برع الإنسان المصرى القديم فى صنع حضارة ليس لها مثيل، والتى خلفت عن مجموعة من المواقع الأثرية الضخمة التى تفنن الفنان المصرى فى أعمال البناء والتشييد، لتظل تبهر البشر من جميع أنحاء العالم حتى وقتنا هذا، ومن خلال صناعة التماثيل قديما فقد اتبع المصرى القديم مجموعة من القواعد حتى تخرج لنا أعمالا متفردة من حيث الصنع والجودة، فما هى الخطوات التي كانت تتبع في نحت التماثيل الملكية؟.
في تماثيل الملوك فقد كشف "ريزنر" في معبد الملك "منكاورع" عن عدد عظيم من التماثيل التي لم يتم صنعها بعد بدرجات مختلفة، وسبب ذلك أن هذا الملك توفي قبل أن يتم بناء هرمه، ومن التماثيل التي وجدت في معبده غير كاملة يمكننا أن تتبع الخطوات التي قام بها الفنان لإخراج تمثاله كاملًا. وقد دل الفحص على أن الأشكال أو الحالات التي وجد عليها التمثال أثناء صنعه من البداية إلى النهاية ثمانية، كما استعرضها الدكتور سليم حسن فى موسوعة مصر القديمة.
الحالة الأولى:
الخطوات التي اتبعها المثال في حفر التماثيل الملكية
تمثل لنا قطع الحجر بمقاييسه المطلوبة، فإذا كان المطلوب تمثالًا جالسًا، يظهر من الحجر بمقاييسه المطلوبة، فإذا كان المطلوب تمثالًا جالسًا، يظهر من الحجر شكل غير واضح للكرسي أو القطعة التي تمثل مقعد التمثال، ولا يظهر هنا في الحجر أي تمييز للوجه أو الذراعين، أوالساقين. وبعد ذلك ينقر سطح تلك الكتلة الحجرية كأنها دقت بحجر صلب، ثم تسوى بعض هذه الثغرات أو الثقوب، وفي أماكن كانت تملأ بعجينة تشبه مسحوقًا معجونًا بالماء. وتسوية سطح هذه الكتلة بهذه الكيفية كان بطبيعة الحال يعمل بواسطة حجر خاص لذلك. ويلاحظ في هذه الحالة كذلك أن على الكتلة الحجرية خطوطًا يبلغ طولها بين اثنين وخمسة ملليمترات في العرض رسمت باللون الأحمر، وهي تحدد الرسم المختصر للذراع الأيمن. ولا شك في أن كبير الفنانين في المصنع كان يرسم كل خطوة في نحت التمثال ويترك الأعمال السهلة التي لا تحتاج إلى مهارة ليقوم بها تلاميذه كما هي القاعدة المتبعة في الصناعات المصرية في كل العصور.
الحالة الثانية: في هذه الخطوة كان يتقدم المثال في تشكيل تمثاله خطوة جديدة إلى الأمام فيرسم الوجه، والذراع الأيمن، والمقعد الذي يرتكز عليه التمثال بهيئة مختصرة. غير أن سطح الحجر كان لا يزال ظاهرًا فيه أثر العلامات والتسوية التي كانت في الحالة الأولى، وكذلك الخطوط الحمراء التي تحدد الوجه، والذراع الأيمن وجزءًا من الذراع الأيسر.
الحالة الثالثة: في هذه الحالة ينحت الفنان الذراع الأيمن باليد مقفلة والوجه بلحيته، والشعر المستعار بشكل واضح يمكن تمييزها به، على حين أن الذراع الأيسر باليد مفتوحة يظهر هنا واضحًا بعض الشيء، وكذلك تظهر بنوع خاص الخطوط الحمراء التي ترشد الحفار إلى الحافة العليا للساعد الأيمن الذي لم يكن قد تم تدويره بعد، وكذلك إلى مقدمة الحافة اليمنى لقاعدة التمثال.
الحالة الرابعة: في هذه الحالة نشاهد تقدمًا محسوسًا في إظهار مميزات أجزاء الرأس، فيلاحظ أولًا أن الكتلة الحجرية التي سيشكل منها الصل الملكي أخذت تبرز، وكذلك يلاحظ أن الجزء الأوسط من الوجه قد مهد إلى أربعة أسطح مستوية لتتألف منها الجبهة، ونهاية الأنف، والسطح الذي من طرف الأنف إلى طرف الذقن، وآخر من الذقن إلى نهاية اللحية، وكذلك جانبا الوجه فإنهما عولجا بنفس الكيفية غير أن انحدارهما لم يظهرهما كبيرين أو مميزين. أما الخط الذي يفصل الساقين فقد نحت وميز بخطوط طويلة بواسطة حجر معد لذلك، حافته منحنية بعض الشيء، ويلاحظ هنا وجود بقايا خط أحمر على الذراع الأيمن.
الحالة الخامسة: في هذه المرحلة يلاحظ أن ملامح صاحب التمثال أخذت تظهر وتميزه عن غيره. وهنا يلاحظ أن الثغرات، والتكاسير البسيطة لا تزال ظاهرة على سطح التمثال، ولكن بحالة أقل مما كانت عليه من قبل، والظاهر أن الضربات التي كانت توجه للسطح في هذه الحالة لجعله مستويًا كانت تضرب برفق حتى لا يكسر الأنف أو اللحية أو غيرهما من أجزاء التمثال البارزة، التي كانت عرضة للتهشيم بسرعة. أما عملية المسح الخفيف، وتسوية سطح التمثال، فلا بد من أنها كانت تستعمل بوجه خاص لهذه الحالة وما بعدها، ولم يشاهد هنا أي أثر للخطوط الحمراء.
الحالة السادسة: هذه الحالة هي التي تمثل الهيئة الخشنة التي يظهر فيها التمثال قبل أن يصقل فلا يظهر على سطحه الكسور البسيطة، وعلامات المسحة والتسوية التي كانت في الحالة الخامسة. وهنا يظهر التمثال صورة ناطقة لصاحبه، غير أن أصابع القدمين، واليدين لم تكن قد شكلت بعد بهيئة واضحة، وكذلك الخطوط التي حول العينين كانت لا تزال مبهمة. وهذه التفاصيل الدقيقة كانت تعمل على ما يظهر خلال الصقل النهائي للتمثال.
الحالة السابعة: وهي التي يمكن أن يطلق عليها حالة بروز التمثال في هيئته التامة، وهنا نشاهد أن التمثال أخذ يصقل بعض الشيء وذلك بإزالة كل آثار التنقير الخفيف، ثم ظهور التفاصيل نوعًا ما، ولكن من الواضح أن عملية تجميل التمثال يمكن أن تستمر حسب نوع جودة الصنعة التي يرغب في أن يكون عليها التمثال في حالته النهائية، ولا نزاع في أن هذه المرحلة هي التي يجب أن يصل فيها التمثال إلى درجة الإتقان الفني، ولكن جمال مجموعه كان يتوقف على مقدار الوقت والعمل اللذين كانا يصرفان للوصول إلى هذه الغاية.
الحالة الثامنة: وهي خاصة بالتماثيل التي كان ينقش عليها اسم صاحبها وألقابه بعد صقلها صقلًا بديعًا، والظاهر أن عملية الصقل الأخيرة كانت تتم باستعمال مادة جافة من المؤكد أنها مادة السنفرة التي نستعملها الآن في صقل الأشياء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة