بيشوى رمزى

الحوار الوطني.. والرؤية المصرية لعملية "الإصلاح"

الإثنين، 08 مايو 2023 03:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حالة من الابهار، تجلت في العديد من المشاهد التي زينت الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، ليس فقط من حيث التنظيم الرائع، والذي اعتادت عليه الدولة المصرية في كافة المحافل التي نظمتها على أراضيها، بدءً من منتديات الشباب، مرورا بالاحتفالات الكبرى التي أعادت إلى الأذهان عظمة التاريخ، على غرار الاحتفال الضخم بنقل المومياوات الملكية وافتتاح طريق الكباش بالأقصر، وحتى تنظيم القمم الدولية، وأخرها قمة المناخ، والذي يبدو علامة مهمة ومؤثرة في تاريخ مكافحة التغيرات المناخية بما وصلت إليه من نتائج غير مسبوقة، أبرزها تدشين صندوق الخسائر والأضرار، والذي يمثل اختراقا في طريق الانفاق بين الدول المتقدمة والنامية، وإنما أيضا في طبيعة المشاركين في الحوار وقوة الخطابات التي ألقاها المشاركون، في انعكاس لحالة من المصارحة، التي ربما أصابت قطاعا كبيرا من المتابعين بالدهشة التي تصل إلى "الصدمة".

 
فبمجرد النظر إلى الأسماء المشاركة في الحوار الوطني، نجد أن ثمة تطبيقًا عمليا للشعار الذي أرساه الرئيس عبد الفتاح السيسي "وطن يساع الجميع"، في ظل وجود شخصيات تحمل تاريخ من المعارضة الشرسة، وتساؤلات تبدو صعبة طرحها البعض، تناولت قضايا شائكة، في ظل تداعيات كبيرة للأزمات العالمية تطال العالم بأسره، والكيفية التي يمكن التعامل بها في مجابهتها، خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يعكس رغبة ملحة لدى دوائر صناعة القرار في الاستفادة من كافة الرؤى والخبرات، في إطار "بوتقة" وطنية، تضع مصلحة المواطن كأولوية قصوى، بعيدا عن المصالح الضيقة، والتي كانت دائما العنصر الحاكم في إدارة كافة الكيانات السياسية التي كانت تعمل لعقود سابقة في دائرتها، مما ساهم في تقويض الثقة الشعبية بها.
 
ولعل اجتماع القوى السياسية على مائدة الحوار الوطني، جنبا إلى جنب مع فئات مجتمعية أخرى، يمثل نجاحا كبيرا في تغيير بوصلة الإدارة، لدى العديد من الأحزاب، ورموز المعارضة، لتبتعد عن دائرة المصالح الضيقة نحو أفاق وطنية ومجتمعية أرحب بينما يبقى المشهد برمته ثمرة مهمة للعديد من الخطوات، التي تهدف لتحقيق عملية "الإصلاح" الشامل سواء فيما يتعلق بالحياة السياسية أو المجتمع، وهو الامر الذي لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، في ظل العديد من الاعتبارات، من بينها الطبيعة المتدرجة لمثل هذا التغيير الذي لا يمكن أن يتحقق مباشرة، بالإضافة إلى كونه عملية دائمة ومستمرة، تتواكب مع التطورات المستمرة، سواء في الداخل أو الخارج، وبالتالي فهي تعد عملية طويلة الأمد، ينبغي الإعداد لها جيدا، على كافة المستويات، عبر تأهيل المجتمع، وتفعيل دور كافة الفئات، وكذلك تغيير رؤية مختلف القوى السياسية حول العلاقة مع الدولة، على اعتبار أنها ليست خصما لأحد بل أن جميع أطراف المعادلة المصرية هم في واقع الامر "شركاء"، ينبغي أن يعملون معا لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن، ناهيك عن إعادة هيكلة البنية الاقتصادية، سواء من الناحية الجغرافية، عبر إحياء المناطق المهمشة واقتحامها تنمويا، أو استثماريا لتمهيد البيئة العامة لجذب المزيد من الاستثمارات، وهو ما يساهم في تطبيق النتائج التي يؤول إليها الحوار عمليا بمجرد الوصول إليها.
 
فلو نظرنا إلى مراحل الإعداد للحوار الوطني، منذ مبادرة الرئيس السيسي، خلال إفطار الأسرة المصرية، نجد أن الوصول للمرحلة الحالية استغرق عام كامل، تم فيها الإعداد لكافة التفاصيل، بحرفية شديدة، سواء فيما يتعلق بالمحاور التي سيتم مناقشتها، أو تشكيل اللجان، ناهيك عن الأولويات المرتبطة بالقضايا محل النقاش، وهو ما يعكس أننا أمام عملية منظمة، تعتمد منهجا محددا، بعيدا عن أحداث مشابهة في العهود السابقة، كانت ترتكز في الأساس على التقاط الصور، والجلسات المغلقة، بينما اقتصرت على وجوه معينة من "المستأنسين"، الذين يتمتعون ببعض المزايا، مقابل الحضور، بعيدا عن أي تناول حقيقي للأزمات المحيطة بالمجتمع وكيفية تقديم حلول فعالة لها.
 
عبقرية الصورة التي قدمتها الدولة المصرية، في الحوار الوطني، ليست في جوهرها شعار، أو "شو" إعلامي لجلسة تجتمع فيها الحكومة مع المعارضة السياسية، وإنما تتجلى في تقديم النظرية الصحيحة لعملية "الإصلاح"، والتي تتسم بطبيعة متدرجة، تعتمد منهج "البناء"، عبر تأهيل البيئة والكيانات والمجتمع والجغرافيا، لنصل إلى "إصلاح" ناضج قابل للتطبيق، وهو ما يخالف الرؤى التي تبنتها القوى الدولية التي ادعت قدرتها على تغيير بنية دول المنطقة بمجرد إسقاط أنظمتها بين ليلة وضحاها، سواء بالغزو العسكري، على غرار ما حدث بالعراق قبل عقدين من الزمان، أو من خلال تأجيج نزعات التمرد، مثلما حدث في العقد الماضي إبان "الربيع العربي"، لتكون محصلتها جميعا هو السقوط في مستنقع الفوضى لسنوات طويلة.
 
وهنا يمكننا القول بأن "الحوار الوطني"، يقدم، إلى جانب كونه فرصة للجميع للتعبير عن أنفسهم والمساهمة في بناء حياة سياسية سليمة، وهو ما تناولته في مقالي السابق، فإنه في الوقت نفسه تطبيقا عمليا للرؤية الصحيحة لعملية "الإصلاح"، والقائمة على التدرج، في ظل ارتباطها بالعديد من العوامل، كالثقافة، والجغرافيا، والظروف الامنية والسياسية، والإرث، وذلك لتخرج من دائرة "الشو" الإعلامي إلى عملية حقيقية يمكنها تحقيق نتائج عملية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة