71 عاما مرت على ثورة 23 يوليو، وهى أحد أهم أحداث مصر فى القرن العشرين، والذى يفترض أن نقرأه فى زمانه ومكانه مثل كل حدث تاريخى، 23 يوليو قامت والعالم يعيش فترة اضطراب وتحول كبرى، ما بعد الحرب العالمية الثانية، التى تركت العالم فى غليان وانتهت بتقسيم أوروبا إلى معسكرين، وكانت تأثيرات الأزمات الاقتصادية على دول العالم تنكس فى صورة فقر وتردى اقتصادى.
أوروبا كانت تعيش آثار الدمار فى حرب تركت آثارها على العالم، وحرب باردة رفعت من صراع أيديولوجى ساخن، انقسمت أوروبا لمعسكرين، وحتى ألمانيا نفسها بقيت حتى عام 1989 منقسمة بين شطر شرقى تابع للسوفييت، وغربى مع أوروبا والولايات المتحدة.. قوى عظمى تتصارع على النفوذ، وتسعى لاستقطاب الدول المستقلة وبقايا استعمار يحاول التمسك بنفوذه.
ثورة 23 يوليو كانت تحولا فى التاريخ والجغرافيا، بصرف النظر عن موقف الشخص منها، اقتصاديا واجتماعيا اجتهد جمال عبدالناصر للبحث عن طريق يضمن العدالة، ويضاعف من فرص الأغلبية فى الصعود الاجتماعى والاقتصادى، كانت مصر منقسمة إلى طبقة شديدة الثراء وأغلبية شديدة الفقر، وطبقة وسطى تحاول البقاء، لم تكن الاشتراكية أو رأسمالية الدولة اختراعا، لكنها كانت حالة تزحف على العالم كله، وحتى المعسكر الغربى سعى لوضع أسس اجتماعية ونظام نقابات وتأمين يعالج المخاوف من اليسار ما بعد الحرب الثانية.
والآن بعد 71 عاما فإن ثورة يوليو، الجمهورية الأولى، سعت لبناء «مصر جديدة» فى زمنها، ويعلو شأنها شرقا وغربا، لتصبح مصدر إلهام للتحرر الوطنى، فى جميع أنحاء العالم، كما قطعت شوطا مهما لتمكين قطاعات كبيرة من الفلاحين والعمال وإعطائهم مكانا يليق بهم، طال انتظارهم واشتياقهم له، حققت الثورة إنجازات عظيمة فى كثير من الأحيان وتعثرت مسيرتها فى أوقات أخرى، كل هذا بمفهوم وقتها ولحظتها، حيث لا يمكن محاكمة عصر بقواعد آخر، فلم تهبط أهداف الثورة التى أعلنت من الفراغ، لكنها كانت ترجمة لمطالب النخب السياسية والاقتصادية طوال نصف القرن.
وإذا كنا ننظر للمستقبل فإن ما واجهته مصر خلال سنوات ماضية كان خيارا آخر، وتحديات تتخذ أشكالا جديدة، فى الماضى كان العدو واضحا، جاء ضباط يوليو وسط تحولات دولية كبرى، ولم تكن مصر وحدها تعانى من هذا الاحتلال، كان العالم العربى وأفريقيا ما زالوا تحت احتلال من بريطانيا وفرنسا وباقى الدول الاستعمارية، وسعت للاستقلال، وتغيرت أشكال التحديات.
الآن بعد أن قطعت مصر مرحلة واجهت فيها تحديات مثل الإرهاب والتهديدات الوجودية، وغليان إقليمى ودولى، هدد دولا وفكك أخرى، أصبحت مصر فى حالة تسمح بالمزيد من التنوع والتنمية الاجتماعية، وهو ما شرحه الرئيس السيسى فى كلمته، بالقول «إن الجمهورية الجديدة تسعى لتوفير فرص متكافئة للعمل والحياة الكريمة لهذا الجيل، والأجيال القادمة»، خاصة أن الشعب المصرى تحمل الكثير وضرب المثل فى الصبر والصمود أمام أزمات عديدة، وينتظر أن تبذل أقصى ما فى الجهد والطاقة، بلا كلل لتوفير فرص عمل جديدة ومتميزة وزيادة الدخل للمواطنين وإقامة مسارات جديدة لتطور ونمو الاقتصاد.
وأكد الرئيس، إصرار الدولة على توسيع مجالات التنوع، والحوار، من خلال الاستماع إلى الجميع، وإتاحة الفرصة لاستيعاب هذا التنوع، وأن تكون جميع الأصوات الجادة مسموعة، لما يحقق صالح الوطن ويسهم فى بناء المستقبل.
الشاهد فى كل هذا أننا وبعد 71 عاما من ثورة 23 يوليو، فقد كانت مصر 30 مليونا أو أقل، وهى الآن أكثر من 100 مليون، تختلف اجتماعيا وطبقيا وتعليميا، بجانب ما شهده العالم من قفزات وتحولات فى كل مجال، خاصة فى التكنولوجيا والاتصال والإعلام والتواصل الاجتماعى.
كل هذا يفرض أن ننظر إلى 23 يوليو بزمانها ومكانها وظروفها، وأن التاريخ ليس فيه «لو»، بل هو واقع يتحقق بنتائجه بناء على مقدماته، ومثلما لا يمكن تقييم ثورة يوليو بمعايير اليوم، فإننا لا يمكن أن نستدعى ما جرى قبل 71 عاما، لندعو إلى تطبيقه، بل إن كل عصر له ظروفه وإمكاناته، خاصة ونحن فى عصر يموج بالتحول والتفاعل.
اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة