عندما بدأ الحوار الوطنى، وجدت الدعوة تأييدا وإقبالا من تيارات سياسية ومدنية وأهلية، وكانت الدعوة واضحة بأنها تشمل كل التيارات والأطراف من دون استبعاد، سعيا لرسم خارطة المستقبل، وإتاحة المزيد من التنوع والانفتاح، وتوسيع المشاركة بالعمل العام سياسيا واجتماعيا، وعلى مدى شهور انعقدت جلسات وتم تلقى آلاف المطالب والأفكار، وفرزها وتصنيفها، وتوزعت على محاور سياسية واقتصادية واجتماعية.
كل من تابع جلسات الحوار الوطنى، يدرك كيف تتطور الفكرة، وتتفاعل الآراء والأفكار، فى سعى لبلورة الأفكار فى مدونات واقتراحات، هناك مشاركة واسعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، والوسط، ونجح الحوار فى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتباينة بما كشف عن مساحات من التقارب والتفاهم، وأن ما قد يبدو من اختلافات بين الأطراف والتيارات، على مواقع التواصل أو صفحات البث المباشر، هو تنوع وليس اختلافا، وأن هناك دائمًا مساحة يمكن الالتقاء فيها.
وتبلورت مطالب وتوصيات تم رفعها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أكد الرئيس أنه تلقى باهتمام بالغ مجموعة من مُخرجات الحوار الوطنى، والتى تنوعت ما بين مُقترحات تشريعية، وإجراءات تنفيذية، فى كافة المحاور السياسية والاقتصادية والمجتمعية، مؤكدا إحالتها إلى الجهات المعنية بالدولة لدراستها وتطبيق ما يُمكن منها فى إطار صلاحيات الرئيس القانونية والدستورية، وأنه سيتقدم بما يستوجب منها التعديل التشريعى إلى مجلس النواب لبحث آلياتها التنفيذية والتشريعية.
والواقع أن كل من شاركوا فى الحوار، ساهموا فى إثراء الفكرة، ورسم خارطة المستقبل، حيث تم طرح الكثير من المطالب المعلقة على مدى سنوات، بجانب الاتجاه لإجراء إصلاحات فى قوانين الممارسة السياسية، والعمل الأهلى، والاقتصاد والتعليم والصحة.
وتم بناء جسور ثقة تسمح بالكثير من الخطوات على طريق رسم خرائط المستقبل، وكان هناك انفتاح من الدولة على الجميع، والاستجابة لمطالب عاجلة، منذ تفعيل لجنة العفو الرئاسى، وخروج آلاف، ودمجهم فى أعمال أو مواقع، وكل خطوة تتم تمثل مكسبا للمستقبل.
طبعا منذ البداية انقسمت التيارات السياسية - كالعادة - إلى مؤيدين لهذه المبادرة، ومتحفظين، وحتى معارضين، هناك فصيل بقى عند مرحلة «لا نشارك ولكن نتكلم»، وهو تيار معروف فى العمل السياسى يمينا ويسارا، يفضل الانسحاب المريح، ويظل عند نقطة الكلام، بالتهوين أو التهويل، وإصدار أحكام بالإدانة أو البراءة، والمفارقة أن هذا النوع، يضع نفسه فوق المشاركين، ويستخدم مصطلحات مثل «أنتم ونحن» وهى صيغة معروف مصدرها، لا تخلو من تعال وادعاء معرفة، ضمن ظاهرة سوشيالية معروفة بحثا عن «لايكات وموافقات وليس نقاشا».
والحقيقة أننى كلما كتبت فى هذا الموضوع أتلقى تفاعلا من اتجاهات مختلفة، ومنها آراء رافضة لكنها محترمة ربما لديها رهانات أو مطالب مختلفة، لكن هناك لجانا جاهزة لإطلاق شتائم أو تهجمات، تختفى وراء أسماء وحسابات مجهلة أو مستعارة، وهؤلاء لا يعول عليهم لأنهم ليسوا أصحاب رأى رافض أو معارض، لكن يقومون بدور مرسوم لهم.
وهؤلاء يختلفون عمن يطرحون وجهات نظر هى بالفعل متحققة بدرجة ما، مثل رد تلقيته من مواطن قال إن «الحوار الوطنى حتى يكون ناجحا يجب أن يسع الجميع والاستماع لرأى الجميع ليكون أكثر اتساعا وتنوعًا بمعنى أن يكون هناك أذن تسمع رأى الشارع ربما يكون هناك رأى أو فكرة نافعة للبلاد والعباد الأفكار ليست حكرا على طبقة معينة»، والمفارقة أنه يطالب بما هو متحقق كليا أو جزئيا، وهو رأى قد يبدو صاحبه غير متابع لكنه رأى يستحق الاحترام، بينما هناك آخرون كانوا يرون الحوار مجرد استهلاك للوقت، أو تسلية، ربما هؤلاء فوجئوا بالتوصيات والاستجابة.
الشاهد أن هناك من لم يكتف بالمقاطعة المريحة، لكنه يهاجم المشاركين، من دون أن يقدم أى وجهة نظر غير البقاء عند نفس النقطة، وبعضهم لا يعرف الفرق بين كتابة بوست على مواقع التواصل ومناقشة قضايا معقدة كل منها تتضمن تفاصيل، وأن الأفضل هو بناء تجارب تناسب كل مجتمع، وليس تكرار البقاء فى المكان.