يشكل الحوار الوطني مرحلة مهمة في مسار التحول الديموقراطي في مصر، وخطوة جادة في الطريق نحو الجمهورية الجديدة؛ جمهورية تحترم الجميع وتترك مساحة للاختلاف والنقاش حول أهم القضايا والمشكلات والتحديات وسبل التعامل معها، من أجل تحقيق مستقبل أفضل، ومن هذا المنطلق جاء الحوار الوطني ليشمل كافة فصائل المجتمع المصري السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفتح باب التحاور أمام كافة الاختلافات لوضع خريطة لأولويات العمل الوطني، والعمل على تخطي ما يواجهه من تحديات، ولذلك، جاءت معايير حرية التعبير والتنوع والتعددية والشفافية كسمات أساسية لفلسفة عمل الحوار الوطني.
وكشفت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أنه يخلق الحوار الوطني مجالًا للقوى الوطنية المختلفة لإيجاد مساحة مشتركة تكون نقطة انطلاق لمناقشة كافة القضايا النوعية على الساحة الوطنية. وقد توصلت الجلسات التحضيرية على مدار الشهور السابقة إلى ضرورة تقسيم المحور السياسي إلى خمس لجان أساسية، وهي: لجنة المحليات، ولجنة حقوق الإنسان والحريات العامة، ولجنة الأحزاب، ولجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي، ولجنة النقابات والمجتمع الأهلي.
ولكل لجنة من هذه اللجان دور حيوي يمس الحياة السياسية في مصر بشكل مباشر؛ فلجنة الأحزاب على سبيل المثال ستناقش الحياة الديمقراطية في مصر وسبل تنشيط الأحزاب سواء من خلال معالجة الأمور التشريعية أو معالجة الأمور الهيكلية داخل الأحزاب نفسها. ولذلك تُقسم المواضيع الرئيسة إلى ثلاثة عناوين رئيسة: تعزيز دور الأحزاب السياسية وإزالة المعوقات أمامها، والحوكمة المالية والإدارية داخل الأحزاب، وتشكيل واختصاصات لجنة الأحزاب السياسية. وستتطرق اللجنة إلى عدة نقاط فرعية، منها تعزيز دور الأحزاب السياسية، وحالة السيولة الحزبية، ومدى إمكانية دمج بعض الأحزاب ذات الأيديولوجيا المشتركة.
كذلك ستتناول لجنة التمثيل النيابي النقاش حول الشكل المناسب للنظام الانتخابي من الأشكال المختلفة كالقائمة والدوائر والنظام الهجين وغيرها من الأنظمة المختلفة؛ من أجل الوصول إلى الشكل الأمثل للحياة النيابية في مصر، بجانب التشاور حول دور وصلاحيات اللجنة المشرفة على الانتخابات.
أما عن لجنة المحليات فستختص بالتوصل إلى اتفاق حول قانون متوازن للمحليات، يستند إلى النسب التي نص عليها الدستور. كذلك ستتناول اللجنة رؤى الأحزاب السياسية المختلفة حول النظام الانتخابي للمجالس المحلية، وكيفية مواجهة الفساد، وتطوير وتنمية القرى؛ بهدف التوصل إلى نظام رقابي فعال يسهم في تطوير المنظومة ككل. وسيُتناول كذلك رؤية القوى المختلفة حول التحول نحو اللا مركزية، وأشكالها المختلفة من مركزية إدارية ومالية وغيرها.
وعلى جانب آخر، ستتناول لجنة حقوق الإنسان الكثير من المواضيع المهمة مثل: قضايا التظاهر، وقضايا الحريات، وأوضاع السجون، وسبل القضاء على التمييز. وستتم مناقشة العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية وحرية التعبير عن الرأي، بالإضافة إلى قانون الإجراءات الجنائية خاصةً قانون الحبس الاحتياطى، وما تم تنفيذه وما لم يتم تنفيذه من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقتها مصر.
وأخيرًا، ستكون لجنة النقابات والمجتمع الأهلي منوطة بمناقشة تفعيل الدور النقابي ودور المجتمع الأهلي، وستتناول قضايا حيوية مثل: مناقشة قانون العمل الحالي والتعديلات التي يحتاجها لضمان تحقيق الأمن الوظيفي وضمان حقوق العمال المصريين، وأهم المعوقات التي تعيق القطاع المدني من القيام بدور أكثر فاعلية لتعزيز قدرته على المشاركة في عمليات التنمية.
ويعد الهدف الرئيس للمحور السياسي بشكل عام هو خلق مجال سياسي ديمقراطي أكثر فاعلية، مع حوكمة عملية صنع السياسة العامة، وتشجيع المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية؛ الأمر الذي يوفر فرصة حقيقية للأحزاب المصرية وغيرها من مكونات المجتمع المصري لإحداث تغيير حقيقي في مسار الحياة السياسة داخل الدولة.
وسيكون لزامًا على الأطراف المشاركة في الحوار الوطني أن تستثمر الإرادة السياسية الموجودة لإحداث اثر حقيقي علي أرض الواقع. وكانت استجابة الرئيس السيسي السريعة لمقترح أمانة الحوار الوطني الخاص باستمرارية الإشراف القضائي على الانتخابات لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية هو خير دليل على وجود إرادة جادة وحقيقية من القيادة السياسية للاستجابة لأي مقترح يخدم المصلحة العليا للبلاد، وهو الأمر الذي يزيد أيضًا من الآمال المعقودة على الحوار الوطني للخروج بنتائج فعالة وملموسة.
ولكن بالرغم من توافر الإرادة السياسية لإنجاح الحوار الوطني، فإنه لا يزال تحديات في ظل تشابك المشكلات الحالية وتداخل مسبباتها بين عوامل داخلية وخارجية، مع تفاقم المشهد الإقليمي والدولي. ولذلك من المهم أن تدرك القوى المختلفة المنخرطة في الحوار الوطني المسئولية الملقاة على عاتقها في اللحظة الدقيقة الراهنة؛ إذ إن الأمر لا يتوقف عند مجرد “النقاش”، ولكن الهدف منه وهو الوصول إلى خطوات وحلول عملية للمشكلات الحالية.
وبالرغم من أن الفترة التحضيرية السابقة نتج عنها التوافق حول أهم القضايا التي يجب مناقشتها في الحوار الوطني، فإن الفترة المقبلة قد تشهد حالة من التضارب بين رؤى القوى المختلفة حول سبل التعامل مع القضايا المطروحة والحلول اللازم اتباعها؛ فبالنظر إلى الفترة الكبيرة التي استغرقها التوافق على الموضوعات التي سيناقشها الحوار الوطني يمكن توقع وجود تباين كبير في وجهات النظر بين القوى والأطراف المختلفة حول الشكل الذي يجب أن تتعامل به الدولة مع الملفات الشائكة المطروحة على طاولة الحوار، وهو الأمر الذي يرجع إلى التنوع الشديد فى خبرات وانتماءات المشاركين السياسية والأيديولوجية، مما يجعل كل طرف ينظر إلى كل قضية وفقًا لمرجعيته الخاصة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة