بيشوى رمزى

الرهان على المعسكر "النامى".. مصر وأبعاد جديدة لـ"الجغرافيا الإقليمية"

الثلاثاء، 18 يوليو 2023 03:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي أصبح فيه الرهان على المعسكر "النامي" أحد أهم الأولويات التي تتبناها القوى الصاعدة، بل ومحلا للتنافس فيما بينها، وعلى رأسها الصين، والتي باتت تعتمد عليه بصورة كبيرة للحصول على "شرعية" المشاركة في اتخاذ القرار الدولي، ومزاحمة الولايات المتحدة، بينما تحاول الهند الاحتفاظ بموقعها كقوى مهمة تحظى بدعم كبير من خصوم بكين لحرمانها من "الهيمنة" على تلك الرقعة الواسعة من خريطة العالم، تبدو هناك قوى أخرى تحمل على عاتقها التنسيق داخل هذا المعسكر، عبر تحقيق التوافق بين الدول، سواء فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بهم بشكل مباشر، والتي تتمركز في مناطقهم الجغرافية، أو تلك المتعلقة بالتداعيات الناجمة عن الأزمات العالمية ذات النطاق المتمدد جغرافيا والممتد زمنيا، على غرار الأزمة الأوكرانية، أو الأزمات ذات الطبيعة المستحدثة، وفي القلب منها قضية التغيرات المناخية. 
 
ولعل الفارق الكبير بين الدور الذي تقوم به الصين، بينما تسعى الهند إلى ملاحقتها إليه، من جانب، ودور القوى الأخرى، التي يدور حولهم هذا المقال، هو أن الأخيرة تبدو جزءً لا يتجزأ من هذا المعسكر، على عكس القوى المذكورة التي باتت مؤهلة لمزاحمة القوى الدولية الكبرى في القيام بدور على مستوى القيادة العالمية، حيث تنتمي إليه جغرافيا، بينما تتأثر بصورة كبيرة بمعاناته، على مختلف الأصعدة، وإن اختلفت درجة المعاناة، بينما لا تسعى في الوقت نفسه إلى الدخول في منافسات أو صراعات، بل تتحرك في إطار توافقي من شأنه تحقيق أكبر قدر من المكاسب لصالح مناطقها، وتعزيز قدرتها على مجابهة الأزمة، وهو ما يتطلب بصورة كبيرة الخروج من "عباءة" الإقليمية بصورتها التقليدية، نحو أفاق أرحب على المستوى الدولي.
 
الدور الجديد يتطلب مؤهلات بعينها، تتجاوز الإقليمية التقليدية، تحظى بها القوى القادرة على القيام به، يرتبط أبرزها بقدرتها على تجاوز الجغرافيا السياسة بصورتها التقليدية، وهو ما يبدو بجلاء في النموذج المصري، والتي تحظى بموقع تتقاطع فيه عدة أقاليم، في ضوء عمقها الإفريقي، وهويتها العربية، والتي خلقت تواصلا عضويا مع القارة الآسيوية، وامتدادها المتوسطي، والذي ساهم في تعزيز العلاقة مع أوروبا، وهو ما يبدو بوضوح في العديد من المشاهد المتواترة، التي وضعت فيها الدولة المصرية على عاتقها، ليس فقط تنسيق المواقف في إطار دول المعسكر النامي في محيطها الجغرافي، وإنما امتد إلى التنسيق مع الدول المتقدمة، خاصة في أوروبا الغربية، فيما يتعلق بالعديد من القضايا، وفي القلب منها التعامل مع ظاهرة التغيرات المناخية، وهو ما يبدو في النجاح الكبير الذي تحقق إبان قمة شرم الشيخ الأخيرة، والتي أسفرت عن تدشين صندوق الخسائر والأضرار، والذي يمثل طفرة كبيرة في إطار تقديم الدعم المطلوب للدول النامية، والتي تعد المتضرر الأكبر جراء الأزمة.
 
الأمر لا يقتصر على قضية التغيرات المناخية، وإنما يمتد إلى الصراع الدولي، الذي بات يطل مجددا على العالم، في ضوء الأزمة الأوكرانية، وما يترتب عليها من تداعيات كبيرة وغير مسبوقة، لينال القسط الأكبر منها الدول النامية، خاصة في إفريقيا، لنجد في المقابل حرصا مصريا كبيرا على تنسيق موقف "حيادي" يتسم بقدر كبير من الإيجابية، من شأنه توجيه بوصلة أطراف الصراع في الشرق والغرب إلى قضايا تلك المناطق المهمشة في العالم، وهو النهج الذي اكتسب قدرا كبيرا من الزخم، عبر تعزيز دور أقاليمها الجغرافية، إلى الحد الذي وصل إلى إيفاد لجان، سواء على المستوى العربي أو الإفريقي، للوساطة، وهو ما يمثل طفرة مهمة في طبيعة الدور الذي يمكن أن تؤديه الأقاليم على المستوى الجمعي، تحت مظلة المنظمات، على غرار الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى، بعيدا عن القيادة الفردية، وهو ما يعكس ما ذكرته مسبقا حول النأي عن أبعاد التنافسية الصراعية، والتي طالما طغت على المشاهد الإقليمية والدولية خلال العقود الماضية، والتوجه نحو حالة من الشراكة، ربما يشوبها قدرا من التنافس الذي يبدو طبيعيا في العلاقات الدولية.
 
مشهد أخر لا يقل أهمية على المشاهد السابقة، والتي تمثل نماذج مهمة لتحرك القوى المنوط بها الدور الجديد، القائم على تنسيق المواقف، وعدم الاستئثار بالقيادة، يتجسد في مبادرة "جوار السودان" التي أطلقتها مصر في الأسبوع الماضي، والتي وضعت فيه على عاتقها مهمة إشراك دول الجوار السوداني، في العمل معا للوصول إلى حلول من شأنها تسوية الأزمة، خاصة مع التداعيات المترتبة عليها بالنسبة لهم، وهو ما يمثل نموذجا للكيفية التي تعمل بها الدولة، لمجابهة الأزمات التي تتمركز في مناطقها الجغرافية، بعيدا عن التعامل من منطلق فردي.
 
وهنا يمكننا القول بأن النموذج المصري يمثل أحد أوجه الرهان على دول المعسكر "النامي"، في ظل الإمكانات الكبيرة، سواء على المستوى الجغرافي والتي تؤهلها إلى تجاوز الحالة الإقليمية التقليدية من جانب، بالإضافة إلى ما تحظى به من تاريخ كبير، دفع القوى الكبرى والصاعدة إلى استقطابها في السنوات الأخيرة، من جانب أخر، ناهيك عن نفوذها المتنامي، جراء نجاحها في استعادة ثقة عمقها الإفريقي، وتعزيز دورها العروبي، وكذلك نجاحها المنقطع النظير في إحياء البعد المتوسطي، مما مكنها من التحول إلى حلقة وصل قادرة على تحقيق أعلى درجات التنسيق وتقريب وجهات النظر، في إطار دفاعها عن حقوق دول "المعسكر النامي"، عبر رؤى ليست "مستوردة" من الخارج، وإنما يتم صياغتها في إطار جماعي بين الدول من مختلف الأقاليم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة