يعد الغراب من أشهر الطيور فى الثقافة الشعبية لكثير من الحضارات، ففي التراث الشعبي الإنجليزي، يقال إن الغراب يزور جهنم في منتصف الصيف من كل عام، ويدفع راتبا للشيطان مجموعة من ريشه، ويبدو أنه السبب في غياب الطائر في فصل الصيف، ولما كان الناس يجهلون هجرة الطيور فقد صدقوا هذه الأسطورة، وإن كان بلوتارخ المؤرخ اليونانی يستخدم الغراب في إحدى مقالاته کرمز للعفة.
حكايات كثيرة وأساطير أكثر بالطائر الأسود الذى أعده الكثير فال شؤم، وفى السطور التالية، نوضح بعض التباينات حول وجود الغراب في المأثور الشعبي، والأساطير القديمة:
ممنوع في معابد الإغريق
لم يكن الإغريق يسمحون للغربان أن تحط فوق مجمع المعابد (الأكروبوليس) لاعتقادهم بأن ذلك فألا سيئا، وأن هبوط الغراب على سطح أحد المنازل هو نذير بموت أحد سكانه، وتبنى الرومان هذا الاعتقاد، وأضافوا إليه اعتقاداً آخر يقول إن الغراب إذا مشى متبختراً على الرمال ذهاباً وإياباً، فإنه يستدعى بذلك سقوط الأمطار!
وبعض الأوروبيين حتى اليوم يعتقدون أن نعيق الغراب هو نذير بالموت، وذهب السويديون مذهباً غير بعيد عن ذلك، فاعتقدوا أن الغربان أشباح الناس الذين ماتوا قتلاً، بعض سكان كولومبيا يعتقدون أن من يسكن الغراب روحه سيمتلك القدرة على التنبؤ بالموت وأحوال الجو.
وفى الأساطير الصينية، هناك الغراب ذو الأرجل الثلاثة الذى يعيش فى قلب الشمس، وتمثل أرجله الثلاث الأوقات المختلفة من النهار: الصباح والظهيرة والمساء، ويعد اليابانيون الغراب طيراً عظيم الدلالة على إرادة السماء وتدخلها المباشر فى شئون الإنسان.
رمز الحب المخلص عند الفراعنة
وفقاً لحور أوبولو الكاهن المصري اليوناني والذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، كان الغراب رمزاً مهماً في مصر، وإن لم يكن ذلك بالضرورة مرتبطاً بالدين، مثلت الغربان الحب المخلص، لأنها وكما لاحظ أهل العالم القديم بدقة، طيور أحادية الزواج، وكتب حور أبولو أنه عندما كان المصريون يرغبون بإظهار الوحدة بين آريس، إله الحرب، وأفروديت، إلهة الحب، كانوا يرسمون غرابين، لأن الغراب دائماً ما يضع بيضتين يفقس منهما ذكر وأنثى يعيشان معاً طيلة حياتهما، ويشرح حور أبولو في كتاباته أنه أحياناً يفقس ذكران أو انثيان معاً، فهما محكومان بحياة العزوبية ولهذا السبب فإن مشهد الغراب الوحيد يعد نذير شؤم.
تقديسه
ارتباط الغراب بالعبادة في أزمنة قديمة وانتشرت هذه العبادة عبر العالم وبقي منها الآن أجزاء من أساطير ومعتقدات شعبية، وقد يكون المركز الجغرافي لمثل هذه العبادة في شمال آسيا الوسطى، ومن هناك يبدو أنها انتشرت إلى الأقوام التي تعيش في أمريكا الشمالية والشعوب القريبة في الشرق، وحتى قبائل السلت والنورمانديين في الغرب، وبشكل أقل قوة إلى عدد كبير من الأقوام الأخرى بدءاً من العبرانيين وانتهاءً بالصينيين.
وقد لاحظ الكثيرون من علماء الإنسان تشابهاً بين معتقدات الشامان لدى سكان سيبريا وبين معتقدات سكان أمريكا الأصليين في أقصى الشمال، حيث يُحتفى بالغراب على طول الدائرة القطبية الشمالية وما وراءها على أنه إله الخلق وهو أيضاً مخادع في بعض الأحيان، وبذلك يمثل القداسة والفجور في آن معاً.
إله المعارك في بلاد فارس القديمة
كانت الغربان في الديانة الفارسية القديمة تعتبر تجسيدًا لإله المعارك المظفرة، فيريثراغانا، وكان ريش الغربان تمائم شائعة، وأصبحت أخوية "الغربان" أو الشعائر الاستهلالية السبعة في ديانة ميثراس، التي نشأت أصلا في بلاد فارس، وكانت شائعة بشكل خاص بين الجنود وأصبحت المنافس الرئيسي للمسيحية في القرون الأخيرة للإمبراطورية الرومانية، وكان ميثراس يعرف باسم (الشمس التي لا تقهر) وكان يرتبط بأبولو على نطاق واسع، فقد كان ميثراس يشترك مع الإله الشمسي الإغريقي – الروماني في صلته بالغربان، وفي الطقوس السرية، كان الناس يتنكرون بهيئة الغربان والأسود ويرقصون حول مذبح تحت الأرض.
الفايكنج
ارتبط الغراب أو الغراب الأسود بشكل خاص بأودين، الإله الأسمى لدى الفايكنج، والذي يدعى في بعض الأحيان بلقب (ملك الغربان)، وكان له غرابان يجثمان على كتفيه ويدعيان (هوجين) أي الفكر و(مونين) أي الذاكرة، في قصيدة حكايات جريمنير من الشعر الشمالي إيدا، يقوم إودين بزيارة ملك القوط جيرود متنكرًا بقناع أزرق، وذلك ليختبر ما عرف عن الملك من استهزاء بقوانين الضيافة، فاعتقل الملك جيرود أودين وعلقه على شجرة بين نارين وبينما كان يعذب، أخبر أودين عن الجنة والأرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة