كل من يتابع جلسات الحوار الوطنى، يدرك كيف تتطور الفكرة، وتتفاعل الآراء والأفكار، فى سعى لبلورة الأفكار فى مدونات واقتراحات، هناك مشاركة واسعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، مرورًا بالوسط، وبقدر ما كانت الاختلافات والتباينات تبدو واسعة بين الأطراف فإن وجود هذه الآراء فى مجال واحد تكشف مساحات من التقارب والتفاهم، وأن ما قد يبدو من اختلافات بين الأطراف والتيارات، على مواقع التواصل أو صفحات البث المباشر، إنما هو تنوع وليس اختلافًا، وأن هناك دائمًا مساحة يمكن الالتقاء فيها.
ومن البداية قلنا إن أهم ما كشفه الحوار الوطنى، هو وجود رغبة لدى قطاعات كثيرة للانخراط فى هذا الحوار كلٌ بطريقته، وحتى هؤلاء الذين أبدوا رفضهم أو تحفظهم، فى الواقع لم يتوقفوا عن طرح آرائهم فى القضايا المختلفة، فى السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية، وطرحوا آراءهم وما زالوا بمواقع التواصل، يقدمون اقتراحات أو أفكارًا، بعضها صالح للمناقشة والتطبيق.
فى البداية كانت هناك آراء معلبة وجاهزة ترفض المشاركة، وترى أن الحوار المطروح تكرار لتجارب سابقة، وأن نتيجته معروفة سلفًا، بينما التجارب الماضية كانت محاولات لم تكتمل.
ثم إن تجربة الحوار الحالية، لم يسبق أن تم تنظيمها بهذا الشكل وبهذه الكثافة والتنوع، فى التجارب الماضية كان حزب السلطة يدعو المعارضين إلى حوار معد وجاهز سلفا، وكانت الدعوة للمشاركة مجرد حضور وتمثيل، لكن ما تم منذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، للحوار، يختلف شكلا ومضمونا، فقد تم تجهيز الحوار وأمانته ولجانه بتوازن وتنوع من كل التيارات، ولم يعقد فى البرلمان أو فى حزب لكن أشرفت عليه وأدارته جهات محايدة دورها التنظيم، فقد كان دور الأكاديمية الوطنية للتدريب تنظيميا يسهل للمشاركين عملهم، ثم إن اختيار الأمانات واللجان تضمن أطرافًا متنوعة تمثل تيارات مختلفة. وتثبت تجربة الشهور الماضية، أن هناك جدية للاستماع إلى كل الآراء، بعد بناء جسور للثقة بفضل عمل لجنة العفو الرئاسى التى تواصل حل ملفات المحبوسين أمام النيابة أو بقرارات عفو، والحرص على إعادة الخارجين لأعمالهم ومساندتهم اجتماعيًا، مع التأكيد على أن الحوار الوطنى أمر محلى مصرى خالص، لا علاقة له بأى تقاطعات أو محاولات لفرض وجهات نظر داخلية أو خارجية، وباعتبار الحوار هو مساحة لاستيعاب الآراء المختلفة، والانتقال إلى مرحلة أكثر رحابة وقدرة على الاستيعاب.
لقد دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى، لحوار سياسى واسع دون تمييز أو استبعاد وتضمنت الدعوة تفعيل لجنة العفو الرئاسى، الدولة قدمت خلال الأيام التى تلت دعوة الرئيس للحوار، خطوات جادة تؤكد صدق النية والرغبة فى الحوار بشكل حاسم، وتمت تلبية كل الشروط التى تدفع نحو جديته وبناء الثقة والمشاركة فى وضع السياسات.
وتظل النقطة الأهم هى بناء الثقة بين أطراف الحوار، ومد جسور الثقة بين الدولة والتيارات السياسية والأهلية، وهى السبيل لنجاح هذا الحوار، بما يضمن فتح المجال لتوسيع المشاركة لكل قطاعات المجتمع. وجدد الرئيس تأكيده على ضمان نجاح الحوار بالاستجابة لاقتراحات تتعلق بالإشراف القضائى، وهذه الثقة هى الأرضية التى تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، واستعادة وحدة الصف لتحالف 30 يونيو، وبناء الثقة يسمح باتساع مجال التفاهم وتحديد نقاط أساسية، وبعد إقامة هذه الجسور يمكن أن تكون هناك مساحات للتفاهم والتحاور.
وفى المناقشات والحوارات هناك تنوع وإتاحة الفرصة للكل، بنفس القدر ومن دون تفرقة، وبالتالى فإن كل شروط إنجاح الحوار وتوسيع المشاركة وإدارة التنوع توفرت.
الشاهد أن الحوار يجرى بعد عشر سنوات قطعت فيها الدولة مسافات مهمة، وواجهت تحديات ضخمة وأصبحت فى لياقة تمكنها من إدارة التنوع ورسم خارطة المستقبل.
وهذا النجاح للحوار مرده الصدق والإخلاص من الرئيس الداعى والضامن للحوار، والجهات التى لعبت دورًا فى ترتيب الحوار وإزالة المعوقات التى تقف أمامه، وأيضًا فإن أغلب من شاركوا كانوا وما زالوا على قدر كبير من المسؤولية والرغبة فى رسم خارطة المستقبل. وهى شهادة للداعى الرئيس، والمنظمين، والمشاركين من الأحزاب والتيارات المختلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة