في العهد الذي وصلت فيه حجرات القربان إلى قمتها من الكمال في النقش والرسم، قضت المعتقدات الدينية أن يصنع المصرى القديم لنفسه قبل مماته تمثالًا أو تماثيل توضع معه في القبر كما كانت توضع أحيانًا لأفراد أسرته، تعرف بتمثال أو تماثيل القرين، ويتم وضع القرين لتحل فيه روحه المادية إذا حدث لجثته تلف أو عطب، أو اختفت لأي سبب ما حتى يحيا منعمًا في قبره، والظاهر أن هذه التماثيل أخذ عددها في الزيادة تبعًا لثراء صاحب المقبرة لأنه كان يخاف أن يتلف بعضها فلا تجد القرين لها مأوى، فكان يصنع عددًا عظيمًا منها بصفة احتياطية حتى إننا وجدنا أحد عظماء القوم قد صنع لنفسه أكثر من مائة تمثال، فكان في ذلك يحاكي الملوك، حسب ما جاء فى موسوعة مصر القديمة للدكتور سليم حسن.
تماثيل القرين
كما ظهر منذ عهد الأسرة الرابعة أن علية القوم أخذوا يحتاطون لأنفسهم احتياطًا آخر، وذلك أنهم زيادة على رسم أصحاب الحرف والصناعات على جدران مقابرهم لخدمتهم في الآخرة، أخذوا ينحتونها من الحجر الجيرى الأبيض، ويصنعونها من الخشب، فنجد بجانب المتوفى تماثيل عجانته، وصانع فخاره وصانع جعته، وخبازته، وطاهيته، وطحانه.
كل هذه التماثيل كانت تصنع بشكل خشن مما يمكن الفنان الحديث أن يلمس فيها صدق التعبير، إذ لم تكن خشونتها لانتسابها إلى حثالة القوم، بل لتمثيل شكلهم وزيهم الحقيقي وتقاطيعهم الغليظة، وهنا نجد أن الفنان كان يرخي لنفسه العنان، فكان يمثل كل صانع بجلسته الخاصة وأمامه المادة التي يصنعها ممثلة معه في الحجر، كما يقول الدكتور سليم حسن، وقد كانت مستلزمات الفن تفرض عليه أحيانًا أن يخرج عن حد المألوف في وضع التمثال، ولا أدل على ذلك من الوضع الذي وجدنا عليه تمثالًا جالسًا أمام موقد وقد لفت رأسه تفاديًا من الدخان الذي كان ينبعث من الموقد، وهذا من عجائب الفن المصري من جهة الخروج عن الأوضاع المألوفة، وكانت كل هذه التماثيل توضع في أماكن خاصة عرفت فيما بعد بالسراديب أو بيت "الكا" (الروح المادية)، وكانت توضع في بادئ الأمر ـ كما يشاهد في ميدوم ـ في الكوة الكبيرة التي توضع فيها القرابين، وكانت هذه على شكل باب وهمي وتعتبر بأنها مقصورة ليحفظ فيها تمثال المتوفى، وربما نقل الأفراد ذلك عن الملوك الذين يصنعون لأنفسهم تماثيل للقرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة