تحدث الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، حول تحذير أولياء اليتامى من أكل أموالهم سواء كانوا يتامى أو يتيمات، وتبين أن أكل أموالهم هو نوع من استبدال الخبيث بالطيب، وأن ضم مال اليتيم إلى مال أوليائه ليأكلوا منه ظلم كبير: "وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا" ثم تأتى بعدها مباشرة آية التعدد لتنضم إلى آية اليتامى، ولتدرج فى السياق ذاته: سياق تحصين أموال اليتامى والتحذير من ظلمهم، وإن كانت هذه المرة تتعلق بظلم خاص من جنس مظالم اليتيم وأكل أمواله بالباطل، وهو ظلم الأوصياء على اليتيمات اللاتى يتولون أمورهن وشؤون أموالهن، ومن هؤلاء الأوصياء من كان يدفعه جمال اليتيمة للزواج منها ليأكل أموالها، دون أن يدفع لها مهرها، بحجة أنه وليها، ومعنى ذلك أن هذه الآية تبدأ بالنهى عن ظلم اليتيمات: "وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى" أي: أن خفتم ألا تعدلوا فى زواج اليتيمات.
وأضاف أحمد الطيب خلال برنامج "الإمام الطيب" الذى يقدمه على القناة الأولى المصرية: الآية استكملت مسيرتها لتصل إلى النهى عن تعدد الزوجات إذا لم يكن الزوج متيقنا من تطبيق شرط العدل التام بينهن، وأن رخصة «التعدد» هى عدول عن الأصل للفرار من ظلم اليتيم.
ويتضح لنا مما سبق: أولا: السياق العام للآيتين معا هو سياق حماية الضعيف، والتحذير من ظلمه والاعتداء عليه، سواء جاء الظلم فى مورد أكل أموال اليتامى، أو فى مورد ظلم الزوجة فى حالة التعدد. ثانيا: آية التعدد يبدأ صدرها بقضية «شرطية» ذات طرفين: الطرف الأول: الخوف من عدم العدل فى زواج اليتيمات، "وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى" والطرف الثاني: الزواج من غيرهن، ولو بالتعدد، كحل يتفادى به ولى اليتيمة ما ينتظره من عذاب أليم، "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىٰ وثلاث ورباع" لينتهى أيضا بقضية شرطية ذات طرفين: الأول: الخوف من عدم العدل والتسوية بين الزوجات مطلقا، الثاني: حرمة التعدد أن خاف الزوج عدم العدل والتسوية أن تزوج بثانية، والمعنى العام للآيتين: أن خفتم الوقوع فى الظلم وعدم العدل بزواج اليتيمات فيحرم عليكم الزواج منهن، ولكم فى غيرهن متسع ومندوحة: زوجة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، فإن خفتم الوقوع فى الظلم وفى عدم العدل بينهن فلا يحل لكم –والحالة هذه- إلا زوجة واحدة.
ولفت فضيلته أنه قد نقل قدماء المفسرين فى تفسير هذه الآية قول ابن عباس وابن جبير: «المعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى؛ فكذلك خافوا فى النساء؛ لأنهم (فى الجاهلية) كانوا يتحرجون فى اليتامى ولا يتحرجون فى النساء»، مضيفا أن التعبير بالخوف من عدم العدل فى اليتيمات والتسوية بين الزوجتين يدل على أن الظلم فى أمر «التعدد» ليس بأقل جرما من الظلم فى أمر اليتيمات وأن مجرد «الخوف» من الظلم يكفى فى حرمة هذا الزواج، وليس بلازم أن يصل الزوج إلى درجة اليقين فى التقيد بـ «العدل» والقدرة على منع الظلم، بل يكفى مجرد «التخوف» من حدوث ذلك ليصبح التعدد أو التزوج بثانية من الظلم الذى هو أكبر الكبائر، وصحيح أن كتب التفسير تنقل اختلاف العلماء فى تفسير قوله تعالى: «خفتم» هل هو بمعنى: أيقنتم، أو بمعنى: ظننتم، إلا أن الغالب من العلماء يحملها على المعنى الثانى الذى هو مجرد الظن.
واختتم الإمام الأكبر حديثه بتوضيح مفهوم العدل فى الآية الكريمة، وأنه ليس المقصود به التسوية بين الزوجتين فى النفقة والكسوة والمسكن فحسب، بل فى البشاشة وحسن العشرة واللطف فى القول، وكل ما يدخل تحت قدرته دون ميل القلب، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وقد نقل القرطبى عن «الضحاك» أنه قال فى تفسير هذه الآية: {فإن خفتم ألا تعدلوا} «فى الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوجات «فواحدة»، فمنع (الله) من الزيادة التى تؤدى إلى ترك العدل فى القسم وحسن العشرة، وذلك دليل على وجوب ذلك».
ويذاع برنامج «الإمام الطيب» يوميا على القناة الأولى والفضائية المصرية وبعض القنوات العربية والأجنبية، بالإضافة إلى الصفحة الرسمية لفضيلته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة