يعتبر شجر الجميز من الأشجار القديمة والمعمرة التى عرفها الناس منذ بدايات التاريخ البشرى، ولا زالت بعض أشجار الجميز شامخة صامدة بقرى محافظة الشرقية تروى بصمودها تاريخ الأجداد والآباء، وكانت شجرة الجميز من أهم معالم التراث الريفى بمحافظات مصر، لما لها من ذكريات محفورة فى الأذهان وتحت ظلها تغنى الأجداد والآباء أغانى الصبر والفرح والحزن، فجميع قصص الحب قديما كانت الجميزة شاهدة عليها، وقد ترجمت ذلك المطربة الشعبية " حورية حسنفى أغنيتها "جميزة دار العمدة"، وكان قديما شجر الجميز يتقدم كل منزل أو دوار عمدة، وساهم ذلك فى تهدئة النفوس والتخفيف من وطأة الخلافات ونشر الرضا فى قلوب الأهالى فعاشوا حياة سعيدة هنيئة.
ويحكى "محمود فهيم" من شباب مركز ديرب نجم، وباحث فى التاريخ المصرى، عن ذكرياته مع شجرة الجميز، قائلا: "نشأت فى الريف طفلا كآخر جيل عاصر شجر الجميز الشامخ فى سماء أرياف مصر منذ آلاف السنين، بالكاد عاصرت شجرتين جميز أو ثلاثة فى محيط قريتى والقرى المجاورة، وفى طفولتى استأجر والدى أرضاً فى قرية مجاورة تُسقى بطمبوشة، وهى ساقية معدنية تعمل بقوة الحيوان، كنا نستيقظ مبكرا وشقيقى الأكبر "سيد" نتوجه مع شروق الشمس كعادة أهل هذا الزمان إلى الحقل، لرفع مياه النيل من الترعة لروى الزرع، ونقضى اليوم تحت ظل شجرة جميز عتيقة جدا مجاورة لطبوشة التل، نستظل بظلها ونتسلق جذوعها ونأكل من ثمارها اللذيذة كفاكهة مشبعة ومميزة المذاق، ثم نستخلص من الثمار الغير ناضجة والغير مختنة سائل أبيض قيل أنه يعالج الأمراض الجلدية، ظِل الجميز وضخامته وهدوء المكان ولعبنا فى الطين لصنع الجرارات الطينية أو عمل سيجة فى التراب ثم والأهم الطعم المميز للجميز مع مخاطرة تسلق طفل ضئيل البنيان لتلك الشجرة العملاقة ظلت ذكريات محفورة فى ثنايا عقلى حتى أخذتنا الدنيا".
ويستطرد: من فترة زرانى أصدقاء لى أجانب من شمال أوروبا، فسألونى على شجر الجميز لما لا نراه فى ربوع مصر وعلى رؤوس الترع زى زمان، واخبرونى انها شجرة مصرية اصيلة قدسها قدماء المصريون وعرفوا لها فضلها فزرعوها فى كل مكان ليستفيدوا من خشبها خفيف الوزن فى صنع المراكب النيلية، وفى صنع توابيت الملوك الرائعة نظراً لأنها لينة طيعة فى النقش والتلوين، ما فاجأنى به درايتهم بهذه المعلومات عن بلادنا وحضارتنا وتاريخنا وثقافتنا وبقى لنا جميزتين على بعد خمسة كيلومترات من قريتى زرتها انا واصدقائى الاجانب وازورها كل حين، آكل من ثمارها فاتذكر الطعم الذى علق بذهنى من ايام طمبوشة التل فيؤلمنى الحنين للماضى، ازورها فى شهرى اغسطس واكتوبر وهما شهرى الإثمار لأنواع الجميز المصرى، الذى نحلم أن يعود اليوم الذى يعتز فيه المصريون بالجميز مرة اخرى فيعودوا لزراعته والاعتناء به.
فيما يتذكر الشاب "محمد عراقى" من أبناء قرية عودة سالم ذكرياته مع تلك الشجرة، قائلا: لم يكن بقريتنا عودة سالم التابعة لمركز ديرب نجم، مدرسة إعدادية فترة دراستى فى تلك المرحلة، كنت أذهب مع زملائى للدراسة بقرية ديرب السوق، وفى طريقنا للمدرسة كانت توجد شجرة جميز مازالت شامخة حتى اليوم، عمرها يزيد على 100 سنة، وكنا نأكل منها أثناء عودتنا من المدرسة، وكان زمان الفلاحيين يحرصوا على خدمتها وتختيمها لان الجميز بيحتاج تختيم لكى يحتفظ بنسبة السكر فى طعمه، وأخر حد كان بيخدم الشجرة دى اسمه العم عبده ومن بعده العم عوض ومن بعدهما لم يعد احد يختمها.
فيما يسترجع "محمد فيهم" من أبناء قرية سنهوت مركز منيا القمح، ذكرياته مع شجرة الجميز، قائلا: لم أكن أعلم أنها مازالت باقية شامخة راسخة تضرب بجذورها فى أعماق الأرض ويصر الطين على ألا تغادره إلا يوم النفخ فى الصور، رحت المس جذعها الناعم بيد وبيدى الأخرى يد صغيرى أحكى له عن شموخ جميزة قريتى وتاريخها العريق وشموخها الذى تستمده من شموخ أرض مصر وثمارها التى طالما كانت لى ولأقرانى الطعام والفاكهة والفرحة وحتى الشجار بيننا حول الناضج من الثمار، دعوت الله أن يطيل عمر شجرتى ليأكل منها ابنى وأحفادى وأحفادهم وتظل عنوانا للشموخ ودليلا على أن أرض بلادى لن ينضب منها الخير ولن يجوع فيها طير أو حيوان أو إنسان.
وقالت "حنان بشلاوي" باحث تغذية علاجية بقسم الأغذية الخاصة والتغذية معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، إن شجرة الجميز من أقدم الأشجار القديمة وعلاقتها بالفراعنة، حيث وجدت أوراقها بمقابر الفراعنة، كما أن كل شئ بالشجرة مفيد من الأوراق والثمار واللحام الخشب للشجرة حيث تتشابه مع ثمار التين إلا أن الجميز أقل بنسبة السكريات حيث تحتوى ثمار الجميز على العديد من الأملاح المعدنية والفيتامينات والمواد الكيميائية الطبيعية والسكريات الطبيعية، كما يحتوى على الزنك والمغنسيوم والحديد والنحاس والكالسيوم كما أنه ملين للمعدة والأمعاء وطارد للغازات لاحتوائه على الألياف الطبيعة الذائبة، ومقوى لجهاز المناعة لاحتوائه على الزنك، ومقوى للعظام ومرضى السكرى لاحتوائه على المغنيسيوم والايودين، كذلك الأمر منشط للجهاز العصبى لاحتوائه على الكولين والقدرة العقلية والذكاء، كما أنه أوراقه مفيدة فى حال استخدامها بعد الغلى طارد للبلغم ويقلل من نسبة السعال والكحة ونزلات البرد، ومضاد للالتهابات والجروح وموسع للشعب الهوائية، ويعطى نضارة للبشرة وازالة البقع الجلدية والصدفية، كما أنه يستخدم كترياق لدغ الحشرات والبعوض.
وقال المهندس على لاشين، وكيل وزارة الشرقية السابق، إن ريف مصر الجميل كان زمان له طعم ثانى، كل شجر مثمر كان متاح للجميع ومباح للجميع وبنفس راضية على سبيل المثال الجميز والجوافة والتوت، وكان من عادات المزارعين أنهم يقومون بوخز ثمار التين بسكين بإحداث جرح فى الثمرة وعندما يتلون الجرح باللون الأسود يدل ذلك على نضج الثمرة، كذلك كان المزارع الذى يمتلك شجرة مثمرة يقوم بجمع المحصول بصفة يومية ويقوم بتوزيعها على الجيران والأصدقاء بروح مصرية جميلة، وكانت متعنتا كأطفال أن نصعد إلى أعلى الشجرة ونننقى أفضل الثمار.
فيما قال المهندس "صبرى فرحات" نقيب الزراعيين بمركز ديرب نجم، أن شجر الجميز قديم ومعمر وكان يزرع قديما ولكن لا يوجد تحديث لزراعته حاليا الشجر الموجود حاليا منزرع قديما لم يتم زراعته كمشروع استثمارى، وله فوائد عديدة، وما يوجد حاليا من أشجار بعدد من قرى محافظة الشرقية هى أشجار معمرة زرعها الأجداد وزالت شامخة صادمة.
ويقول الدكتور "مصطفى شوقى" مدير عام آثار الشرقية للآثار الإسلامية والقبطية، إن الجميز من الأشجار المصرية التى حرص المصريون القدماء على زراعتها للزينة وصنع المراكب والأثاث الجنائزى، وقدسها الفراعنة واتخذوها رمزا للقوة والخلود وأصلها نوبى من بلاد النوبة جنوب مصر، وشجرة الجميز من الأشجار المعمرة قد يصل عمرها إلى 100 عاما واسمها العلمى السيكامور وهى من جنس التين ومن المعروف أن اوزوريس دفن فى تابوت من شجر الجميز، كما نجد أن أشجار الجميز انتشرت رسوماتها على مقابر الاسرة الثانية عشر وقد حملت ايزيس وحتحور ونوت لقب اسيرة الجميز.
شجرة الجميز (1)
شجرة الجميز (2)
شجرة الجميز (3)
شجرة الجميز (4)
شجرة الجميز (5)
شجرة الجميز (6)
شجرة الجميز (7)
شجرة الجميز (8)
شجرة الجميز (9)
شجرة الجميز (10)
شجرة الجميز (11)
شجرة الجميز (12)
شجرة الجميز (13)
شجرة الجميز (14)
شجرة الجميز (15)
شجرة الجميز (16)
شجرة الجميز (17)
شجرة الجميز (18)