هناك إجماع على أن التعليم هو القضية الأهم، التى تحظى باتفاق بين المشاركين فى الحوار الوطنى من كل الاتجاهات، وخلال السنوات الأخيرة قطعت الدولة خطوات متعددة لوضع قضية التعليم فى المقدمة، والموضوع لا يتعلق فقط بالمناهج أو الإجراءات وتوفير فصول ومعلمين ومناهج، لكنه أيضا يستند على الطريقة التى تتم بها العملية التعليمية، وهناك بالفعل اقتراحات ومناقشات حول المجلس الأعلى للتعليم كمظلة شاملة تنظم وجود نظام تعليمى شامل ينظم التنوع والتعدد، وبشكل ينتج نظام تعليم متجانسا، بأساسيات تناسب المجتمع وتتماشى مع التطورات الجارية، توجه الدولة نحو تحديث التعليم الجامعى العام والخاص، بل إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يوجه دائما بأن يكون التعليم العالى والجامعى انعكاسا لحاجات المجتمع.
كل نقطة فى التعليم تتشابك وتتقاطع مع نقطة أخرى، حيث إن التعليم يترابط مع باقى العناصر فى المجتمع، وإذا نظرنا للإمكانيات المتوفرة حاليا فإن التكنولوجيا والإنترنت تتيحان إمكانيات أكبر مما كان فى السابق، ومع هذا فإن مخرجات التعليم تبدو أقل من الإمكانيات المتاحة، بينما فى الماضى كانت هناك أسر من غير المتعلمين أتاحت لأبنائها فرص تعليم مكنتهم من التفوق والتقدم.
العالم يتطور بمتوالية هندسية والتكنولوجيا تبدو أسرع نموا من قدرة البشر على الاستيعاب، وهو ما يتطلب السير بسرعات مضاعفة لمجاراة العصر، فقد استغرقت الثورة الصناعية الأولى ما بين 120 و150 عاما، فى حين استغرقت الثورتين الصناعية الرابعة والخامسة 30 عاما.
فى ديسمبر 2021 انعقد المنتدى العالمى للتعليم العالى بمصر، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى إصرار الدولة على خوض حرب المعرفة، مع إدراك ما يتطلبه ذلك من تكلفة اقتصادية كبيرة وهى قضية تتعلق بكل دول العالم، وليس بنا وحدنا، بجانب أن التعليم لدينا يعانى من تراكمات وتجارب على مدى عقود، وآن الأوان لوضع نظام أساسى، وهو ما تتحرك فيه الدولة على مدى سنوات.
وهو ما ينقلنا إلى القضية التى لا تبدأ من التعليم الجامعى، لكن من التعليم الأساسى من الابتدائية حتى الثانوية، مرحلة التأسيس التى تتطلب مناهج وتفاصيل معقدة، يفترض أن ترسم طريق الطالب، ليكون قادرا على استيعاب المناهج الحديثة، وفى نفس الوقت يكون مستوعبا مفردات العصر، وقادرا على التفكير المستقل والنقدى، وهى مهمة تتطلب، بجانب المناهج العلمية والأدبية، مساحة للثقافة والوعى.
وكانت الثقافة جزءا من التعليم والمعارف، والقراءة عادة تُكتسب بالاعتياد، كانت القراءة تبدأ من مكتبة المدرسة، والأنشطة المدرسية، مثل المسرح والحفلات الغنائية ومسابقات الكتابة والتعبير، كان المعلمون يوجهون التلاميذ إلى مكتبة المدرسة، أو يوجهونهم إلى قراءة كتب أدبية وروايات ومسرحيات وكتبا فكرية مختلفة، بجانب المسرح المدرسى، والمسابقات والرحلات والتى كانت جزءا من أنشطة تساهم فى التكوين الاجتماعى والثقافى للتلاميذ، وعندما تتكون عادات القراءة والخطابة لدى التلميذ فى المراحل الابتدائية فإنها تصبح عادة تستمر معه وتنمو، كيف يمكن ترجمة هذا الأمر فى مجتمع معقد تتسارع فيه التكنولوجيا، ويحل الذكاء الاصطناعى فى مجالات عديدة.
والواقع أن المصريين يبذلون كل جهدهم، لينفقوا على تعليم أبنائهم، ويأملون بعد كل هذا المشوار أن يجد أبناؤهم وبناتهم مكانا لائقا يلبى طموحهم، فى سوق عمل يتغير ويفرض على الشاب السير فى طريق آخر للتعليم حتى يحصل على فرصة عمل، وهنا تظهر قضية مهمة تتعلق بمدى ارتباط التعليم بالتوظيف، وسوق العمل، أو بناء عقلية يمكنها بجانب الحصول على فرصة عمل التعامل بوعى مع ما يجرى فى العالم والمجتمع.
التقنيات الحديثة جعلت لدى الأطفال والشباب قدرات أكثر للتعامل مع أدوات العصر، وهو من مميزات عصر التكنولوجيا، إمكانيات التعلم، ونقل المعارف، لكن يبدو الأمر متعلقا بالمحتوى، والقدرة على التمييز بين الحقيقى والمزيف، يوجد حوالى 70 مليون مواطن على مواقع التواصل الاجتماعى، من بين 4.8 مليار حول العالم، ومع عيوب وميزات هذه الأدوات، يمكن تكشف الإمكانيات التى يتيحها العصر للتعلم وتبادل المعرفة، وهذه الأدوات قابلة للاستعمال ومحايدة، ونحن الذين نمنحها قدرتها على أن تكون مفيدة أو مصدرا للتشويش.
الشاهد أن النقاش الجارى حول التعليم فى الحوار الوطنى، هو انعكاس لحاجات المجتمع، وضرورة ان يكون لدينا نظام تعليمى قادر على تحقيق أهداف الأسر والمجتمع، وهو أمر يتضمن تفاصيل كثيرة، ويتشابك مع كل عناصر النقاش.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة