تمر اليوم الذكرى الـ 228 على القنصل الفرنسى فى القاهرة يقترح على بلاده احتلال مصر عسكريًا للمحافظة على المصالح الفرنسية، وذلك فى 17 يونيو 1795 والتى انطلقت بالفعل فى عام 1798، حيث تقدم شارل مجالون القنصل الفرنسي في مصر تقريره إلى حكومته في 9 فبراير 1798م يحرضها على ضرورة احتلال مصر، ويبين أهمية استيلاء بلاده على منتجات مصر وتجارتها، ويعدد لها المزايا التي ينتظر أن تجنيها فرنسا من وراء ذلك.
وفي تقرير قدم القنصل الفرنسى الحجج التي تبين أن الفرصة قد أصبحت سانحة لإرسال حملة على مصر وفتحها، كما تناول وسائل تنفيذ مشروع الغزو من حيث إعداد الرجال وتجهيز السفن اللازمة لحملهم وخطة الغزو العسكرية، ودعا إلى مراعاة تقاليد أهل مصر وعاداتهم وشعائرهم الدينية، وإلى استمالة المصريين وكسب مودتهم بتبجيل علمائهم وشيوخهم واحترام أهل الرأي منهم، لأن هؤلاء العلماء أصحاب مكانة كبيرة عند المصريين.
لكن قبل اقتراح القنصل الفرنسي، يبدو أن فكرة احتلال مصر كانت مسيطرة على رجال الحكومة الفرنسية، حيث كانت فكرة السيطرة على مصر وجعلها مستعمرة فرنسية تحت النقاش منذ قام البارون دو توت بمهمة سرية إلى بلاد الشام في 1777، لفحص الجدوى، كان تقرير البارون إيجابيا، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوات من قبل فرنسا حينها، أصبحت مصر محل نقاش بعد ذلك بين شارل تاليران ونابليون، وفي 1798، قدم نابليون اقتراحا إلى حكومة المديرين بالقيام بحملة للسيطرة على مصر، بهدف "الحفاظ على المصالح الفرنسية"، وتقليل قدرة بريطانيا على الوصول إلى الهند وإلحاق الضرر بتجارتها.
وبحسب كتاب " نابوليون بونابارت فى مصر" تأليف أحمد حافظ رجب، فأن الفيلسوف الألمانى "ليبنتز" أحد وزراء لويس الرابع، كان أول من فكر فى ذلك، إذ كان لويس الرابع عشر فى سنة 1672 يحارب بلاد الفلمنك "هولانده" التي كان لها فى ذلك العصر نفوذ كبير، ومستعمرات ومتاجر واسعة فى الشرق والغرب - تلك المستعمرات التى من بقاياها الآن صومترا وجلوه الإسلاميتان - فكتب ذلك الرجل الكبير إلى لويس الرابع عشر يقول: "إذا كان مولاى يريد القضاء على جمهورية هولندا فأحسن وسيلة لذلك هى ضرب هذه الأمة فى مصر هناك حيث يوجد طريق الهند، وحيث يمكن تحويل التجارة الهولندية إلى طريق مصر".
ولما قويت سلطة روسيا، وامتد رواق فتوحاتها على المماليك العثمانية، في أواخر القرن الثامن عشر، أي: في الوقت الذي حاول علي بك الكبير الاستقلال بملك مصر، خافت فرنسا من استيلاء الروسيا على الأستانة، وتمزيق شمل الدولة العثمانية، فارتأت حكومة لويس السادس عشر، قبل الثورة الفرنسية، ببضع سنوات، أن تحتل مصر غنيمة لها من ميراث الدولة العثمانية، وفي هذا الصدد قال مسيو ده سارتين وزير البحرية إذ ذاك، في مجلس الوزراء: إن احتلال مصر هو الطريقة الوحيدة لحفظ تجارتنا في البحر الأبيض، ومتى توطدت قدمنا في مصر صرنا أصحاب السيادة على البحر الأحمر، وصرنا نستطيع أن نهاجم إنكلترا في الهند، أو ننشئ في تلك الأصقاع متاجر ننافس بها الإنجليزي .
ووافق هذا الرأى حكومة لويس السادس عشر فأوفدت في سنة 1777 لمصر البارون ده توت بدعوى أنه قادم لعمل مباحث فلكية وعلمية "لأكاديمي العلوم"، ولكنه كان مكلفًا بعمل خرائط لشواطئ مصر وسوريا وجزر اليونان وجزيرة كريد أيضًا، وكلف بنوع خاص أن يدرس النقطة الواقعة من ساحل مصر، بين الإسكندرية وأبي قير، ومعرفة أي نقطة تصلح لإنزال الجنود إلى البر، وكان معه ضابط من البحرية لقياس عمق النقط المجاورة للساحل ليعرف ما يصلح منها لسير السفن، وكلف "سوتيني" الذي سبق ذكره، أو آخر بالسفر إلى السويس لمثل تلك المباحث ولرسم خريطة عن مدينة القاهرة في أثناء مروره بها، وقد فعل ذلك كله في الوقت الذي كان فيه مراد بك وإبراهيم بك يتطاحنان مع إسماعيل بك، أحد مماليك علي بك الكبير، الذي ولي مشيخة البلد!
قال المؤرخون الفرنسيون: ومرت بضع سنوات لم توطد فيها حكومة لويس السادس عشر العزيمة على تنفيذ ما صممت عليه، حتى كانت سنة 1781 كتب الكونت ده سان بريست سفير فرنسا في الآستانة يستحث حكومته على فتح مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة