في عام 2018 تم إقرار القانون رقم 180 بشأن تنظيم وتقنين الأوضاع القانونية للقنوات الفضائية الخاصة واستصدار التراخيص اللازمة لمزاولة البث الفضائي
ومع تطبيق القانون أصدر المجلس الأعلى للإعلام في مصر نموذجا لترخيص ممارسة العمل الإعلامي يتضمن 11 بندا أو شرطا منها، اسم القناة، اسم الشركة، اسم رئيس مجلس الإدارة وجنسيته، أعضاء مجلس الإدارة، اسم مدير البرامج على أن تكون جنسيته مصري، ومسؤول البث وجنسيته، كما تضمنت بيانات نموذج الترخيص، قيمة رأس المال المرخص به، ونوعية ما تقدمه القناة سواء قناة عامة أو إخبارية أو متخصصة والجمهور المستهدف، كما اشترط النموذج إرفاق النظام الأساسي حال وجوده أو يستكمل في مدة لا تزيد عن أسبوعين، وأن يكون طلب الترخيص ممهورا بتوقيع رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام.
وكطبيعة الأمور لدينا بدأ المجلس ومع صدور القانون في مخاطبة عشرات القنوات لتقنين أوضاعها وخاصة أوضاع القنوات التي كانت تبث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي لوضع حد للعبث الفضائي لقنوات ما أطلقت عليه وسائل الاعلام " قنوات بير السلم" التي تجاوز عددها في وقت من الأوقات الى أكثر من 100 قناة فضائية تبث محتوى بعيد تماما عن أخلاقيات ومواثيق الاعلام وضد الأخلاق والذوق العام وكان الهدف هو جذب أكبر عدد من المشاهدين للترويج لمواد إعلانية عن أدوية وأجهزة طبية وأطباء وشخصيات - ما أنزل الله بها من سلطان- في فك الأعمال السحر والمنشطات الجنسية والتقريب بين الأزواج والحبيب الغائب وغيرها ..
وبالفعل أظهر المجلس " العين الحمراء" بسيف القانون لهذه القنوات فاضطر عدد كبير منها الى التوقف عن البث بسبب شروط القانون وضوابطه الصارمة ورحمنا القانون من فوضى عارمة على قمر النايل سات تحت مسميات والغالبية العظمى منها لبث الأفلام السينمائية كوسيلة جاذبة للمشاهدين لكن الهدف والغرض الأساسي بث مواد إعلانية تجلب ملايين الجنيهات لصاحب أو أصحاب القناة مهما كان طبيعة المحتوى أو المادة الاعلانية التي تبثها القناة وتتنافى مع الاخلاقيات العامة والضوابط الاجتماعية وتخالف القانون العام.
لكن في الشهور الأخيرة عادت ريمة الى نشاطها القديم مرة آخرى على مرآى ومسمع من الجميع سواء مسئولين أو مشاهدين وبدأت قنوات – يقترب عددها من حوالي 10 قنوات- تبث إعلانات غريبة وعجيبة وتصل الى مرحلة الاستفزاز ... فبين مشاهد الأفلام يظهر مكان لا نعرف موقعه على خريطة مصر يتسم بالفقر والعوز وتدور الكاميرا بين أزقته لتبين احتياجه الشديد لأبسط أمور الحياة ويصاحب الصورة صوت شديد الازعاج يستخدم الخطاب الديني بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية لحث المشاهدين بالتبرع على أرقام هواتف تهر على الشاشة أو عبر أدوات التبرع ووسائل السريع
وامعانا في الضغط على مشاعر المشاهد تظهر الكاميرا بعض من الأهالي الذي من المفترض انهم ينتمون الى هذا المكان العشوائي المجهول زهم يكادون أن يبكون ويذرفون دموع الاستعطاف والرحمة.. ثم يأتي الدور على أحد الأشخاص يرتدى الي الرسمي لعلماء الدين والمشايخ مخاطبا المشاهدين بأسلوب جميل ولغة دينية تحمل تهديدا مبطنا بالويل والثبور وعظائم الأمور يوم القيامة اذا لم يتبرع المشاهد لهذا المكان غير المعلوم بمياه الشرب أو بناء مسجد فيه.
على مدار الشهور القليلة الماضية وأنا أتابع هذه القنوات على أمل أن يكون هناك أيضا من الجهات الرقابية المعنية وخاصة المجلس الأعلى للإعلام من يراقب هذه القنوات ويسارع الى تطبيق القانون ووقفها عن البث.
هذه القنوات تبث مواد إعلانية مريبة خارج سياق ما تقوم به الجمهورية الجديدة للدولة المصرية من مجهودات مهولة للقضاء على العشوائيات وتطوير المناطق الأكثر احتياجا من خلال أضخم مشروع انساني في العالم وهو مبادرة" حياة كريمة" الذي يستهدف المناطق والقرى الأكثر فقرا في مصر للارتقاء وتحسين معيشة ما يقرب من 60 مليون شخص يعيشون في ريف مصر في الصعيد ووجه بحري وفق خطة مدروسة على مراحل زمنية محددة وضعت حدا للعشوائية في التطوير وجمع التبرعات بعيد عن أعين الدولة والجهات الرقابية فيها.
فالمواد الاعلانية التي تبثها هذه القنوات تسيئ – سواء بصورة متعمدة ولأغراض مشبوهة أو بحسن نية – الى ما تبذله الدولة من أعمال لتطوير الريف المصري بداية من القرى والأماكن الأكثر فقرا واحتياجا ومدها بكافة وسائل الحياة الكريمة. فأين هذه الأماكن التي تعلن عنها هذه القنوات ومن هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون الأزهري .. ولماذا لم يلجأ هؤلاء الى المسئولين عن " حياة كريمة" المتواجدون في كل أنحاء مصر .. ومن صرح لهؤلاء بجمع التبرعات وأين تذهب هذه الأموال ..؟