ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة، خطبة الجمعة بمسجد: "الله نور السموات والأرض"، بقرية النخيل، بمحافظة الجيزة، بعنوان: "السكينة والطمأنينة في القرآن الكريم .. وفضائل العشر"، بحضور اللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، واللواء أحمد راشد محافظ الجيزة، وإبراهيم ناجي الشهابي نائب محافظ الجيزة، واللواء شاكر محمد يونس سكرتير عام المحافظة، واللواء محمد نور الدين السكرتير العام المساعد، والعميد محمد حمزة المستشار العسكري للمحافظة، والدكتور السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة، والدكتور ناصر السقا وكيل مديرية أوقاف الجيزة، وعدد من قيادات الدعوة بالمحافظة، وجمع غفير من رواد المسجد.
وخلال خطبته أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أننا عندما نتأمل في مواضع الحديث عن السكينة والطمأنينة في كتاب الله (عز وجل) وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نجد أنها كثيرًا ما ارتبطت بالأحداث الكبرى الفاصلة في حياته (صلى الله عليه وسلم) وسيرته العطرة، ففي حادثة الهجرة حيث كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) مع صاحبه سيدنا أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في الغار وتتبعهما كفار قريش، وقال أبو بكر (رضي الله عنه): يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، قال له نبينا (صلى الله عليه وسلم): "يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما"، وفي هذا يقول الحق سبحانه: "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
وفي يوم بدر عندما جمعت قريش قضها وقضيضها كبراءها وقادتها، خيلها ورجالها، وتجهزت للإجهاز على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته ودعوته بالمدينة المنورة، وكان المسلمون قلة في العدة والعتاد يومئذ، هنا جاء وقت السكينة والطمأنينة، حيث يقول سبحانه: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، ويقول سبحانه: "إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"، ويقول سبحانه: "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ".
وفي يوم حنين يوم أن اغتر بعض المسلمين بكثرتهم، وقالوا لن نهزم اليوم من قلة، فدارت عليهم الدائرة، وولى بعضهم مدبرين، وثبت المؤمنون الصادقون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث يقول سبحانه: "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ".
وفي يوم الحديبية عندما رأى بعض المسلمين أن شروط الصلح مجحفة واشتد ذلك عليهم، نزلت السكينة والطمأنينة، حيث يقول سبحانه: "لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا"، ومما دفعنا لاختيار هذا الموضوع هو أنني عندما تأملت حال كثير من جنودنا في القوات المسلحة وشرطتنا الوطنية وثباتهم على الحق، وقوتهم في مواجهة التحديات، وما رأينا من سكينة وطمأنينة في قلوب أمهات الشهداء وآبائهم، قلت: إنها السكينة ولا شيء غير ذلك، هي السكينة التي يلقيها الله (عز وجل) في قلوب المؤمنين، نسأل الله أن يرزقنا السكينة والطمأنينة في قلوبنا وأهلينا وذوي الشهداء.
وأكد وزير الأوقاف أننا في أيام طيبة مباركة تتنزل فيها السكينة، نحن في أيام قيام وصلاة وركوع وسجود وقرآن يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ"، وها نحن وقد مضى نصف هذا الشهر الكريم وشرعنا في نصفه الثاني فيا باغي الخير أقبل، فنحن مقبلون على العشر التي كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يضاعف ويجتهد غاية الاجتهاد فيها، حيث تقول أمنا السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها): "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ"، أي: لقيام الليل والذكر والدعاء، واجتهد غاية الاجتهاد في عبادته (صلى الله عليه وسلم).
مشيرًا أن هذه الجمعة المباركة تتوافق مع يوم اليتيم كرمز للاعتناء به، وإذا كانت العناية باليتيم مطلوبة في كل حال، وعلى مدار الأيام والأعوام، فإنها في هذه الأيام أوجب، فمن كان عنده أو له أو في كنفه أو في حضانته أو في كفالته أو إلى جواره يتيم فليحسن إليه، أغنوهم في هذه الأيام، بادروا بكسوة الأيتام قبل العيد، أحسنوا إليهم فالحق سبحانه وتعالى يقول: "مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى".
ولنا كلمة نختم بها إلى أمهات الأيتام، إلى من ترملن وانقطعن وحبسن أنفسهن على أيتامهن، أبشري فأنت صاحبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أنا وامرأةٌ سفعاءُ الخدَّينِ كَهاتينِ يومَ القيامة - وأشار بالسبابة والوسطى - امرأةٌ آمت من زوجِها ذاتُ منصبٍ وجمالٍ حبست نفسَها علَى أيتامها حتَّى بانوا أو ماتوا"، وسفعاء الخدين أي: يظهر على وجهها أثر الشحوب من انقطاعها لأبنائها وعملها عليهم وقيامها على أمرهم، امرأة حبست نفسها على أيتامها وانقطعت لهم لم تلتفت إلى شيء، حتى لو كان مباحًا لها، وآثرت تربية أبنائها على الدنيا وما فيها، فأعلت الجانب الإنساني فوق كل اعتبار، يبشرها نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة" وأشار بالسبابة والوسطى.
سائلًا الله تبارك وتعالى أن يجبر خاطر كل أم حبست نفسها على أيتامها، وخاطر أم كل شهيد، وأب كل شهيد، وأخ كل شهيد، وأن يجبر خواطرنا جميعًا في هذه الأيام الطيبة المباركة، اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا، واجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين ومن عتقائك من النار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة