تمر أوروبا بموجات حر غير مسبوقة أدت إلى مزيد من الحرائق وحالة من الفوضى تجتاح الدول الأوروبية، كما أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر بشكل مباشر على العديد من القطاعات، خاصة الزراعية حيث حرقت درجات الحرارة المرتفعة عدة محاصيل فى أوروبا، ولكن هل يؤدى تغير المناخ إلى تغير أنماط السياحة فى القارة العجوز، فى ظل احتراق بعض الأماكن السياحية وظهور آخرى بسبب الجفاف.
قالت صحيفة "الباييس" فى تقرير لها نشرته على موقعها الإلكترونى إلى أن المشكلة تظهر بالفعل فى أحدث تقرير صادر عن مفوضية السفر الأوروبية (ETC) وعندما يُسأل الأوروبيون عن مخاوفهم الرئيسية عند السفر، يتحدث 7.6٪ عن ظواهر الطقس المتطرفة.
وأقر إدواردو سانتاندير، المدير التنفيذى لـ ETC. "من المحتمل أن يكون لارتفاع درجات الحرارة تأثير على أنماط السياحة فى أوروبا، كما يوجد مخاوف من ارتفاع أسعار قضاء الاجازة فى أوروبا فى الفترات المقبلة.
وأشار سانتاندير إلى أن "الأوروبيون يغيرون عاداتهم السياحية مع ارتفاع التكاليف ودرجات الحرارة فى الصيف"، مشيرًا إلى أن النسبة المئوية للمسافرين الذين يخططون للسفر فى أشهر الصيف - الأكثر سخونة والأغلى - انخفضت مقارنة بالعام الماضى.
وقال سانتاندير: "لا تزال البيانات تشير إلى قطاع السياحة القوى فى أوروبا، مع مخاوف من تأثرها فى الفترات المقبلة، مشيرا إلى أن إسبانيا هى الوجهة المفضلة للمسافرين الأوروبيين بين يونيو ونوفمبر، متجاوزة فرنسا وإيطاليا واليونان وكرواتيا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لم يعد الكثير من السياح الذين كانوا يبحثون عن وجهة فى إسبانيا للهروب من الأزمات التى تواجه بلدانهم، بإمكانهم التوجه لإسبانيا بسبب دراجات الحرارة المرتفعة.
وأضافت الحرارة أن الحرارة الشديدة التى تؤثر على إسبانيا تخيف جزءًا من السياح إلى البلدان الأخرى الأقل دفئًا.
ووفقا للخبراء فقد تقلل موجات الحر من جاذبية جنوب أوروبا كوجهة سياحية على المدى الطويل"، الأمر الذى سيكون له عواقب اقتصادية سلبية بالنظر إلى أهمية القطاع فى إسبانيا.
وأكدت وكالة موديز Moody's الائتمانية، التى تركز على إسبانيا بالإشارة إلى أن الزيادة المتوقعة فى الظواهر الجوية المتطرفة فى السنوات المقبلة "سيكون لها آثار سلبية، بما فى ذلك انخفاض جاذبية دول البحر الأبيض المتوسط ، مثل إسبانيا".
كما هو الحال فى إيطاليا، حيث تعرضت لحرائق عنيفة أججتها الحرارة الحارقة، خاصة فى صقلية، حيث أودت النيران بحياة 5 أشخاص على الأقل، وبعد عدة أيام من حرائق الغابات، طلبت أكبر جزيرة فى إيطاليا من روما إعلان حالة الطوارئ.
وأشارت صحيفة "الجورنال" الإيطالية الحرائق حولت المبانى التاريخية إلى غبار، حيث تحولت أقدم كنيسة فى عاصمة الجزيرة منذ القرن الخامس عشر إلى رماد، وابتلعت النيران واجهات المنازل وأحاطت بالطرق السريعة ومطار باليرمو الذى ظل مغلقا لعدة ساعات، تم العثور على أول ضحيتين محاصرين فى هذه المنطقة.
وأعرب نيلو موسوميسى وزير الحماية المدنية والحاكم السابق لصقلية عن قلقه من الآثار المدمرة لتغير المناخ فى إيطاليا، مشيرا إلى أنه من الصعب تقييم الأضرار التى سببتها النيران، ولكن وفقًا للحماية المدنية، دمر ما يقرب من 340 حريقًا - تسبب بعضها - بالفعل 700 هكتار من الغابات فى الأيام الأخيرة، وكلها تغذيها الحرارة الشديدة،.
وعلى الرغم من أكثر من 3200 تدخل من قبل رجال الإطفاء فى جنوب إيطاليا، 1400 منهم فى صقلية وحدها، وأشار العديد من الوزراء إلى نقص طائرات الإطفاء ورجال الإطفاء للتعامل مع حجم الحرائق فى صقلية. استجابة لطلب من باليرمو، تخطط الحكومة لإعلان حالة الطوارئ لمكافحة الحرائق فى الجزيرة ودعم الصقليين المتضررين.
وبين العواصف وسوء الأحوال الجوية فى الشمال والحرائق فى الجنوب، تخطط الحكومة الإيطالية لإعلان حالة الطوارئ لخمس مناطق، من صقلية إلى لومبارديا، والتى طلبت مساعدة وطنية للتعامل مع آثار تغير المناخ التى إنهم يعانون هذا الصيف.
أما فى اليونان، كما دفعت موجة الحر الشديدة إلى اغلاق مواقع سياحية فى اليونان، وتحث السلطات السكان على توخى أقصى درجات الحذر عند السفر والتحذير من ارتفاع مخاطر اندلاع الحرائق.
وأغلقت وزارة الثقافة فى اليونان، معلم أكروبوليس أثينا، أحد أكثر المواقع السياحية زيارة فى العالم، بسبب موجة الحر التى ضربت اليونان، حيث أنه لن يستقبل الزوار بين الساعة 11:30 صباحا، و5:30 مساء.
ووزع الصليب الاحمر أكثر من 50 ألف زجاجة مياه على الزوار فى الايام الماضية وذلك بعد شهورهم بحالة من عدم الراحة ومشاكل فى الجهاز التنفسى، وتم تركيب مظلات عند المدخل لحماية آلاف الزوار الذين يأتون للاستمتاع بمشاهدة معبد البارثينون الواقع على قمة الأكروبوليس، وهو تحفة فنية من العصر "الكلاسيكي" فى العصور القديمة.
ومن ناحية آخرى، فقد ظهرت العديد من الأماكن السياحة التى كشف عنها الجفاف، ففى إسبانيا، كشف الجفاف عن عن حوالى 1700 موقع أثرى فى منها بقايا مدينة ستونهنج الإسبانية، وأيضا عن نصب تذكارى صخرى يعود إلى 5000 عام، وظهور كنيسة أثرية تغمرها المياه، يعود تاريخها إلى عدة قرون، وتعد بين المعالم الأثرية الشهيرة فى إسبانيا،
وكشفت المياه المتراجعة عن أنقاض الكنيسة التى يعود زمنها إلى القرن الحادى عشر، وتقع فى قرية سانت روما دى ساو بالمنطقة الشمالية الشرقية من كاتالونيا، وكانت الكنيسة الأثرية مغمورة بالمياه منذ الستينيات عندما تم بناء سد قريب، وكان الجزء العلوى من برج جرس الكنيسة هو العلامة المرئية الوحيدة.
كما كشف الجفاف عن قرية اسبانية، حيث كان ملوك إسبانيا يقصدون القرية من أجل الراحة والاستجمام، وظهرت قرية إسبانية قديمة بعد انخفاض منسوب المياه فى أحد الخزانات بسبب الجفاف، والتى تسمى قرية سبا التى غُمرت فى المياه عام 1955 فى منطقة "لا إيزابيلا" ظهرت بعد جفاف مياه خزان بوينديا.