منذ إطلاق الرئيس دعوة الحوار الوطنى، أدلى الكثير من السياسيين والمثقفين والأكاديميين والمهنيين، من كل الفئات والاتجاهات، بآرائهم مباشرة أو على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل، ويوميا تعرض الفضائيات مناقشات وآراء تتناول كل النقاط والمحاور بتوسع، وتتفاوت الآراء بين السخونة والعرض الفنى، لكن بشكل عام فإن هذه الآراء فى حد ذاتها جزء من الحوار، بجانب مئات الاقتراحات والطلبات التى تلقتها الأمانة العامة للحوار، وتم تصنيفها وصياغتها فى التقرير النهائى.
كل هذه الآراء توسع المشاركة، وطبيعى أن يركز كل طرف على نقطة أو نقاط، حسب اهتماماته أو توجهاته، والأهم أنه بعد تجاوز البدايات والعروض الافتتاحية، هناك خطوات عملية باتجاه تقديم بدائل وأفكار صالحة للاستخدام والتفاعل مع ما يجرى، بل إن البدائل والاقتراحات هى المطلوبة، وقد تمثل الكلمات الرنانة والخطابات الافتتاحية نقاط جذب لجمهور متفرج، لكنها لا تصمد فى التعامل الأطول، وهو أمر تثبته تجارب سنوات سابقة تكشف عن كون الخطاب الرنان ربما يكون جذابا، لكنه لا يبقى أكثر مما يبقى أى «تريند»، وبالرغم من أهمية عالم التواصل فهو لا يمكن أن يمثل مقياسا أمينا للرأى العام، مع الأخذ فى الاعتبار أن التحولات والأحداث التى جرت على مدى 12 عاما تستحق الكثير من الأفكار لتحليلها وتفهمها، وهى تحولات تكشف عن تغيير فى الكثير من النظريات التى ظن البعض أنها بديهيات فى السياسة أو الاقتصاد.
وبالطبع فإن الاقتصاد يأتى فى المرتبة الثانية من تركيز مطالبات الحوار الوطنى بنسبة 34%، بعد القضايا المجتمعية التى احتلت 37% وجاءت فى الترتيب الأول، ثم جاءت السياسة فى آخر الاهتمامات، ومع هذا فإن الاقتصاد يبدو أنه يحتل مكانة يركز عليها الحوار، بالرغم من أن الحكومة نظمت مؤتمرا اقتصاديا شارك فيه خبراء من كل الاتجاهات، ورجال أعمال وأكاديميون وخرجت منه توصيات، وكان المؤتمر نفسه فى تزامن مع انعكاسات أزمة التضخم وارتفاعات الأسعار العالمية، ولا يزال الاقتصاد يمثل نقطة انشغال، خاصة أنه يتعلق بحياة الناس وتقلبات السوق وتأثيراتها على الأسعار والمتطلبات.
المحور الاقتصادى يبدو أنه يشغل مساحات أوسع، بحكم انعكاسات الأزمة العالمية على اقتصادات العالم، وكيفية التعامل معها محليًا من خلال إجراءات وخطط معلنة، وإجراءات اجتماعية واقتصادية للتعامل معها، وهى إجراءات ارتبطت فى الكثير منها بحركة السوق العالمى ومحاولات البنك الفيدرالى الأمريكى والبنوك الأوروبية، بجانب مساع للتفاعل مع تكتلات اقتصادية شرقا وغربا لجذب استثمارات أو مواجهة التداعيات، ومن يتابع يعرف كيف تتأثر الاقتصادات الكبرى وجرى إفلاس بنوك أمريكية كبرى بدأت ببنك «سيلكون فالى» ولم تتوقف، بجانب جدل سقف الديون، ومحاولات السيطرة على تضخم خطر، وتضخم وارتفاعات فى أسعار الطاقة والسلع، بأوروبا ودول كثيرة.
وهذه الانعكاسات يفترض أن توضع فى الاعتبار عند مناقشة المحور الاقتصادى، بجانب أهمية طرح حلول غير تقليدية فى مواجهة وضع اقتصادى غير مسبوق، وليس له سوابق بنفس الشكل.
كل هذه يفترض أن يوضع فى الاعتبار لدى كل من يتصدى لتحليل انعكاسات الأزمة العالمية، والتى تبدو بلا أفق، وكيف يمكن النظر إلى قدرات الاقتصاد على جذب استثمارات أو تنشيط مجالات سريعة العوائد، مع الأخذ فى الاعتبار كيف ساهمت المشروعات الكبرى فى توفير فرص عمل، وساهمت فى تغطية فجوات كان يمكن أن تتسع فى حال عدم وجودها، وبنية أساسية تساعد فى أى توسع صناعى أو استثمارى، وما وفره الإنتاج الزراعى للمشروعات الجديدة مثل توشكى ومستقبل مصر، أو غيرها، وسيناء ومحطات المياه والصناعات، وهى مشروعات تمثل مطالب سابقة.
الشاهد فى كل هذا، أن الحوار الوطنى يمكن أن يتسع للكثير من الأفكار القابلة للتطبيق، وبدائل اقتصادية محلية مع استيعاب ما جرى خلال سنوات من تحولات تفرض تفكيرا مختلفا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة