محظوظون نحن بمبدعينا ونجومنا، الكثيرون منهم تتخطى حدود علاقتنا بهم مجرد الإبداع فى الأعمال الفنية والإبهار فى تقديم الشخصيات التى يجسدونها، ولكن تربطنا بهم مشاعر أقوى من مجرد تعلق جمهور بفنان، يصبحون كأفراد من العائلة نرى فيهم صور أبائنا وأمهاتنا وجيراننا وأقرب الناس إلينا، يتسللون إلى وجداننا ويسكنون قلوبنا بجمال أرواحهم وصدق مشاعرهم والمحبة التى يغمرون بها جمهورهم.
الفنان الكبير صلاح عبدالله الشهير بعم صلاح واحد من هؤلاء، ترى فيه صورة أبيك وعمك وجارك الطيب، ينفذ حبه وصدقه وجمال روحه ليصل إلى جمهوره بلا حواجز، يكفى أن تتابعه فى بعض البرامج أو تلقى نظرة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، وهو يرد بمحبة وود شديد على جمهوره ويتبادل معهم النقاش والتعليقات وكأنه يجلس معهم ويعرفهم فردا فردا، وأن تتابع خفة ظله وأشعاره وأزجاله التى يكتبها على صفحته، أو أن ترى فرحته وصدقه حين يجتمع مع أصدقائه فى مناسبة.
عم صلاح هذا اللقب الذى اشتهر به بين جمهوره وحتى مع أصدقائه، موهبة فنية فريدة لديه القدرة على تجسيد كل الأدوار، لفت الانتباه منذ بداياته حتى فى الأعمال التى كانت مساحة دوره فيها بسيطة، فترك فى كل منها علامة راسخة وتأثيراً لا ينسى فى أذهان الجماهير، يكفى أن تتذكر الصعيدى دوقمة العامل الصعيدى فى مسلسل سنبل بعد المليون وهو يصيح " لبيك اللهم لبيك" فى مطار شرم الشيخ ظناً منه أنه يعمل فى السعودية، وكيف أضحك عم صلاح الملايين فى مصر والعالم العربى بهذا المشهد البسيط فى أحد أدواره الأولى التى طل بها على شاشة التلفزيون، فكان الملايين ينتظرون مشاهده وهو يقول بسذاجة عبارته الشهيرة:" لا إله إلا الله..حاجة غريبة"، هذا الدور الذى سبقه سنوات عمل فيها صلاح عبدالله فى المسرح.
بدأت مواهب عم صلاح المتعددة منذ الطفولة فكان يكتب الشعر والزجل وأكسبته نشأته وبداياته بين حى بولاق أبو العلا وبولاق الدكرور حميمية وخبرات وصفات أولاد البلد الجدعان، وبعد التحاقه بكلية التجارة انضم لفريق التمثيل بها وقدم العديد من العروض المسرحية لكبار الكتاب كممثل ومخرج كما كتب أشعار عدد من المسرحيات، وبدأ احتراف الفن بأدوار صغيرة فى بعض المسرحيات بعد أن قدمه المخرج شاكر عبداللطيف فى مسرحية رابعة العدوية، كما شارك فى مسرحية العسكرى الأخضر التى قام ببطولتها الفنان سيد زيان وكتب أشعارها، ثم انضم لفرقة «ستديو 80» التى كونها الفنان محمد صبحى والمؤلف لينين الرملى، وكانت البداية بمسرحية «المهزوز» و«إنت حر»، كما شارك فى مسرحية الهمجى، حتى كانت بدايته على شاشة التلفزيون ومعرفة الجمهور به بمشاركته فى مسلسل سنبل بعد المليون عام 1987 لتبدأ إنطلاقة عم عبدالله بهذا الدور الصغير الذى أكسبه شعبية كبيرة، واستمر فى مسيرة انطلاقه ونجاحه فجسد شخصية حسنى الدبيكى فى مسلسل ذئاب الجبل التى أضاف لها بعض اللزمات ومنها لزمته الشهيرة "ما تقفلش معايا" وحقق الدور والمسلسل نجاحا ًمذهلاً، وتوطدت علاقته وصداقة عمره بالفنان الكبير أحمد عبدالعزيز وهرم الغناء على الحجار.
عم صلاح أحد الفنانين القلائل القادرون على التنوع والإبداع سواء فى الكوميديا أو التراجيديا، تصدقه حين يقدم أدوار الخير أوالشر، فمن يصدق أن الجعيدى فى المسلسل الكوميدى "انت عامل ايه"، ومعاطى أبو العطا فى فيلم السيد أبو العربى هو ذاته مطصفى النحاس باشا بشخصيته الجادة فى مسلسل الملك فاروق، وأن حسن كولونيا فى فيلم عسكر فى المعسكر هو الدكتور مكرم سحاب فى فيلم الرهينة وفوزى الدالى فى مسلسل الدالى مع النجم الكبير نور لشريف الذى شاركه أيضا فيلم دم الغزال مؤدياً شخصية عبدالستار المواطن الطيب المطحون، فالفنان الكبير لديه قدرة فائقة على تغيير جلده فى كل دور يقدمه، ولا تتشابه أعماله الكوميدية رغم كثرتها، فالأب اللواء جلال أبو اليزيد فى فيلم الدادة دودى لا يشبه متولى الخولى فى الثلاثة يشتغلونها، كما أن لديه القدرة على تقديم أدوار الشر بأشكال وأنماط مختلفة، حيث قدم شخصية الشرير الظريف فى دور أبو فياض بفيلم المصلحة وشخصية عبدالرازق فى مسلسل ريا وسكينة، والخائن فى فيلم مسجون ترانزيت، وعبدالصمد العقل المدبر لكل الأعمال الإجرامية فى فيلم الشبح، وفؤاد حامد صاحب الكباريه القاسى غريب الأطوار فى فيلم كباريه، فى ذات الوقت يستطيع أن يبكيك حين تراه فى عشرات الأدوار الإنسانية التى أبدع فيها ومنها دور عم حسين فى مسلسل إيجار قديم، والجد فى مسلسل سره الباتع.
مئات الأدوار المتنوعة التى أبدعها الفنان الكبير صلاح عبدالله وغير جلده فى كل منها، وهى الموهبة التى لا تتوافر للكثيرين وتؤكد أنه ينتمى إلى مدرسة العمالقة الكبار القادرين على إضحاك الجمهور وإبكائه وعلى التلون والإبهار فى كل عمل، فأبدع فى كل ما قدمه للسينما والتلفزيون والمسرح، ووقف أمام أكبر النجوم وتعاون مع كبار المخرجين، ورغم أنه لم يحصل على البطولة المطلقة سوى فى أعمال قليلة أهمها فيلم مواطن ومخبر وحرامى إخراج داوود عبدالسيد الذى فاز عنه بالعديد من الجوائز، إلا أنه استطاع أن يخطف الأضواء ويلفت الانتباه فى كل أدواره حتى وإن شارك بمشاهد قليلة.
عم صلاح صاحب الروح الجميلة والقلب المحب للجميع والحضور الطاغى والحس المرهف والمواهب المتعددة، أبو البنات الحنون والشاعر خفيف الظل الذى كتب قصيدة فى بداية مشواره الفنى حين خصم منه الفنان الكبير محمد صبحى 20 جنيها أجر يوم كامل لأنه تأخر عن الحضور أثناء عرض مسرحية الهمجى قال فيها : "روحت أشكى للنجوم والغيوم والمطر..إنه طعن بسيف مسموم قلبى البريء اكمنه..مضى بخصم اليوم ولا رجع عنه..قال يعنى عمرى يا صبحى ناقص يتخصم منه..بالذمة جالك قلب تمضى على المرسوم. بالذمة جالك قلب بالذمة جالك نوم..مضى حبيبك مضى يا قلب يا مصدوم..زى القدر والقضى أتى النبأ مشئوم..يا صدا رج الفضا من صرخة المظلوم..ولى زمان الرضا ولا الرضا مخصوم..ده ليه يا صبحى كده ولا عاد عتاب ولا لوم..سعد زغلول إتنفى وأنا اتخصملى اليوم"
عم صلاح الذى لا يزال فى جرابه طاقات فنية لم تفصح عن نفسها بعد رغم كل ما قدمه وأكد أنه لم يحقق 50% من أحلامه الفنية، وكتب أبياتاً تعبر عن أحلامه قائلاً :" العمر لحظة ممكن ياخى فى أى لحظة ينتهى..بحلم أدقق وألحق وأحقق نص ما بشتهى"..عم صلاح أحد كنوزنا الفنية أطال الله عمره ليمتعنا ويشبعنا فناً وصدقاً ومحبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة