ناهد صلاح

هجّان.. رحلة أبو بكر شوقي في ربوع السعودية

السبت، 05 أغسطس 2023 12:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أول جملة تُقال عن فيلم "هجّان"، يمثل السعودية رسميًا ضمن قسم ديسكفري الذي يهتم بالأعمال الأولى والثانية للمخرجين المتميزين في الدورة الثامنة والأربعين لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي من 7 إلى 17 سبتمبر المقبل، أنه يفتح مسارًا جديدًا للسينما السعودية في إطار جهود وتحديات تؤثر بأشكال متابينة في بنية صناعة بصرية، تتبلور ويجتهد القائمون عليها لإيجاد بواعث وحوافز ثقافية وإبداعية وإنسانية لها، إذ تكشف المتتاليات السينمائية، السابقة واللاحقة على الفيلم المذكور، عن أحوال وتبدلات تثير الرغبة في التأمل وقراءة المشهد السينمائي في السعودية ليس من منظور أحادي يظهره كإنجاز طَنَّان، وإنما من زوايا متعددة تعكس جوانبًا نفسية وانفعالية وفكرية وحياتية، وعلى هذا الأساس فإن ثمة ثلاثة نقاط بارزة ربما تجيب عن سؤال: لماذا يعتبر فيلم "هجّان" فيصليًا في الاشتغال السينمائي السعودي؟.
 
النقطة الأولى تتعلق بالتعاون المصري السعودي، نتابع جميعًا الانفتاح الثقافي والفني في المملكة مؤخرًا، على إثره بدأت تزدهر مشروعات فنية مثل الشراكة السينمائية المصرية السعودية، وقد تجلت في أحد أوجهها بالتعاون الفني - التجاري الذي عقده السيناريست محمد حفظي مع إحدى الشركات السعودية لتوزيع الأعمال الفنية العربية في السوق السعودية وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هذا غير مشاركته في إنتاج فيلم "هجّان"، مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، إذ يؤسس المركز لمساحة جديدة يشارك بها في التنوير الفني والثقافي، ومنها دعمه لصناعة الأفلام وخصوصًا صنّاع الأفلام المحليين، ومساعدتهم ليرووا قصصًا سعودية أصيلة، حسب تعبير ماجد سمّان رئيس قسم الفنون المسرحية والسينما في المؤسسة، وهو أيضًا صاحب فكرة الفيلم، بدا هذا واضحًا في تصريحه: "مهمتنا هي دعم صناعة السينما المتنامية في المملكة العربية السعودية من خلال رعاية المواهب المحلية وتعزيز إنشاء المحتوى السينمائي"، وهو ما أكدته إنتاجات (إثراء) المتتالية مثل: "طريق الوادي" إخراج خالد فهد،"أُرجيحة" إخراج رنيم المهندس، "رقم هاتف قديم" إخراج علي سعيد، إضافة إلى إقامة مهرجان أفلام السعودية سنويًا بتنظيم من جمعية السينما وبدعم من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة.
 
يأت "هجّان"، وكان اسمه السابق "بحر الرمال"، استكمالًا لإنتاجات إثراء والتعاون المصري/ السعودي الذي لا يتمثل فقط في المنتج المنفذ محمد حفظي، إنما كذلك في مشاركة السيناريست المصري عمر شامة مع السعودي مفرج المجفل في كتابة السيناريو بالتعاون مع المخرج المصري أبو بكر شوقي، ليكون النتاج النهائي فيلمًا يقوم ببطولته نخبة من ممثلي السعودية: عبد المحسن النمر، إبراهيم الحساوي، عمر العطاوي، الشيماء طيب، عزام النمر، تولين بربود، ويحكي قصة شديدة الخصوصية مستوحاة من الأجوا الثقافية والتراثية السعودية. 
 
من هنا ندلف إلى النقطة الثانية والتي تخص المخرج وطبيعة الفيلم ذاته، فهاهو أبو بكر شوقي بعد نحو خمس سنوات من تقديمه لفيلمه الأول "يوم الدين" (2018)، الفيلم الذي لاقى احتفاء كبيرًا ورصد رحلة مريض الجذام المتعافي في ربوع مصر، يعود اليوم بفيلم سعودي يرصد رحلة أخرى مع صبي وجملٍ في ربوع المملكة، يقطعانها عبر الصحراء، ليجد الطفل نفسه داخل عالم سباقات الهجن دون قصدٍ، مطالبًا بأن يفعل كل ما في وسعه من أجل البقاء. 
 
 عودة أبو بكر شوقي تسبقها تصريحه الصحفي بأن الفيلم الثاني هو الأصعب للمخرج وليس الأول، قد يفسر التصريح تأخر المخرج طيلة هذه السنوات في تقديم خطوته الثانية، التأخر الذي تندر عليه البعض بأن "يوم الدين" هو "بيضة الديك"، أى أنه أمر مثل المعجزة تحدث مرة واحدة فى العمر، قد يكون التباطؤ في مشوار أبو بكر شوقي مقصودًا كجزء من شخصيته الفنية المتمهلة أو لعدم توفر الفرصة الملائمة له، فهل "هجّان" فيلمه الثاني هو الأصعب فعلًا؟.. ربما هذا ما سنكتشفه قريبًا بعد المشاهدة، لكننا في كل الأحوال بصدد فيلم يتشابه مع سابقه بأنه فيلم نوعي بمثابة أرض جديدة تطأها السينما، أرض حافلة بالمغامرة والاكتشاف، تحتاج إلى المزيد من الحرص في خوضه، واحد من أفلام الطريق يشهد رحلة البطل من مكان إلى مكان، والتحول الذي يمر به خلال هذه الرحلة، )تم التصوير منطقة تبوك على ساحل البحر الأحمر، شمال غرب المملكة، وهي منطقة غنية بالمناظر الطبيعية، والتراث، بالإضافة إلى تصوير بعض المشاهد في الأردن(، وبالتالي نحن ننتظر خلال هذه الرحلة، أن نرى الأماكن على مستوى الصورة وكذلك على المستوى الدرامي، يتم توظيفها بصريًا ودراميًّا بما يجعلها تترك أثرها على المُشاهد.
 
لعل تصريحًا آخر للمخرج يشي بأنه سيقدم تجربة مترعة بالتفاصيل الساحرة:" الغوص في الطبيعة أشبه بالإبحار وهنا نستكشف مواهب مواطن العمل الدرامي الواعد، فالعمل يمكنني القول بانه قصيدة للصحراء وكيفية التغني بها"، قد يبدو التصريح مثيرًا للشغف الفني من صانعي الفيلم والتعطش والولع الجماهيري بتجربة فنية تحمل في طياتها العناصر الجمالية والدرامية والإنسانية، فضلًا عن المتعة سواء في سرد الحكاية أو تكوين الصورة، لا سيما أن الحكاية تتشكل بمحورية الارتباط الوجداني ما بين الصبي "مطر" وجمله، ومواجهتهما على الطريق تحديًا وصراعًا عميقًا، والكثير من التفاصيل المفعمة بالدهشة والتنويعات النفسية والإنسانية المستلهمة والمتدفقة من البيئة، أو هذا ما نأمله.
 
أما النقطة الثالثة فتشير إلى الحضور السعودي في المهرجانات الدولية، سواء بأفلامها كما "هجّان" في تورنتو، أو برعاية فعاليات فنية عدة كما حدث مؤخرًا في مهرجان كان، حيث بدا أن السعودية تتبع استراتيجية منظمة للتوسع في الصناعة والانفتاح على الآخر، وهذا في رأيي يعد إنجازًا يستفيد منه الجميع، فالصناعة هنا لا تتوقف على السينمائيين السعوديين وحدهم إنما تشمل أطراف عدة، والمستفيد الحقيقي هو السينما التي تتسع مساحتها محليًا ودوليًا، وكذلك الجمهور الذي يصبو إلى فضاء سينمائي مفتوح على كل التجارب، إنها مرحلة جديدة كان يصعب حدوثها قبل بضعة سنوات فقط، لذا فمن البديهي الاحتفاء بتغيير نبتغيه يسهم في تشكيل سينمائي يصنع علامة مميزة في واقعنا السينمائي العربي.
 
يبقى أن "هجّان" تشير مؤشراته الأولى إلى أنه تجربة جديدة، سواء على مستوى الموضوع أو التنفيذ، نترقب عرضها القريب ليس من باب المزايدة بأنه الفيلم المختلف أو المغاير أو حتى الفيلم الثاني الأفضل بالنسبة لمخرجه، لكن بغرض التعرف على ملامح هذه التجربة وبتطلع طبيعي إلى فيلم المفترض أنه يعتمد على دراما الشخصية والمكان، ويتخذ منحى واقعيًا وإنسانيًّا.








الموضوعات المتعلقة

لماذا يتهافتون على "أوبنهايمر"؟

الإثنين، 31 يوليو 2023 12:49 م

في حذائي.. للحدوتة وجه آخر

الخميس، 20 يوليو 2023 04:00 م

شوف عمل إيه فينا الذكاء الاصطناعى!

الثلاثاء، 18 يوليو 2023 01:40 م

عمر الشريف.. كأنه وُلد على مركب

الإثنين، 10 يوليو 2023 01:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة