الجولة الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى أفريقيا تؤكد من جديد على الأولوية القصوى التى أولتها القيادة السياسية لمصر للسياسة الخارجية المصرية تجاه القارة السمراء عقب ثورة 30 يونيو 2013 ثم تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم.
والزيارة الحالية تعكس الأهمية السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية للعلاقات المصرية مع الأشقاء الأفارقة وأهمية البعد الأفريقى لمصر لاستعادة انتمائها الأصيل والاعتزاز بهويتها الأفريقية، واستعادة دورها القيادى والريادى من جديد فى القارة السمراء على أسس جديدة، تنطلق من تبادل المصالح المشتركة العليا والتحديات التى تواجهها دول القارة.
ومنذ الزيارة الأولى للجزائر وحضور القمة الأفريقية فى غينيا الاستوائية فى يونيو 2014، بعد أن نجحت الدبلوماسية المصرية فى إنهاء قرار الاتحاد الأفريقى الخاص بتعليق أنشطة مصر بعد 30 يونيو، كان ذلك إيذانا وإعلانا بإعادة النظر فى الدوائر الثلاثة للسياسة الخارجية المصرية ووضع الدائرة الأفريقية فى المقدمة أو بالتوازى مع دائرة العلاقات المصرية العربية، بل وحرصت القيادة السياسية المصرية على حضور كل الفعاليات والقمم الأفريقية سواء المقامة على أرض مصر أو فى دول القارة - وآخرها حضور الرئيس للمؤتمر الطبى الأفريقى الثانى المقام حاليا فى مصر-
ومنذ 2014 حتى الزيارة الأخيرة كان للرئيس ما يتجاوز الـ35 زيارة لدول القارة الأفريقية بما يفوق بمراحل أى حاكم أو رئيس سابق لمصر ومنها زيارة دول لم يسبق أن زارها رئيس مصرى.
وكانت الدول الأفريقية فى السابق تبدى حزنها وعتابها على عدم حضور قيادة مصر للقمم والفعاليات الأفريقية، وهى الدولة التى تمتلك رصيدا سياسيا واقتصاديا وثقافيا مهولا فى القارة السمراء، ففى إحدى القمم الأفريقية وبحضور رؤساء القارة مثل مصر فيها وزير شئون مجلسى الشعب والشورى..
الرئيس السيسى أعاد التوهج واللمعان للدور المصرى فى أفريقيا ويزور حاليا ولأول مرة دول الجنوب الأفريقى ومنها جمهورية أنجولا وسط استقبال وحفاوة كبيرة بالزيارة من الأوساط السياسية والاقتصادية والثقافية فى لواندا العاصمة الأنجولية، مستعيدة مع الزيارة العلاقات التاريخية مع مصر فى الستينات وهو ما يعكس حرص مصر على تكثيف التواصل والتنسيق مع الأشقاء الأفارقة، ودعم علاقاتها مع القاهرة فى مختلف مجالات التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى وتقديم الخبرة المصرية لخدمة دول القارة، إضافة الى بحث المفلات السياسية والقضايا التى تواجه دول القارة.
الدور المصرى فى أفريقيا خلال الـ9 سنوات الماضية بات واضحا وجليا وحاضر بقوة فى أفريقيا بعد أن تم تجاهله والتخلى عنه لسنوات طويلة ربما امتدت من السبعينيات حتى عام 2014، وهو ما نتج عنه أزمات كثيرة لمصر على مستويات عدة خاصة ملف المياه ودخول أطراف أخرى للعب دور سياسى بديل للدور المصرى وبمآرب أخرى.
استعادة الدور فى السنوات التسع كان - ومازال - مرحبا به وبشدة من دول القارة بعد النشاط الرئاسى لمصر على صعيد القارة وتجلى ذلك فى تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى فى 2019 ورئاسة تجمع "الكوميسا" - السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى - خلال الدورة التى تستمر حتى تسليم رئاسة التجمع إلى زامبيا غدا الخميس فى القمة رقم 22، بالإضافة إلى رئاسة مصر إلى "النيباد" الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقى فى العام الماضى.
رئاسة مصر للمؤسسات السياسية والاقتصادية والمالية والطبية الأفريقية خلال السنوات الماضية وحتى الآن كانت محل ثقة وإشادة من الأشقاء بسبب الدور الذى لعبته مصر فى تفعيل ودعم تلك المؤسسات، خاصة الكوميسا، الذى يعد تجمعا ضخما يضم 21 دولة لها حجم تجارة بينية كبير وإمكانيات اقتصادية ضخمة.
تكثيف الدور المصرى فى أفريقيا وتعدد الزيارات الرئاسية لدول القارة كان له أكبر الأثر الإيجابى فى دعم الموقف المصرى من القضايا المرتبطة مع دول القارة خاصة الملف المائى إضافة إلى الرغبة المصرية فى تحقيق التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادى مع دول أفريقيا التى تمتلك موارد طبيعية ضخمة وموارد بشرية تتجاوز 1.2 مليار نسمة وهو سوق استهلاكى ضخم وطاقة بشرية هائلة.
حرص الرئيس السيسى فى جولته الأفريقية الحالية على حضور قمة السوق المشتركة الـ22 لدول تجمع شرق وجنوب القارة الأفريقية - الكوميسا فى زامبيا تحت شعار "التكامل الاقتصادى من أجل كوميسا"، بحضور زعماء ورؤساء حكومات 21 دولة أفريقية، يؤكد اهتمام مصر بتعزيز خطط التكامل والاندماج التجارى بالقارة الأفريقية ومنح القمة قوة دافعة للعمل الجماعى فى ضوء الثقل السياسى والاقتصادى لمصر بالقارة وموقعها الجغرافى.
الإشادة والتقدير لدور مصر خلال رئاستها للكوميسا يعكس - كما أكد خبراء السياسة والدبلوماسية الأفارقة - رؤية مصر تجاه تعزيز دور الكوميسا لتدعيم التكامل الصناعى الإقليمى لتسريع وتيرة التعافى والنمو الاقتصادى بدولها، وتدشين منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وجهودها فى التركيز على البنيـة التحتية والتكامل الإقليمى ومواجهة التحديات الإقليمية، واستفادة دول الكوميسا من خبرتها فى المجالات السياسية والاقتصادية.
رئاسة مصر للكوميسا تعكسها الأرقام والإحصاءات، فقد ارتفع حجم التبادل التجارى بين مصر ودول الكوميسا لتصل إلى 5.3 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 4.4 مليار دولار عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 20.4%، وسجلت قيمة الصادرات المصرية إلى دول الكوميسا 3.4 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 3.1 مليار دولار عام 2021، بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من دول الكوميسا 1.9 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 1.3 مليار دولار عام 2021 وفقاً لأحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
أفريقيا الآن فى قلب السياسة الخارجية المصرية على كل المستويات ومجالات التعاون لتحقيق التنمية وتوفير الحياة اللائقة بشعوب القارة، والقاهرة الآن هى عاصمة الفعاليات الثقافية والطبية والمالية والاقتصادية الأفريقية، بما يعكس الثقة فى مصر ودورها القيادى والريادى للنهوض بدول القارة وتوطيد العلاقات التاريخية والاستراتيجية.