سلام بعيد وتصعيد مستمر، ومخاوف متزايدة يعيشها المجتمع الدولى منذ أكثر من عام ونصف العام، هى عمر الحرب الأوكرانية التى تخللها تهديدات لا تنقطع باللجوء إلى الأسلحة النووى، واتهامات متبادلة بين موسكو وكييف بالتخطيط لاستخدام أسلحة محرمة دوليا ربما يمتد آثرها إلى ما هو أبعد من ميادين القتال، وتطول تداعياتها دول الجوار، الأمر الذى أعاد للصدارة ملف صناعة الملاجئ النووية.
وبرغم إجماع أوكرانيا وحلفائها الغربيين على أن روسيا هى مصدر التهديد النووى الرئيسى، إلا أن الأخيرة أقدمت على الشروع فى تحصين نفسها من الهجمات النووية المحتملة، فبحسب ما نشرته صحيفة "موسكو تايمز"، وقعت السلطات الروسية صفقة لبناء ملجأ مضاد للقنابل النووية تحت أرض أرقى مستشفيات العاصمة.
وسيقع المبنى -الذى تم التوقيع على صفقته فى 26 مايو الماضي- تحت المستشفى المركزى التابع لمكتب رئيس الاتحاد الروسى فى موسكو. ويراد لهذا المبنى أن يشيد "فى وقت قياسي" بحيث ينبغى أن يتم الانتهاء منه بحلول 20 ديسمبر المقبل، على أن يضم 800 مكان مخصص لنخبة موسكو لمواجهة أى هجوم نووى.
وفى حالة وقوع هجوم نووى، فإن هذا الملجأ يتوقع أن يوفر حماية للمقيمين داخله من انفجار قوى، وأن يحميهم من الإشعاع فى منطقة تمتد 10 كيلومترات. ولإقامة هذا الملجأ وقعت الإدارة الرئاسية الروسية صفقة بقيمة 35 مليون روبل (433 ألف دولار) قبل أيام، بحسب ما هو مدرج على موقع المشتريات الحكومية.
وتتضمن وثائق المشتريات أنظمة اتصالات خاصة "للمسؤولين الخاضعين لحماية الدولة" فى قائمة المرافق المطلوبة، كما يتوقع أن يشمل الملجأ العديد من مداخل ومخارج الطوارئ، والغرف الرئيسية والفرعية، بالإضافة إلى نظام تهوية وتدفئة متطور لتنقية الهواء من "وسائل الدمار الشامل الغازية" والسماح بتنفيذ "الإجراءات الطبية زمن الحرب".
فى المقابل، تسود أوكرانيا وحلفائها الغربيين مخاوف متزايدة من احتمالات إقدام روسيا على الضغط على الزر النووى فى تلك الحرب الممتدة بلا حسم، من خلال الأسلحة النووية التكتيكية ذات قوى تفجيرية تتراوح ما بين أقل من كيلو طن واحد، وقد تصل إلى 50 كليو طن، ما يعنى أن الاشعاعات والغبار الملوث قد يمتد إلى دول مجاورة لأوكرانيا.
وفى تقرير لمركز الدراسات الأمنية "CSS"، قال شتيفن هيرتسوغ، خبير الأسلحة النووية : "ستكون آثار الحرب النووية مدمرة لأوكرانيا وأوروبا ودول خارج هذا النطاق. من الضرورى التخطيط والاستعداد للسيناريوهات".
سويسرا
ومن بين المعسكر الداعم لأوكرانيا، تأتى سويسرا فى مقدمة الدول الأكثر استعداداً لأى هجوم نووى محتمل، فمنذ كارثة محطة فوكوشيما للطاقة النووية اليابانية فى عام 2011، عززت الحكومة الفدرالية حمايتها ضد التهديدات والمخاطر النووية والبيولوجية والكيميائية.
تقول أن إيكهارت، عالمة الفيزياء الحيوية ورئيسة لجنة مكافحة المخاطر النووية والبيولوجية والكيميائية، التابعة للمكتب الفدرالى السويسرى للحماية المدنية : "على مدى العقد الماضى، عززت سويسرا المستوى العالى بالفعل من الحماية النووية والإشعاعية وهى فى وضع جيد". وفقًا لإيكهارت، ستكون سويسرا أيضًا قادرة على توفير الرعاية الطبية للأشخاص فى المناطق المنكوبة.
وبخلاف امتلاك سويسرا تقنيات عالية على صعيد تجهيز المخابئ النووية، تتمتع كذلك بخريطة توزيع متنوعة لتلك المخابئ تشمل كافة أرجاء البلاد، فهناك أكثر من 360 ألف من هذه الملاجئ، ويمكن لسويسرا إيواء جميع السكان فى الملاجئ فى حالة الطوارئ، وهو أمر فريد من نوعه فى أوروبا والعالم.
وبحسب تقرير لمركز الدراسات الأمنية "CSS"، فإنه على الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية تطور خططًا نووية مدنية أو عسكرية، إلا أنها ببساطة لا تمتلك البنية التحتية، التى تملكها سويسرا"، ففى دول مثل رومانيا وسلوفاكيا، وهى بلدان أقرب إلى أوكرانيا، وبالتالى أكثر عرضة لعواقب الحرب النووية فى المنطقة، تعتبر الإحصائيات أيضًا الأقبية والمرائب العادية ملاجئ. ومع ذلك لا يمكن أن توفر هذه الحماية الكافية فى حالة وقوع حادث نووى.
ويعد أداء السويد وفنلندا جيداً نسبيًا فى المقارنة الدولية، حيث توجد ملاجئ لحوالى 80 و70 % من السكان، على التوالى. ومع ذلك، فإن المعدل أقل بكثير مقارنة بسويسرا.
كم تبلغ تكلفة الملجئ النووى ؟
التفاوت التقنى بين سويسرا وسائر أوروبا دفع العديد من الدول لوضع خطط عاجلة للاستعداد لمخاطر الهجوم النووى، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة "ماركا" الأسبانية التى أشارت إلى أن العديد من شركات الانشاءات داخل مدريد بدأت التحول إلى هذا النشاط بهدف الحماية من أى قصف نووى محتمل، أو اشعاع قادم للبلاد جراء تلك الهجمات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه فى حال استخدام القنبلة النووية، يجب أن تكون الملاجئ النووية مجهزة بمرافق تسمح بتجديد الهواء، أو المولدات، أو بطاريات الطاقة، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن لا يقل عمقها عن 10 أمتار وأن تحتوى على بلاطة خرسانية بسمك متر واحد على الأقل.
وأوضح الخبراء فى شركة ABQ المتخصصة فى قطاع الوقود فى إسبانيا، أنه "ليس من الضرورى أن يكون الملجأ تحت الأرض إذا لم يتم التفكير فى حدوث انفجار قريب جدًا. وبالنسبة للتلوث الكيميائى أو الإشعاعى، يمكن أن يكون على مستوى الأرض. كونك تحت الأرض يزيد المقاومة قبل كل شيء ".
ويعد تحديد سعر بناء ملجئ نووى أمرًا معقدًا، نظرًا لأن تكلفة المستودع المحصن تعتمد على المواصفات الفنية، وهناك شركات تقدم ملاجئ تبدأ من 30000 يورو، حسبما أوضح فرانسيسكو ماركيز، مؤسس شركة Underground Building، وقال أن "السعر يتم تحديده وفق أبعاد المخبأ أو المعدات أو مدى تعقيد العمل، من بين أمور أخرى".
وعلى سبيل المثال، كما يظهر على مواقع الشركة على الإنترنت، يبلغ سعر إنشاء ملجأ ABQ لـ 25 شخصًا حوالى 55000 يورو وواحد لكل 50 شخصًا بحوالى 67000 يورو، وهذا لا يشمل تكاليف البناء.
وبحسب الشركة فإن الملاجئ مجهزة للعيش بداخلها لمدة أسبوعين. وأوضحت على موقعها على الإنترنت "هذا أكثر من كاف لأن الأيام الخطرة هى أول يومين أو ثلاثة أيام بعد الانفجار، لكن من الممكن الدخول والخروج من الملجأ منذ الساعات الأولى بحماية كافية".
أما شركة بون بروتيكسيون الفرنسية فقد بلغ سعر الملجأ مساحة 8 أمتار نحو 150 الف دولار، ومساحة 20 متر يصل السعر إلى 250 الف يورو، وهناك دول فى أوروبا لها باع طويل فى تجهيز الملاجئ العامة، مثل السويد وفنلندا، التى قالت أن لديها 5 آلاف مخبأ كبير، يمكن أن يستوعب 4 ملايين مواطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة