بعد أكثر من 12 عاما من الغياب إثر حالة الفوضى التى اندلعت فى العقد الماضى، تشارك الدولة السورية فى اجتماعات القمة العربية المنعقدة فى مدينة جدة السعودية، وذلك بعد قرار مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى، الأسبوع الماضى خلال دورته غير العادية، باستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية فى اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة له، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو استعادة أحد أهم الأعضاء المؤسسين لـ"بيت العرب" فى الأربعينات من القرن الماضي.
ولعل القرار بعودة سوريا لاستئناف نشاطها بالجامعة العربية، يحمل أهمية كبيرة على مسارات متوازية، أبرزها استعادة حالة الوحدة العربية بعد سنوات التشرذم والانقسام، والتى كان الموقف من دمشق أحد أبرز أسبابها، عبر تحقيق أكبر قدر من التوافق من جانب، بينما يساهم فى إرساء "سنة" جديدة فى التعامل مع الأزمات التى تلحق بالمنطقة، عبر "تعريب" الحلول، من جانب آخر، على اعتبار أن الخطوة تمثل انطلاقًا مهما لحل الأزمة السورية التى طال أمدها لأكثر من عقد من الزمان، مما ساهم بدرجة كبيرة فى زيادة حدة الاستقطاب بين الدول الأعضاء فى الجامعة العربية، فى ظل مواقف متباينة حولها، أدت فى نهاية المطاف إلى تدخل أطراف أخرى على خط الأزمة.
فى هذا الإطار، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، فى تصريح له فى أعقاب القرار بعودة سوريا إلى أحضان "بيت العرب"، إنه بداية حركة وليست نهاية مطاف، مشيرا أن الأمر لا يعنى أن الأزمة جرى حلها بل يعنى مساهمة الدول العربية بالحل.
بينما كانت الاستجابة السورية سريعة للعودة عبر المشاركة فى قمة جدة، حيث وصل وزير الخارجية فيصل المقداد، إلى الأراضى السعودية أمس الاثنين، على رأس وفد رفيع المستوى للمشاركة فى الاجتماعات التحضيرية للقمة، التى من المقرر أن تنطلق يوم الجمعة المقبل، معربا عن سعادته بما تحقق.
وقال المقداد، لدى وصوله إلى مدينة جدة للمشاركة فى الأعمال التحضيرية للقمة العربية، أن عنوان القمة العربية المقبلة، والتى تقام فى مدينة جدة السعودية، هو العمل العربى المشترك والتطلع إلى المستقبل، مضيفًا "نحن هنا لنعمل مع أشقائنا العرب على تحديد المعطيات لمواجهة التحديات التى نتعرض لها جميعا".
وتأتى مشاركة دمشق فى فاعليات القمة العربية، بعد العديد من المحطات التى شهدت خلافات كبيرة، ربما دارت أهمها حول التشابك الدولى والاقليمى فى الازمة السورية، جراء وجود العديد من القوى الإقليمية المتصارعة، على غرار الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، إلا أن ثمة جهودا كبيرة بذلتها القوى الإقليمية، وعلى رأسها مصر، والتى ترأست الاجتماع التاريخى الذى صدر عنه قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ساهمت فى إعادة توجيه "بوصلة" الحل إلى الدول العربية، بعيدا عن محاولات الاستئثار الدولى بالقضية، والتى أدت إلى إطالة أمدها لسنوات طويلة دون جدوى.
وهنا تبدو أهمية "تعريب" الحلول للأزمات العربية، خاصة تلك المترتبة على الفوضى التى حلت بالمنطقة خلال العقد الماضى، عبر تحقيق مزيد من الانخراط العربى لتسوية الأوضاع، سواء على المستوى الفردى من خلال القوى العربية الرئيسية، أو جماعيا، عبر جامعة الدول العربية، والتى تمثل الكيان الجمعى والممثل الشرعى للدول العربية.
من جانبه، قال وزير الخارجية سامح شكرى إن "سوريا تعرّضت لدخول عناصر إرهابية لدعم وجهة نظر مقابل وجهة نظر أخرى، وتدخلات قوات أجنبية على أراضيها"، لافتًا إلى أنه عندما زار دمشق والتقى الرئيس السورى بشار الأسد؛ تحدثا عن عودة النازحين السوريين إلى وطنهم.
زيارة شكرى لدمشق جاءت لدعمها بعد كارثة الزلزال التى حلت بها مؤخرا، والتى تمثل أحد أبرز محطات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها فى قمة جدة، حيث توالى الدعم الإنسانى العربى للشعب السورى، ليصبح نقطة تحول مهمة فى تحريك المياه الراكدة، فيما يتعلق بالعلاقات بين سوريا ومحيطها العربى، بالإضافة إلى كونه فرصة لخلق دور عربى أكبر فى التعامل مع الأزمة السورية فى المرحلة المقبلة.
الاجتماعات التشاورية العربية، تبدو هى الأخرى أحد أهم الأدوات التى استحدثتها الدول العربية، سواء على المستوى الفردى، على غرار اجتماعى جدة وعمان، أو الاجتماع التشاورى واسع النطاق الذى عقد بالجامعة العربية، على هامش مجلسها على المستوى الوزارى، حول سوريا بمثابة امتداد لحالة استحدثتها القوى العربية الرئيسية، وأبرزها مصر، فيما يتعلق بالتنسيق ودعم العمل العربى المشترك، وهو النهج الذى سيتواصل، سواء فيما يتعلق بسبل الحل فى سوريا، فى مرحلة ما بعد العودة إلى "بيت العرب"، أو فى التعامل مع الأزمات الأخرى، فى إطار التسلح بالهوية العربية فى مواجهة أزمات المنطقة.