قال الإعلامى والكاتب الصحفى عادل حمودة، أن ثروت محمود فهمى عكاشة ولد فى يوم 21 فبراير عام 1921 فى محافظة القاهرة، وكان مولعا بالحياة العسكرية فى سنواته الأولى، إذ أراد أن يمشى على خطى والده الذى تقاعد برتبة اللواء مديرا لسلاح الحدود، لكن والده أراد أن يكون رجل قانون، فانصاع ثروت عكاشة لرغبة والده ودخل كلية الحقوق لكنه لم يستمر أكثر من 6 شهور فيها.
وأضاف «حمودة»، خلال تقديمه برنامج «واجه الحقيقة»، الذى يعرض على شاشة «القاهرة الإخبارية»، أن الكلية الحربية طلبت دفعة جديدة فسارع بالتقدم إليها دون علم والده، وكأن القدر يدفعه إلى القيام بدور بارز فى ثورة 23 يوليو 1952 كما حدث فيما بعد، موضحًا أنه فى الكلية الحربية ارتبط بالبطل أحمد عبد العزيز الذى قاد عمليات الفدائيين فى فلسطين واستشهد هناك.
وأشار الإعلامى، إلى أن أحمد عبدالعزيز علمه الفروسية واستخدام السيف وتاريخ مصر العسكرى، وتخرج ثروت عكاشة ضابطا فى 15 إبريل 1939، وكان الخامس بين زملائه الـ 120، لكنه انضم إلى كتيبة مدفعية تخدم فى مطروح، هناك تعرف على ضابط وطنى شجاع هو محمد وجيه خليل، وكون أول مجموعة وطنية فى الجيش باسم "رجال الفداء" واستشهد فى حرب فلسطين.
وأكد الكاتب الصحفى، أن ثروت عكاشة شارك فى حرب فلسطين وعاد إلى مصر وهو يكاد ينفجر مما حدث من خديعة هناك مثله مثل زملائه من الضباط، ولم يتردد فى الانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه جمال عبد الناصر، وفى الوقت نفسه ظهرت مواهبة الأدبية والبحثية، وفى عام 1951 فاز بجائزة فاروق الأول العسكرية عن بحث قدمه بعنوان "تأثير الأسلحة النووية على الموقع الاستراتيجى لمصر.
وتابع: « فى الوقت نفسه كان يمد الصحف بدراسات فنية وأدبية نشرها تحت اسم ثروت محمود، وما أن حصل على شهادة كلية أركان الحرب حتى تقدم لدراسة الصحافة فى كلية الآداب جامعة القاهرة، وحصل على دبلومة فى الصحافة أهلته لتسجيل رسالة الدكتوراه من جامعة السوربون فيما بعد»
وقال عادل حمودة، إنه فى يوم 20 يوليو 1952 دعا ثروت عكاشة صديقه المقدم حسين الشافعى لتناول الغداء معه، وقبل أن يأتى الطعام اتصل به أحمد أبو الفتح من الإسكندرية ليبلغه برسالة خطيرة، إذ كان أبو الفتح مالك صحيفة المصرى ورئيس تحريرها وزوج شقيقة ثروت عكاشة، والرسالة هى أن الملك سيتخلص من أربعة عشر ضابطا وسيزج بهم فى السجون.
وأضاف «حمودة»، أن أبو الفتوح نصحه بالتحرك السريع وإلا قبض الملك على الضباط الأحرار، فتوجه ثروت عكاشة وحسين الشافعى إلى منزل جمال عبد الناصر ليعرف ما حدث، فسأل عبد الناصر ثروت عكاشة "إيه رأيك؟"، فكان رده: "لابد أن نتحرك غدا"
وأوضح الكاتب الصحفي: « كانت مشكلة عبد الناصر انتظار قوات من العريش ستصل يوم 26 يوليو، لكن ثروت عكاشة طمأنه قائلا ( أستطيع تحريك 48 دبابة و48 سيارة مدرعة من سلاح الفرسان دون انتظار قوات العريش وبالفعل نجحت الثورة)".
وقال حمودة، أن ثروت عكاشة رُشح لعضوية مجلس قيادة الثورة ممثلا لسلاح الفرسان، وكان العرض مفاجأة بالنسبة له، « اعتذر ثروت عكاشة لعدة أسباب قدمها مكتوبة، أولها أن ما قام به من عمل وطنى لا ينتظر عليه جزاء، كما أن انضمامه إلى المجلس سوف يصرفه عن مهامه فى سلاح الفرسان.
وأضاف أن سبب من أسباب اعتذار ثروت عكاشة هو أن المقدم حسين الشافعى أقدم منه وهو أولى بالمكان، وفيما بعد اضيف سبب رابع هو توليه رئاسة تحرير مجلة التحرير، موضحًا أنه أنشأ المجلة وتولى رئاسة تحريرها أحمد حمروش لكن ارتباطاته اليسارية فرضت نفسها على المجلة.
وأوضح أن ثروت عكاشة لم يسلم من انتقادات مجلس قيادة الثورة، وكتب افتتاحية بعنوان " أعلنوها جمهورية فورا" الأمر الذى أغضب محمد نجيب واعتبر المقال تجاوزا لدوره فى القيادة، وفى الذكرى الأولى للثورة كتب ثروت عكاشة مقال بعنوان "هكذا قمنا بالثورة" حدد فى المقال دور كل سلاح ودور كل ضابط من الضباط الأحرار ووافق عبد الناصر على نشره لكن العدد تم مصادرته.
وتابع: " من صادر العدد هو صلاح سالم وزير الإرشاد القومى، لم يكن له دور ليلة الثورة لأنه كان خارج القاهرة، عقد صلاح سالم مؤتمرا صحفيا أنكر فيه أن مجلة التحرير تعبر عن مجلس قيادة الثورة، ذهب ثروت عكاشة إلى عبد الناصر محتجا، وقدم استقالته من رئاسة تحرير مجلة التحرير، وبعد 24 ساعة قرر مجلس قيادة الثورة تعيينه ملحقا عسكريا فى الخارج، بالتحديد فى مدينة برن السويسرية، وبدأت مرحلة جديدة فى حياته"
وقال عادل حمودة، أن ثروت عكاشة، والذى شغل منصب وزير الثقافة ونائب رئيس الوزراء المصرى سابقا، قام بإنشاء أول مكتب عسكرى فى برن، عاصمة سويسرا الإدارية، وذلك قبل أن يستقر فى منصبه الجديد طلبت القاهرة منه الحصول على قطع غيار لتشغيل أسلحة الدفاع الجوى الصاروخية.
وأضاف أن عكاشة كان قد قصد مدينة زيورخ من أجل تناول العشاء مع مدير الشركة المنتجة فى مطعم فندق «ستوخن»، حتى اكتشف بأن ذوقهما فى الموسيقى متشابه.
وتابع: «عكاشة عبرا عن إعجابهما برتشارد فاجنر وريتشارد شتراوس، حتى وافق مدير الشركة على الصفقة بشرط أن يتسلمها ثروت عكاشة بنفسه بعد مواعيد العمل اليومى، ووضع ثروت عكاشة قطع الغيار فى 12 حقيبة دبلوماسية وضعها فى سيارة مناسبة عبرت الحدود الإيطالية إلى ميلانو ومنها بحرا إلى الإسكندرية».
وقال عادل حمودة، أن ثروت عكاشة، والذى شغل منصب وزير الثقافة ونائب رئيس الوزراء المصرى سابقا، قام بترك مدينة برن السويسرية وذهب منها إلى باريس، وفيها تعلم الفرنسية ودرس طبائع الفرنسيين وترجم كتابا عنهم بعنوان «فرنسا والفرنسيون على لسان الرائد طومسون».
وأضاف أن المهمة زادت صعوبة بعد تأميم القناة فى 26 يوليو 1956، واستقبلت فرنسا قرار التأميم بثورة عارمة، والتى الهبت أجهزة الإعلام الفرنسية الاحاسيس الوطنية، وعلى صفحات الجرائد أصبح عبد الناصر العدو رقم واحد.
وأوضح أنه فى الوقت نفسه بات لزاما على العقيد ثروت عكاشة أن يرصد تحركات القوات المسلحة كان عليه أيضا تتبع النشاط الإسرائيلى فى فرنسا، وفى 12 أكتوبر 1956 أرسل إلى القاهرة معلومات تؤكد وجود لقاءات سرية بين مسؤولين فرنسيين وإسرائيليين، حتى عرف ثروت عكاشة هذه المعلومات من صديق فرنسى يشغل منصبا حساسا وحرص على كتمان اسمه.
وأكد أنه فى ساعة مبكرة من يوم من صباح السبت 27 أكتوبر عام 1956 اتصل به الرجل لـ يلتقيا بعيدا عن العيون، عرف ثروت عكاشة منه: أن خطة غزو مصر وضعت لتنفذ يوم 15 سبتمبر بالهجوم على الإسكندرية، لكن الخطة ألغيت بعد أن أحس واضعوها باحتمال تسرب بعض جوانبها إلى مصر، وضعت خطة جديدة أكثر سوء، هو أن تهاجم إسرائيل وتستدرج الجيش المصرى فى سيناء.
وأشار إلى أنه فى أعقاب ذلك فقد توجه من بريطانيا وفرنسا لينذر مصر، أتبعه تدمير المطارات والقواعد العسكرية، ثم جرى إنزال جوى فى بورسعيد للاستيلاء على مقر قيادة قناة السويس، وعرف ثروت عكاشة من صديقه أن الخطة جرى التصديق عليها وستنفذ خلال أيام فى موعد أقصاه الرابع من نوفمبر حتى تنتهى العملية فى 6 نوفمبر قبل الانتخابات الرئاسية.
وتابع: «فكر ثروت عكاشة فى أضمن وأسرع وسيلة لإرسال الخطة إلى عبد الناصر، لم يجد أفضل من إرسالها مع الملحق الصحفى فى السفارة عبد الرحمن صادق، حرص ثروت عكاشة أن تكون رسالته إلى عبد الناصر شفهية تجنبا لاحتمال وقوعها فى يد الأعداء، فى صباح الأحد 28 أكتوبر سافر عبد الرحمن صادق من باريس إلى بروكسل ومنها إلى القاهرة، وصل القاهرة فى فجر اليوم التالى واتصل بسكرتارية الرئيس، قابله عبد الناصر فى الثانية ظهرا».
وقال حمودة، أن ثروت عكاشة قد أصابته هوسه بأعمال جبران خليل جبران، وكان جبران خليل جبران شاعرا وكاتبا وفيلسوفا ورساما ونحاتا لبنانى الأصل، وهاجر إلى الولايات المتحدة صبيا وهناك بدأ مسيرته الأدبية، وفى صباه قرأ ثروت عكاشة روايته «الأجنحة المتكسرة».
وأضاف أن جبران كان يؤمن بأن الحب بين الناس هو شريعة الحياة، وكان يقول: «الحياة ظلام إلا إذا صاحبها الحافز، وكل حافز ضرير إلا إذا اقترن بالمعرفة، وكل معرفة هباء إلا إذا رافقها العمل، وكل عمل خواء إلا إذا امتزج بالحب».
وتابع: «قرر ثروت عكاشة أن تكون رسالة الدكتوراه عن جبران، لكن أستاذه فى السوربون ريجيس بلاشير طلب منه تغيير الموضوع لأن دارسا لبنانيا سبقه اليه، واختار ثروت عكاشة لرسالة الدكتوراه موضوع "صدى مدرسة التصوير الانطباعية بفرنسا فى الموسيقي"، باختصار تأثير الفن التشكيلى الانطباعى فى فرنسا على الموسيقى».
وقال أن ثروت عكاشة قد نجح فى خلق جبهة من الصحفيين والسياسيين المعارضين للهيمنة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية، منهم الصحفى الفرنسى روبير بارا الذى نشر كتابا مثيرا عن الشرق الأوسط رفض فيه التوسع الإسرائيلى على حساب اللاجئين الفلسطينيين.
وأضاف «حمودة» أنه خلال سنوات باريس التقى ثروت عكاشة فى بيت روبير بارا بسياسى يهودى هو جوزيف جولد جولان، وجولان هو مستشار الشئون العربية لناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودى العالمى، حتى أنه فى ربيع عام 1957 بعث روبير بارا برسالة إلى ثروت عكاشة.
وأوضح أنه قد اقترح بارا فى الرسالة أن يلتقى من جديد بناحوم جولدمان فى أوروبا ليسمع منه وجهة نظره فى السلام بين العرب وإسرائيل، حتى نقل عكاشة الصورة الى عبد الناصر الذى وافق على اللقاء، والتقى عكاشة بجولدمان فى جنيف وعبر له عن عدم ارتياحه لتصرفات ديفيد بن جوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وأكد أنه كذلك قد اقترح جولدمان أيضا أن يلتقى بجمال عبد الناصر بصفته أمريكيا فى مطار القاهرة سرا، وفضل أن يكون الميعاد يوم 2 أو 3 يوليو 1957، حتى طالب توسط عبد الناصر لدى نهرو رئيس وزراء الهند ليقبل بإسرائيل عضوا فى كتلة عدم الانحياز، وطلب عبد الناصر إرجاء الأمر.
وتابع: «بعد شهور قليلة طلب عبد الناصر منه إدارة مكتب خاص فى رئاسة الجمهورية خاص بالرأى العام، وتحمس عكاشة للفكرة لنقل انطباعات الرأى العام وردود فعله واتجاهاته ورفع تصوره إلى عبد الناصر، وفى صباح يوم من أيام أكتوبر 1957 أبلغه سامى شرف سكرتير الرئيس للمعلومات بصدور قرار بتعينه مستشارا برئاسة الجمهورية».
وقال حمودة، إنه فى ليلة 8 أكتوبر عام 1958 عاد ثروت عكاشة والسيدة زوجته إلى بيتهما فى روما بعد أن حضرا أوبرا "بوريس جودونوف" بمشاركة المغنى العالمى «بوريس كريستوف»، وعاشا عالما اسطوريا ينبض بالجلال والرهبة ويفيض بألحان وأنغام آسره.
وأضاف أنه فى البيت ادار مؤشر الراديو لسماع نشرة اخبار الحادية عشرة من إذاعة القاهرة، وجاء الخبر الأول يحمل إليه مفاجأة غير متوقعة، وذلك بتشكيل حكومة جديدة عين فيها وزيرا للثقافة والإرشاد القومى، حتى كان يتمنى أن يبتعد عن السياسة ليتفرغ لهواياته الموسيقية والفنية.
وأوضح أنه قد سافر إلى القاهرة فى اليوم التالى طالبا مقابلة جمال عبد الناصر راجيا اعفائه من منصب الوزير، لكن عبد الناصر رفض قائلا: «إننى أدعوك أن تقبل، أدعوك أن تقبل هذا العمل الجاد، أن مهمتك هى تهيئة المناخ اللازم لإعادة صياغة الوجدان المصرى، إنها مهمة صعبة بل شاقة، وبعد طول نقاش ترك عبد الناصر له حرية التفكير ليلة أو ليلتين».
وأكد أنه فى صباح اليوم الثالث تلقى مكالمة منه فقال عكاشة: «أصارحك اننى لم أحس بالراحة لقبول هذا المنصب، ليرد عبدالناصر ضاحكا: هيا إلى مكتبك على بركة الله ولا تهتم براحة النفس فأنا كفيل بتحقيقها لك، وكان معه رفيق السلاح الأديب يوسف السباعى الذى انفجر ضاحكا بعد أن عرف حديث عبد الناصر».
وقال عادل حمودة، أن ثروت عكاشة لعب دورا مؤثرا فى الثقافة المصرية لم يتجاوزه غيره، حتى ساهم فى إنقاذ آثار النوبة وهو عضو فى المجلس التنفيذى لمنظمة اليونسكو، ووضع لأول مرة ما يسمى بالسياسة الثقافية لترتبط بالخطة الشاملة للتنمية الاقتصادية وبالتطور العلمى والتكنولوجى للمجتمع.
وأضاف أنه لأن المثقفين هم أدرى بشئونهم دعا عكاشة إلى مؤتمر عام للكتاب والفنانين، فقد عقد المؤتمر فى دار الأوبرا لمدة أسبوع فى مارس عام 1959.
وتابع: «شارك فى المؤتمر رموز مصر التى لا تنسى، أم كلثوم، طه حسين، فكرى أباظة، يوسف وهبى الدكتور أحمد بدوى الموسيقار أبوبكر خيرت، والدكتور لويس عوض، حتى أجمع المفكرون على أن الفنان الحقيقى هو الفنان الحر، وأجمعوا أيضا على أن الفجوة بين المثقف وغير المثقف يجب أن تضيق بالرعاية ورفع مستوى التذوق».
وأكد أنه ليست المشكلة فى عجز الشعب عن تذوق الفن الرفيع وإنما المشكلة فى عجز الفن الرفيع عن مس القيم الشعبية والتعبير عنها، وبحسب الدكتور لويس عوض تركت وزارة الثقافة أكثر الزهور تتفتح، ووجد جميع المبدعين لهم مكانا بعد المصالحة بين الثورة والمثقفين، حتى نشرت أعمال شديدة الجرأة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة