لتنظيم صفوفها، وهو ما يبدو خطرا يهدد كل الأطراف الإقليمية، والدولية، ويضاعف الخطر على الأرواح والاقتصاد، ولهذا تحذر مصر من التدخل الخارجى، باعتباره الخطر الأكبر فى السودان وغيره، وتعتبره خطوطا حمراء خطرة.