"الشيء الوحيد الذي يجب فعله بالنصيحة الجيدة هو نقلها، دون ذلك ليس لها فائدة" أوسكار وايلد 1854 – 1900، روائي ومؤلف مسرحي وشاعر إنجليزي شهير، ومن وجهة نظري أتصور أن أغلب قراراتنا السليمة هي تلك المبنية على معارف وخبرات أصحاب التجارب الناجحة، فنحن دائماً في حاجة إلى من يأخذ بأيدينا إلى الطريق الصحيح، ويرشد عقولنا الحائرة إلى ما تبحث عنه.
تعلقت بقسم الصحافة كلية الإعلام جامعة القاهرة منذ نحو 20 عاماً، المحاضرات، الأساتذة، المكتبة، التدريبات العملية، جريدة صوت الجامعة، مشروع التخرج، الصحبة والأصدقاء، وسأظل مدين لكل ما سبق بأي نجاح أو تميز أصادفه في طريقي المهني، فلا يمكن نسيان كتاب التفكير العلمي للدكتور فؤاد زكريا، الذي كانت تصر الدكتورة عواطف عبد الرحمن، على تدريسه لطلابها قبل الشروع في مادة مناهج البحث، ونظرية المعرفة والتغيير الاجتماعي، والمحاضرات المشوقة للدكتور فرج الكامل، أستاذ الاتصال السكاني، والمؤسس الحقيقي لأول حملات ناجحة لتنظيم الأسرة في مصر، وكذلك محاضرات الدكتور حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، الذي كان يقدم مدخلا حافلاً لمادة الفكر العربي المعاصر، وما أدراك ما الفكر العربي، وما كان يحدثه من صدمة ثورية ونقلة فكرية في أدمغة طلاب الكلية وكان أغلبهم من ريف مصر البسيط، ثم محاضرات الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، الذي كان يقدم الحقائق والتفاصيل بعيداً عن البهارات والإضافات والخرافات، التي عرفناها في مناهج التعليم الأساسي.
تغير واقع الصحافة على مدار العقد الماضي، نتيجة الثورة التكنولوجية الهائلة، والانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة وسائل الإعلام التقليدية، وتغيرت معه معطيات صناعة الصحافة، وأساليب إدارة غرف الأخبار، ومعايير التعامل مع الصحف الورقية المطبوعة، الأمر الذي حتم ضرورة تطوير المناهج والمقررات الدراسية في كليات الإعلام وأقسام الصحافة، التي صارت تقترب من الـ 50 كلية وقسم إعلام ومعهد عام وخاص، بصورة تتواكب مع المعطيات الحديثة، خاصة أن دراسة الإعلام ليست مجرد محاضرات نظرية، بل تعتمد على تقديم خريج قادر على التعامل مع معطيات سوق العمل بصورة تضمن له التميز والمنافسة.
كلية الإعلام جامعة القاهرة باعتبارها الحاضنة الأم وصاحبة المكانة الأعرق والأقدم في كليات الإعلام بمصر والمنطقة العربية بالكامل، كان يجب أن تقود التغيير والتطوير للمناهج، حتى تتواكب مع سوق العمل، وتساير الثورة الرقمية الهائلة، التي شهدها الإعلام على مدار السنوات الماضية، خاصة في الأجزاء المتعلقة بصناعة المحتوى، ومنصات التواصل الاجتماعي، وغرف الأخبار، وأدوات القياس الجديدة للجمهور المستهدف، ومحركات البحث العملاقة، التي باتت تتحكم في عرض المحتوى المنشور على كل المواقع الإلكترونية، وفق معايير فنية وأدوات قياس شديدة التعقيد.
فعلها قسم الصحافة بإعلام القاهرة، واستطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، ويقدم نقلة علمية كبيرة في المناهج وطرق التدريس، بعدما أعلن إطلاق برامج جديدة، ومناهج متطورة تشمل الصحافة الرقمية والمطبوعة باللغتين العربية والانجليزية، والصحافة التلفزيونية، والإعلام الرقمي، ليقدم بذلك 4 برامج دراسية جديدة، لأول مرة، تتواكب مع معطيات سوق العمل، وتعيد إحياء القسم من جديد.
فوجئت قبل نحو عامين عند زيارة أحد كليات الإعلام الحكومية، بطلب من عميد الكلية للدخول إلى طلبة الشعبة العامة، وإقناعهم بأهمية قسم الصحافة والمستقبل المفتوح أمامهم في هذا القسم، وفرص العمل التي يوفرها، خاصة أن أعداد محدودة جداً من الطلاب أبدت رغبتها في الالتحاق بالصحافة، بينما النسبة الأغلب اتجهت نحو قسمي العلاقات العامة والإذاعة والتلفزيون، وبالفعل دخلت إلى الطلاب وناقشتهم في الفرص الحقيقية التي يوفرها قسم الصحافة لطلابه، والخبرات الفنية والمعرفية التي تتراكم لديهم خلال دراسة الصحافة، والتأهيل الذي يحصلون عليه ويجعلهم الأجدر والأوفر حظاً في شغل أي وظيفة لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإعلام، فهم من يملكون القلم، ولديهم القدرة على التعبير والكتابة والصياغة وصناعة المحتوى.
للأسف النسبة الأكبر من طلبة كليات الإعلام تتشكل لديهم صورة ذهنية عن قسم الصحافة اعتماداً على أراء من يسبقونهم في الدفعات القريبة، الذين يصورون أن الدراسة صعبة، والمناهج متخمة، والتدريبات مرهقة، في حين أن كل ما سبق ليس حقيقياً، خاصة أن طالب الصحافة يخرج من الكلية يمتلك أدواته كاملة، ويعرف جيداً الأشكال الصحفية المختلفة، وقادر على الصياغة والسرد بصورة محكمة مشوقة، بينما لا تتاح نفس الفرص لطلاب الأقسام الأخرى، لذلك نصيحتي للطلاب في الشعبة العامة – ما قبل التخصص - أن يُكونوا معارفهم بناء على تجاربهم وخبراتهم الشخصية، ويستمعوا لأصوات أصحاب الخبرة، ومن يعملون في الحقل العملي.
أتصور أن قسم الصحافة في إعلام القاهرة سيعيد البريق أمام الطلاب مرة أخرى للتنافس على الالتحاق بالبرامج الجديدة، خاصة بعد النجاح مؤخراً في إنشاء غرفة أخبار مدمجة متطورة، أشبه بتلك الموجودة في صالات التحرير الكبرى، التي سيتم من خلالها تدريب الطلاب عن طريق ممارسين محترفين، ومتخصصين لهم خبرات معتبرة في الصحافة، إلى جانب التواصل مع المؤسسات الصحفية وتوفير تدريبات واقعية للطلاب من أجل دمجهم في سوق العمل.
البرامج الدراسية الجديدة في قسم الصحافة بإعلام القاهرة، دعمتها الدكتورة حنان جنيد، عميدة الكلية، التي تبدي دائماً نشاطاً واضحاً لكل الأفكار اللامعة والجديدة، ووقف على تنفيذها وإخراجها في صورتها الأخيرة عشرات الأساتذة والمدرسين في الكلية، على رأسهم، الراحل طيب الذكر، الدكتور محمود علم الدين، رائد الصحافة الإلكترونية، وتكنولوجيا الاتصال والتوثيق الإعلامي، الذي كان يمثل نموذجاً فريداً في الاطلاع على التجارب الدولية، وكل ما يتعلق بالجديد في عالم الصحافة، وكذلك زوجته الفاضلة وأستاذتي العزيزة الدكتورة ليلى عبد المجيد، علم من أعلام الصحافة في مصر والوطن العربي والعميدة السابقة للكلية، وتمثل نموذج حقيقي ورائد في خدمة الكلية وطلابها بدأب منقطع النظير، وتظهر دائماً في غاية البساطة والتواضع، بل كانت تحرص على إرسال مقترحات التطوير لكل المتخصصين والصحفيين، وتهاتفهم جميعاً من أجل استخلاص رؤيتهم في هذه البرامج وتحكيمها بصورة تتواكب مع سوق العمل، وكذلك الدكتور محمود خليل، أحد ألمع أساتذة الإعلام في مصر والوطن العربي، ليس فقط على المستوى الأكاديمي، بل ممارس حقيقي لمهنة الصحافة وله مقالات دورية في العديد من الصحف، ويتميز بأسلوب مشوق وجذاب في الوصف والسرد، والدكتور شريف درويش، أحد رواد تكنولوجيا الصحافة، وصاحب دراسات واسعة ومتطورة في هذا المجال، وهو رئيس قسم الصحافة الحالي، وكذلك الدكتور محرز غالي، أحد أهم أساتذة إدارة المؤسسات الصحفية في مصر، والمسئول عن برنامج الصحافة التلفزيونية، ويتمتع بشعبية جارفة في كلية الإعلام، لبساطته وكرم أخلاقه، وحسن اهتمامه ورعايته لطلابه، والدكتورة هناء فاروق، أستاذ الرأي العام والإعلام الدولي بالكلية، والمسئولة عن برنامج الصحافة الرقمية والمطبوعة، وكذلك العزيزة الدكتورة سماح الشهاوى، التي تجمعني معها علاقة زمالة وصداقة تمتد لأكثر من 20 عاماً، والدكتور سحر مصطفي، التي تتولي رئاسة مركز بحوث الرأي العام في الكلية، وتهتم بمواكبة كل جديد ومتطور في التدريبات التي يقدمها المركز، بالإضافة إلى قائمة طويلة من المدرسين والمعيدين لهم جميعاً كل التقدير والاحترام.
البرامج الجديدة في قسم الصحافة بإعلام القاهرة فرصة حقيقية أمام طلاب الكلية، ومن يرغب منهم في مواكبة التطور المتسارع في الصحافة الرقمية خلال الوقت الراهن، لذلك أتمنى أن يحجز هؤلاء الطلاب أماكنهم في هذه البرامج مبكراً، وعليهم أن يدركوا جيداً أن العمل في الإعلام يُفتح لخريج الصحافة أولاً، باعتباره الأكثر تأهيلاً وقدرة من غيره، خاصة أن أغلب العاملين بغرف الأخبار في القنوات الفضائية العامة والمتخصصة والإخبارية ينتمون لأقسام الصحافة، بل أشهر المحاورين والإعلاميين في الأصل يمارسون مهنة الصحافة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة