عادل السنهورى

"مقبرة الخالدين".. قرار الرئيس والمزايدة على تاريخ مصر

الثلاثاء، 13 يونيو 2023 09:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مصر لا تهين رموزها ولا تفرط فى تاريخها ولا تتجاهل آثارها ولا تهدر تراثها.. هذا هو المعنى الواضح والرد القاطع  – فى رأيى الشخصي - من قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى على كل المزايدين والمتربصين بالخارج وأنصارهم فى الداخل.
 
القرار الرئاسى  بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء، وتضم جميع الجهات المعنية والأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التى أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدراسة البدائل المتاحة والتوصل لرؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأى العام قبل يوم الأول من يوليو 2023.. جاء ليحسم الجدل ويقطع الشك باليقين ويرد على الشائعات وأصحاب المخاوف الزائفة على تاريخ وتراث مصر.
 
جاء القرار فى وقته تماما ويستحق التقدير والاشادة لتأكيده على حرص مصر على تقدير رموزها التاريخية وتراثها العريق على النحو اللائق بإنشاء مقبرة تضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوى الإسهامات البارزة فى رفعة الوطن تحمل اسم "مقبرة الخالدين" فى موقع مناسب، على أن تتضمن أيضاً متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة فى المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء، بحيث يشمل المتحف السير الذاتية لعظماء الوطن ومقتنياتهم، ويكون هذا الصرح شاهداً متجدداً على تقدير وتكريم مصر لأبنائها العِظام وتراثها، ولتاريخها الممتد على مر العصور والأجيال.
 
القراءة فى توجيه الرئيس السيسى تؤكد على أنه لا يمكن لدولة فى حجم مصر لديها هذا الكم من التراث والآثار أن تهدرها وتتخلص منها بهذه السهولة دون دراسة وتقييم من منطلق فقه الأولويات والقيمة التراثية والأثرية ثم القمية العمرانية.. فالدول تقاس بتاريخها وبما أنجزته فى الحضارة الإنسانية للعالم القديم والحديث. وآثار مصر وتراثها خير شاهد ودليل دامغ على ما قدمته مصر للإنسانية من فنون وعلوم وأداب ودورها الإنسانى والعمرانى والثقافى على امتداد التاريخ البشرى.
 
الأمر الثانى، كان لا بد أن يصدر قرار الرئيس السيسى لوقف "الهرتلة" المزايدات والأكاذيب التى يرددها إعلام الجماعة الكاذبة من الخارج  لهز ثقة المصريين فى قيادتهم السياسية والتنفيذية الى الحد الذى يمكن أن تقوم به الدول لإزالة وهدم آثاراها وتراثها الإنسانى التى تتباهى وتفخر به أمام دول العالم .
 
الأمر الثالث، أن التطوير ليس معناه الهدم والتخلص من التراث وانما الارتقاء به والتعامل معه بصورة أفضل مما هو عليه الآن من اهمال وعشوائية والارتقاء بمعيشة السكان فى هذه المناطق التى احتلتها العشوائيات ومظاهر الدمار والإهمال وخاصة فى مناطق السيدة عائشة والامام الشافعى.. فمنذ الإعلان عن المشروع الضخم لتطوير القاهرة التاريخية فى عام 2019 ومصر تؤكد على أنها لن تترك العاصمة القديمة وسط هذا الخراب، ولن تتوقف عجلة التطوير التى بدأت بالفعل فى اتخاذ مواقعها بقلب القاهرة، ويتضمنه المشروع من إحياء عاصمة المعز من جديد.
 
الأمر الرابع أن مشروع تطوير القاهرة التاريخية – وهو مشروع معلن منذ حوالى 4 سنوات وليس مشروع مفاجئ - يكشف تطوير تلك المناطق عبر ترميم وتطوير واحياء المبانى الأثرية وإعادة هيكلة المنطقة لتتحول إلى مزار سياحى متكامل، وما توّليه الدولة من اهتمامٍ كبير للمحافظة على الحضارة المصرية، وهذه المبانى الأثرية والتراثية تشمل المبانى الاسلامية والقبطية واليهودية أيضا.
 
فمشروع تطوير القاهرة التاريخية يهدف الى إعادة رونق القاهرة القديمة لما كانت عليه من قبل، عبر أعمال الترميم أو التشييد لإرجاع هيمنة تلك المنطقة وإزالة جميع المناطق الخربة والعشوائية حولها. وإعادة تأهيل الأحياء العمرانية ذات القيمة التاريخية الهامة، سواءً كانت تلك المبانى مسجلة أو غير مسجلة كتراث قومى.
 
ويشمل المشروع الضخم الذى يتكلف حوالى 30 مليار جنيه أربعة محاور رئيسية، هى التأهيل العمرانى للمعالم التراثية، التأهيل المجتمعى للمناطق السكنية المجاورة، التأهيل السياحى وتشغيل وكالات الحرف اليدوية، تأهيل المعالم التاريخية، حيث يزيد عدد المبانى اللازم إعادة تأهيلها عن 500 مبنى تراثي. 
 
وخلال السنوات الماضى تم العمل على تطوير سور مجرى العيون والفسطاط ومنطقة الحسين وجامع أحمد بن طولون ومنطقة جامع عمرو بن العاص ومسجد الحاكم بأمر الله وباب زويلة وحارة الروم.
 
بينما قُسمت الخطة التطويرية إلى ثلاث مراحل مختلفة يتم العمل عليها بالتوازى، بالإضافة إلى بعض المشاريع المتفرقة التى ضمت لهذا المشروع؛ لذا فإن البرامج القائمة الآن هى:
 
المرحلة الأولى (المرحلة العاجلة): يتواجد بها أبرز المعالم الأثرية الجاذبة للسياح والمواطنين على حدٍ سواء، مشروع إعادة هيكلة منطقة الفسطاط ، مشروع تطوير منطقة مجرى العيون، مشروع تجديد واجهات المبانى السكنية بالقاهرة التاريخية.
 
ومن الجدير بالذكر، أنه تم الإعلان عن التكلفة المبدئية لتطوير القاهرة التاريخية التى قدرت بـ 30 مليار جنيه، ومن المتوقع أن تصل إلى ما يقرب من 70 أو 80 مليار جنيه مصري.
 
تطوير القاهرة التاريخية
ما هى أبرز المعالم فى مشروع تطوير القاهرة التاريخية؟
انطوت خريطة تطوير القاهرة التاريخية على أبرز المعالم التى تقع ضمن المرحلة العاجلة لتنفيذ ذاك المشروع؛ وهذه المعالم هي:
تشتمل أعمال التطوير الجارية على إزالة المخلفات، ثم ترميم واجهة مسجد الحاكم؛ وتمتد تلك الأعمال من المسجد حتى باب النصر والفتوح على مساحة 14 فدانا.
 
تبلغ المساحة المقرر ترميمها فى محيط باب زويلة نحو 8 أفدنة، بدايةً من شارع أحمد ماهر وصولاً إلى حمام القربية؛ كما تُنفذ مجموعة من الورش الحرفية والمحلات التجارية.
 
جامع عمرو بن العاص
وجّه رئيس الوزراء مصطفى مدبولى بترميم مسجد عمرو بن العاص بالكامل، نظرًا لمكانة المسجد الدينية والتراثية، إلى جانب وقوع جامع عمرو ضمن تصور تطوير منطقة الفسطاط.
 
مسجد الحسين 
تتركز إجراءات الترميم فى المنطقة المحيطة بالمسجد لتغطى مساحة 13 فدان، على أن تشمل هذه الإجراءات إعادة تأهيل واجهات البنايات السكنية؛ كما تضم هذه المسافة المناطق التالية:
 
وشارع الأزهر وشارع سيد الدواخلى وشارع الدرب الأحمر ودرب اللبانة وقلعة صلاح الدين الأيوبى وتطوير منطقة الجمالية ومسجد السلطان حسين وابن طولون وبرقوق وغيرها من مناطق القاهرة التاريخية بكل عصورها الإسلامية والمملوكية والفاطمية 
 
الأمر الخامس، ان إزالة المقابر التى تكدست بفعل العشوائية واكتظاظ المنطقة بالسكان ليس بدعة حديثة فقد قام محمد على باشا الكبير بمشروع التطوير الأول لمنطقة القلعة و الأزبكية بإزالة الاف المقابر لشق طريق أو شارع ما بين القلعة – مقر الحكم – والأعيان والملاك والباشوات فى الأزبكية ( العتبة الآن) ثم جاء الخديوى إسماعيل بتطوير الشارع وإزالة مقابر جديدة كانت تضم أولياء وعلماء لتوسيع الشارع الذى أطلق عليه شارع محمد على  وقب أن ينقل مقر الحكم من القلعة الى قصر عابدين عام 1869 
 
بالتالى هناك فقه الأولويات للدولة للتطوير والارتقاء بالمناطق القديمة وهى الأقدم تاريخيا من مدينة القاهرة بعد أن تعرضت للإهمال والعشوائية والخراب على مدار 40 عاما ضاعت معها هيبة هذه المبانى التراثية والتاريخية وقيمتها حتى تم الإعلان عن مشروع تطوير القاهرة التاريخية لإنقاذ هذه الثروة التاريخية والاستفادة منها بإضافة قيمة مضافة سياحية وتجارية 
 
الأمر السادس، انه فى عام 1979 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم( اليونسكو) ان منطقة القاهرة التاريخية تم تسجيلها كموقع تراث عالمي،  لكن  - وهنا النقطة الأهم- فى سنوات التسعينات أعلنت اليونسكو عدم رضاها مما تتعرض له تلك المناطق من الاهمال والعشوائية  مما يهددها بالشطب من قائمة التراث ونقلها الى قائمة المناطق المعرضة للخطر وهو ما يعنى تصدير صورة سيئة عن ان مصر غير جديرة وغير حريصة على اثارها وتراثها  وما يترتب على ذلك من اضرا بسمعة مصر لدى المنظمات السياحية والمعنية بالتراث والآثار.
 
تخيلوا هذه صورة هذه المناطق عام 79 – وعدد سكان مصر وقتها لا يتجاوز 40 مليون نسمة- وقبل أن يمتد اليها العشوائيات ويسكنها القادمون من الريف والصعيد للتحول الى منطقة طاردة للسياحة مع تكدس مئات الالاف  فيها والبناء العشوائى، وبالتالى بناء الاف المقابر العشوائية أيضا ومزاحمة الموتى، حيث تحولت المقابر التراثية والتاريخية الى أماكن للسكن للقادمين عبر الهجرات الداخلية مع سنوات الانفتاح وحتى العشرية الأولى من الالفية الثانية وتحولها الى مناطق خطرة وحزام فقر وقنابل موقوتة حول القاهرة
 
هل كنا نشاهد ما بلغته هذه المناطق من تردى واهمال وخراب أثناء زيارتنا أو مرورنا على هذه المناطق قبل أن تمتد يد التطوير اليها منذ 4 سنوات . هل مكنا نشاهد ما يجرى فى سور مجرى العيون والفسطاط والسيدة عائشة والامام الشافعى.
 
وقبل فترة تم تطوير منطقة جبانة الشاطبى الأثرية بالإسكندرية واستعادة بريقها التاريخى لتصبح مزار سياحى والحفاظ على قيمتها التاريخية .. فهل كان معنى الترميم والتطوير هو تخلص الدولة من تاريخها وتراثها وآثارها.
 
ويبقى السؤال هل التطوير والتنمية واستغلال هذه المنطقة واستعادة رونق القاهرة التاريخية باب للشائعات والتشكيك فى نوايا الدولة ومجهوداتها ومحاولة زعزعة الثقة بين الشعب والقيادة..
قرار الرئيس السيسى يستوجب الإشادة والثناء واسكات كل ألسنة المشككين ومروجى الشائعات، وخاصة أنه يتضمن أيضا إقامة صرح ومقبرة كبرى لعظماء الوطن من ساسة وعلماء وأدباء ورياضيين وهو خير تكريم لهم ولتاريخ مصر وتراثها ورموزها.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة