تعرف فتنة مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه بأنها واحدة من أشد الفتن التى وقعت فى الدولة الإسلامية، وقد أدت إلى ما لحقها من اضطرابات فى عهد على بن أبى طالب كرم الله وجهه وهنا ذكر للفتن الأشهر فى التاريخ الإسلامى.
فتنة منع الزكاة فى عهد أبى بكر الصديق
منعت بعض قبائل العرب الزكاة بعد وفاة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر الخلافة من بعده وقد قاتلهم الخليفة الأول لرسول الله حيث يقول محمد حسين هيكل فى كتاب الصديق أبو بكر: "جمع أبو بكر كبار الصحابة يستشيرهم في قتال الذين منعوا الزكاة، وكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه ألا يقاتلوا قومًا يؤمنون بالله ورسوله، وأن يستعينوا بهم على عدوهم، ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا كثرة الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن أن المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام، فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة؛ ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام، يدل على ذلك قوله: «والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه.» ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شيء من الحدة: "كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابهم على الله".
لم يتريث أبو بكر ولم يتردد في إجابة عمر فقال: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، وقد قال: "إلا بحقها" ويتم الرواة هذا الحديث بأن عمر قال من بعد: "فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
فتنة على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان
فى 26 يوليو 657م، وقعت معركة صفين بين الإمام على ابن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، على الحدود السورية العراقية والتى انتهت بالتحكيم فى شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين للهجرة، حيث كان يرفض معاوية بن أبى سفيان مبايعة الإمام على بن أبى طالب خليفة للمسلمين، حتى يقتص من قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وجاء فى كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير فى فصل فى وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام، أن على بن أبى طالب رضى الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل، ودخل البصرة، سار من البصرة إلى الكوفة، فنزل فى الرحبة، وصلى فى الجامع الأعظم ركعتين، ثم خطب الناس فحثهم على الخير، ونهاهم عن الشر، ومدح أهل الكوفة فى خطبته هذه.
ثم بعث إلى جرير بن عبد الله - وكان على همذان ممن زمان عثمان وإلى الأشعث بن قيس وهو على نيابة أذربيجان من زمان عثمان أن يأخذا البيعة على من هنالك من الرعايا ثم يقبلا إليه، ففعلا ذلك.
فلما أراد على رضى الله عنه أن يبعث إلى معاوية رضى الله عنه يدعوه إلى بيعته قال جرير بن عبد الله: أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين، فإن بينى وبينه ودَّا، فآخذ لك منه البيعة.
فقال الأشتر: لا تبعثه يا أمير المؤمنين، فإنى أخشى أن يكون هواه معه.
فقال علي: دعه، وبعثه وكتب معه كتابا إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ويخبره بما كان فى وقعة الجمل، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس.
فلما انتهى إليه جرير بن عبد الله أعطاه الكتاب، فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام، فاستشارهم، فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان، أو أن يُسلم إليهم قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه.
فرجع جرير إلى على فأخبره بما قالوا، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين ألم أنهك أن تبعث جريرا، فلو كنت بعثتنى لما فتح معاوية بابا إلا أغلقته. فقال له جرير: لو كنت ثَمَّ لقتلوك بدم عثمان. فقال الأشتر: والله لو بعثنى لم يعينى جواب معاوية، ولأعجلنه عن الفكرة، ولو أطاعنى قبل لحبسك وأمثالك حتى يستقيم أمر هذه الأمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة