تتعدد فئات ذوي الهمم لتشمل ذوي الإعاقة البصرية والسمعية والعقلية والجسدية والسلوكية وصعوبات التعلم.
وذو الهمة هو الفرد الذي ينحرف في قدرة من قدراته عن المستوى العادي؛ بما يجعله في احتياج إلى رعاية خاصة؛ ليُحقق أكبر إفادة ممكنة من قدراته، وقد ترتبط القدرة المنقوصة لديه بالجانب التعليمي، أو الجسمي، أو الاجتماعي، أو العقلي، أو الانفعالي نتيجة لعوامل وراثية أو بيئية.
ويُعد ذوو الهمم من الفئات التي حظيت باهتمام كبير من قبل القيادة السياسية في خضم النهضة بالجمهورية الجديدة؛ حيث التوجيهات المباشرة بدمجها في المجتمع، وتوفير الخدمات الداعمة لهم، مع الدعم المتكامل من قبل مؤسسات المجتمع العامة منها والخاصة، ما أدى لتنمية تقدير الذات والإحساس بالأمن والأمان والحد من الألم النفسي لديهم.
وقد أصدر الرئيس قرارًا جمهوريًا رقم (11) لسنة 2019م لإنشاء المجلس القومي لذوي الهمم، حرصًا من سيادته على تعزيز وتنمية وحماية ذوي الهمم؛ ولضمان فعاليته ألزم القانون المجلس بتقديم تقرير سنوي- إلى كل من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء- يضمنه حالة حقوق ذوي الهمم، وكُلف المجلس بوضع استراتيجية قومية تنهض بقدرات ذوي الهمم في المجالات المختلفة، وفي نصوص القانون إلزام صريح للوزارات والهيئات بتنفيذ اتفاقيات وخطط وبرامج ومشروعات المجلس القومي لذوي الهمم؛ بالإضافة إلى تمثيل ذوي الهمم في عضوية المحافل والمؤتمرات والمنظمات الدولية المعنية بقضاياهم، وكذلك توثيق المعلومات والبيانات والإحصاءات والدراسات والبحوث المتعلقة بشئونهم، وزيادة في حمايتهم يتلقى المجلس الشكاوي والمقترحات الخاصة بهم والعمل الفوري على حلها، ومن ثم تطبيق القانون بحزم لكل من يعتدي عليهم بالقول أو بالإيحاء أو بالفعل.
وجاءت مظاهر الدمج لذوي الهمم متمثلة في الرعاية الصحية؛ حيث العمل على حصر وتصنيف ذوي الهمم وفق تصنيفاتهم، والكشف الطبي بصفة مستمرة عليهم بما يُسهم في تجديد الخريطة الصحية لهم؛ بغية إتاحة تقديم الخدمات والبرامج الصحية بالصورة المناسبة والفعالة.
وخصصت وزارة الإسكان بمشروعها الاجتماعي (5%) من الوحدات السكنية لذوي الهمم، بما يناسب خصائصهم ويحقق المساواة مع غيرهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تضمن حقهم في الطرق بمساراتها لتأمينهم مع مراعاة السيولة المرورية في نفس الوقت.
واعتمدت وزارة التربية والتعليم العديد من مدارس التربية الخاصة بهدف استيعاب جميع ذوي الهمم، وبادرت بتقديم البرامج التدريبية للمعلمين والمعنيين بمجال الكشف والرعاية، وعضدت من اكتساب الخبرات على المستوى الدولي في ضوء برامج الابتعاث وعقد البروتوكولات، وبادرت بالتجهيزات التعليمية المعينة في صقل خبرات ذوي الهمم التعليمية والمهنية، كما طورت من طرائق واستراتيجيات التدريس وأساليب التقويم التي تناسب الخصائص وتلبي الاحتياجات وتدعم الرؤية التطويرية المستمرة.
وفي ذات السياق لم تغفل المؤسسة التعليمية حقوق ذوي الهمم في تعليم يمكنهم من تنمية مهاراتهم ويلبي احتياجاتهم التعليمية دون تمييز بينهم وبين العاديين؛ فكان الدمج التربوي الذي يعطي ذوي الهمم فرصة التعليم واكتساب خبراته بطرائق واستراتيجيات ومعينات تدريسية تسهم في مواجهة التحديات التي تسببها طبيعة الإعاقة لديهم، وفلسفة الدمج تقوم على تجنب إشعارهم بالفروق بينهم وبين أقرانهم العاديين شريطة أن تتم وفق ظروفهم، وبما يتناسب مع خصائصهم وقدراتهم التعليمية، مع مراعاة عناصر التشويق والترفيه التي تجعلهم ينغمسون في أداء مهام تعليمية بسيطة يكتسبون من خلالها الخبرات المتنوعة في ضوء المجال المستهدف؛ بالإضافة لمقدرتهم على تكوين علاقات وصداقات مع زملائهم العاديين بما يؤكد الاحتواء والتقبل والرضا فيما بينهم.
وساهمت مصر الرقمية من خلال وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دعم وتمكين ذوي الهمم؛ حيث أتاحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسائل مساعدة وتقنيات، يسهل الوصول إليها في كل مكان وزمان، تم تدريبهم عليها بصورة مقصودة، وتضمن ذلك كل من المعلم والمتعلم من ذوي الهمم، بما أدى لرفع كفاءة العملية التعليمية برمتها، واهتمت الوزارة أيضا بتنمية المهارات التقنية التي تزيد من فرصة الالتحاق بسوق العمل؛ فقد منحت شهادات معتمدة دولية لاحترافية الحاسب الآلي، وعلى بعض البرامج المتخصصة كالتسويق والصيانة الرقمية والتصميم وإدخال البيانات، وفي هذا الإطار الرقمي المرن دشنت الوزارة بوابة رقمية للتواصل مع ذوي الهمم، بما يمكنهم من تسجيل ما يرغبون فيه من أنشطة خاصة بهم، والتسجيل بالمنح التدريبية المخصصة لهم، ناهيك عن خدمات البريد المتطورة من كارت ذكي يسهل معه التواصل وتلبية الاحتياجات والمتطلبات اليومية أو الشهرية.
وتنفذ وزارة التضامن الاجتماعي مجموعة من الأنشطة، والخدمات والبرامج الاجتماعية والتعليمية والطبية والصحية والترفيهية والرياضية، والبرامج الإرشادية والتدريبية لذوي الهمم، وتتبنى أسلوب التـأهيل المرتكز على المجتمع لدمج ذوي الهمم بالمجتمع، والحد من الإعاقة وتقدم خدمات التشغيل لهم، ولأسرهم بأماكن تواجدهم؛ بالإضافة لصناديق الدعم الاستثمارية وكروت الخدمات المتكاملة.
وتقدم القوات المسلحة وفق مبدأ الشراكة الإيجابية الدعم اللازم لذوي الهمم؛ إذ تمنحهم الأجهزة التعويضية، وتلحقهم بالوظائف المناسبة، وتجري لهم العمليات والعلاج اللازم لهم، وتسهل لهم ارتياد الأماكن الاجتماعية الخاصة بالمؤسسة العسكرية، وتمنحهم التكريم الذي يرفع من روحهم المعنوية ويزيد من دافعيتهم نحو النهضة والبناء والتميز.
وأصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قراراتٍ غير مسبوقة خاصة بذوي الهمم؛ حيث إتاحة الالتحاق بجميع الكليات، وتخفيض الحد الأدنى للالتحاق ببعضها، وصولا بإلغاء المصروفات الدراسية ورسوم الإقامة بالمدن الجامعية، فضلا عن المنح الدراسية المجانية بالجامعات؛ بالإضافة إلى الاهتمام البحثي بذوي الهمم، والعمل على تطوير مهاراتهم، ومن ثم دشنت الوزارة المؤتمرات المعنية بهم بصورة وظيفية.
وما توليه الجمهورية الجديدة من رعاية خاصة لذوي الهمم يؤكد على أنهم يمتلكون إرادة وتحديًا تجعلهم عناصر منتجة في مجتمعاتهم، ومن ثم يحق لهم شغل الوظائف المناسبة لهم، ليحققوا عائدات تفوق التصورات أو التوقعات، ويرجع ذلك للطاقة الكامنة التي يمتلكونها والرغبة في الحياة بغية الشراكة في الإعمار في شتى مجالات الحياة؛ لذا فإن حرص الدولة متمثلة في قيادتها السياسية يدل على الوعي الإيجابي نحو استثمار الموارد البشرية بكل طبقاتها وتنوعاتها وبالأخص ذوي الهمم، إشارة واضحة للبُعد الإنساني الذي أضحى معلنًا لدى القيادة السياسية.
ومن هنا نستطيع القول بأن النظرة السلبية من قِبل المجتمع تجاه ذوي الهمم باتت منعدمة؛ وحلّ محلها نظرة إيجابية واعية، ساهمت فيها الرعاية المؤسسية والمجتمعية المتكاملة، والتي غدت نموذجًا يُحتذى به في التعامل مع ذوي الهمم وتلبية احتياجاتهم الآنية والمستقبلية وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عما يمتلكون من مواهب؛ فالدولة وضعت القوانين والتشريعات وحرصت على تفعيلها، بما أدى إلى إيجاد المناخ الداعم لرعاية ذوي الهمم في شتى المجالات العلمية والعملية والحياتية.
وفي هذا المضمار يمكننا القول بأن توافق وتكيف ذوي الهمم يقوم على تلبية احتياجاتهم الأولية؛ بيولوجية أو فسيولوجية أو نفسية، ويأتي في مقدمة ذلك الشعور بالحب والاهتمام والاحتواء ليحيا الفرد في أمن وأمان مجتمعي ويسعى جاهدًا ليحقق ذاته وفق شعور بالولاء والانتماء لوطنه ومؤسساته المختلفة، ومن ثم يحدث مشاركة فعالة تساعد في بناء ونهضة المجتمع الذي يحيا فيه.
وفي الحقيقة لا يغيب الدور الإعلامي بشأن التوعية باحتياجات ذوي الهمم والقضايا الحياتية المرتبطة بهم؛ فقد بدت الصورة واضحة من خلال تناول الإعلام ما يخص جميع فئات ذوي الهمم وطبيعتها وخصائصها وحقوقها، وعلى سبيل المثال فقد كرثت الدراما المصرية الصورة الإيجابية لذوي الهمم لدى الجمهور، وركزت على صور الدمج لهم باعتبارهم من نسيج المجتمع، الذين يستحقون الرعاية والاهتمام المتلازمين.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن رقي جمهوريتنا الجديدة مرهون بمقدرة مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية منها، بل والمجتمع بأسره على استيعاب ذوي الهمم وتلبية الاحتياجات والمتطلبات ليصبحوا رافدًا من روافد التنمية غير معطلين أو مستهلكين، كونهم يمتلكون المقدرة والإرادة على مواجهة التحدي، حفظ الله أبناء الأمة ووفق قيادتنا السياسية لسبل الخير والرشاد.