قال الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر، إننا نجتمع اليوم فى هذا المحفل العلمى لنختم كتابا فى «علم الحديث الشريف»، وهو كتاب «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث»، لشمس الدين السخاوى، وهو مصنف عالى الرتبة بين التآليف فى علم الاصطلاح، ومن المقرر أن مصطلح علم الحديث هو أحد العلوم الخادمة للنصوص الشرعية، فهو يؤصل لقواعد قبول المرويات الحديثة، وهذا أمر فى غاية الأهمية؛ لما له من أثر فى صيانة السنة النبوية الشريفة من الدخيل.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته فى فعاليات المجلس الحديثى بالجامع الأزهر لختم كتاب «فتح المغيث»: علم الحديث من العلوم التي أنتجها العقل المسلم لتوثيق النقول، والتثبت من الأخبار؛ إعمالا لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6]، ويأتي هذا الكتاب لبنة في هذا الصرح الشامخ الذي شيده جهابذة النقاد من علماء الحديث الشريف، وهو كتاب جرت عادة المحدثين على قراءته ومدارسته في أروقة العلم وجامعاته في الدنيا شرقا وغربا.
وأوضح الدكتور الضويني، أن كتاب «فتح المغيث» يمثل موسوعة حديثة كبرى في علوم الحديث؛ بل هو أوسع كتب مصطلح الحديث تأصيلا وبيانا لقواعده، وقد علت همة مؤلفه الإمام شمس الدين السخاوي رحمه الله تعالى بإزاء علو همة ناظم الألفية الحديثة المسماة بـ«التبصرة والتذكرة » حيث الإمام الحافظ العراقي، الذى أراد أن ينظم كتاب «علوم الحديث» لابن الصلاح -رحمه الله- في هذه الألفية المباركة، ثم جاء كتاب «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث»، للإمام السخاوى شارحا، و شاهدا -للأئمة الثلاثة: ابن الصلاح، والحافظ العراقي، ولمؤلفه السخاوي -بكمال عنايتهم وتمام خدمتهم للحديث الشريف وعلومه.
وأردف وكيل الأزهر، أن ما يسعد الخاطر، ويسر الفؤاد أن قام بشرح هذا الكتاب بين أروقة الأزهر وأعمدته علم من أعلام الحديث بالأزهر الشريف، فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، عضو هيئة كبار العلماء، وقد استغرق في شرح هذا الكتاب قرابة عشر سنوات لم ينقطع عطاؤه العلمى عن طلاب العلم وشداة المعرفة، وقد كتب الله لدرسه القبول التام فأصبح الدرس محط نظر وعناية لدى طلاب الحديث الشريف في كل مكان، وانتفع الطلاب والباحثون بآرائه المنهجية، ونقداته الحديثة، واختياراته العلمية التي تدل على سعة اطلاع، وطول باع، وفهم عميق ومعرفة دقيقة لعلل الأخبار، ورواة الآثار.
وبيّن وكيل الأزهر أن عقد مجالس ختم كتب العلم -لا سيما الحديث الشريف- سُنة درج عليها العلماء عبر القرون، وقد اشتهرت بصورة واضحة في القرن التاسع الهجري، فقد ألف الإمام ابن الجزري كتابا في ختم مسند الإمام أحمد، وجاء الحافظ ابن ناصر الدين فألف ختما على صحيحي البخاري ومسلم، كما أن الإمام السخاوي الذي نحتفي بختم كتابه اليوم قد شارك في هذا النوع من التصنيف، فألف ثلاثة عشر كتابا في هذا الباب، مضيفا أننا إذ نقيم هذا الختم المبارك في الجامع الأزهر الشريف؛ فإنما نفعل ذلك وفاء وعرفانا لما قام به هذا الإمام النبيل من جهود حثيثة في هذا الباب، وإحياء لهذه العادة العلمية الكريمة.
وأكد الدكتور الضوينى، أن دور الأزهر الشريف واضح جلي في صناعة العلم، وتكوين الثقافة الإسلامية الصحيحة، ومواجهة الخرافة، وألوان العنف والتطرف، حيث يأتي هذا المجلس دليلا وشاهدا على ذلك، كما أن هذا المجلس بالإضافة إلى المحاضرات الحديثية بالجامعة، وبأروقة الأزهر في كل مكان يؤكد بحق أن الأزهر الشريف يولي السنة النبوية الشريفة عناية فائقة في بابي الرواية والدراية، وأن علماء الأزهر هم أحد بناة صروح العلم، بصبرهم وجلدهم على تعليم العلم ونشره؛ يبتغون بذلك فضلا من الله ورضوانا ، إنهم يحافظون بذلك على العقول من نزق فكرة متشددة، أو رؤية منحرفة متحللة، ويحافظون بذلك أيضا على أوطانهم ويسعون في رعايتها وبنائها ورقيها.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه قد تجلى دور الرواق الأزهري في نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، والتوعية الدينية المخلصة، والحفاظ على لغة القرآن، وتراث الأمة المجيد، من خلال ما نشهده من حراك ثقافي ومعرفي في عهد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ، فمنذ أن وجه فضيلته بإعادة تفعيل دور الأروقة عام 2014م، رأينا هذه الجهود العلمية بالجامع الأزهر، وأروقته من خلال هذه الأنشطة العلمية المتنوعة، والدروس النافعة، والملتقيات الهادفة، وهذا الدرس أحد ثمرات هذا التوجيه الكريم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة