تعامل مع كبار الملحنين ومنهم محمود الشريف وفؤاد حلمى وعبدالعزيز محمود وجلال حرب ومحمد قابيل.. وكتب له عبدالفتاح مصطفى وعبدالرحيم منصور وكمال عمار وأمين قاعود
«شى الله يا مرسى يا أبو العباس
مدد يا سيدى القبارى
الله يصونك يا بلدنا
يا غالية وترابك غالى
إسكندرية أم الخفة
ع البحر الأبيض تفاحة
هاتو الشبك
حلو الدفة
ويالا بينا ع الملاحة»
من يستمع الى هذه الأغنية بصوت الفنان السكندرى الكبير إبراهيم عبدالشفيع عن معشوقته ومحبوبته «الحلوة المارية اللى ترابها زعفران» لكانت كافية أن يقع فى هواها ويرتمى بين أحضان أمواجها ويتنسم عبيرها ورائحتها فى أشهى وأحلى ساعة عصارى صيفية على الكورنيش، أو حتى فى أحد الصباحات الشتوية الباردة الممتزجة برائحة اليود والملح، فقد عبر إبراهيم عبدالشفيع بالكلمات البديعة المبهجة واللحن والإيقاعات المرحة السريعة العفية عن السر الكامن فى عروس البحر «التفاحة».
غنى لها الكثير وتغزل فى جمالها ومفاتنها فى شوارعها التاريخية ومناطقها وأحيائها الشعبية وأهلها وناسها الأصلاء «الجدعان».
«بلد الرجالة بلدي
فى العين منشالة بلدى
كرموز والحضرة ودربالة
راغب وأبو قير والسيالة
رجالة وأجدع رجالة»
وغنى لحلاوتها وشقاوتها وغنى لأفراحها وزفة «عرايسها وعرسانها» حتى إن إحدى أغانيه ما زالت هى الأغنية الرسمية لحفلات الزفاف فى الإسكندرية حتى الآن
«والنبى يا جناينى تديله وردة
فوق خد العروسة وردة
والخد التانى فيه وردة
وعريسها بيقول يا جناينى
وحياتك تدينى وردة»
عندما تم افتتاح إذاعة الإسكندرية عام 1954 كان عمر الفنان إبراهيم عبدالشفيع نحو 18 عاما، فهو من مواليد 1936 بالإسكندرية فى شارع المعلم يعقوب رقم 36 بمنطقة غربال بمحرم بك وترجع جذورعائلته الأب والأم لموشا بمحافظة أسيوط وعمل والده فى أحد مصانع الزجاج فى الإسكندرية، وللفنان إبراهيم عبدالشفيع العديد من الاشقاء وتحمل والده العناء فى تربية تلك الأسرة وعندما وجد إبراهيم إعلانا عن افتتاح إذاعة فى الإسكندرية عام 1953 أسرع الخطى وقدم الطلب للغناء من خلال ميكروفون تلك الإذاعة الجديدة أغنيته الشهيرة الملاحة كلمات أمين قاعود وألحان أحمد عبدالفضيل.. «شالله يامرسى يا بو العباس مدد يا سيدى القبارى» وكان باب السعد مفتوحا حينما وقف أمام لجنة مكونة من أشهر الإذاعيين ومنهم حافظ عبدالوهاب وسعيد أبو السعد وشوقى عاصم وأحمد خميس وبابا شارو وغنى أمام اللجنة «مش قادر على بعدك» من كلمات ابن طنطا حامد الشريف وألحان ابن كفر الزيات أحمد برغوت وغنى أيضا من الأغنيات المعروفه اوف يا با وفتح الهوى الشباك.
ونجح أمام تلك اللجنة أصوات محمد نعيم وأحمد قدرى ومحمد القط وعزت عوض الله وأنور حامد والأصوات النسائية سمية وأشواق وعواطف شريف وإكرام وغيرهن وتم تكليف الملحن محمد الحماقى بعمل ألحان لصوت إبراهيم عبدالشفيع والمطرب على سليمان «والد عماد عبدالحليم ومحمد على سليمان»، واستمر فى الغناء من خلال ميكروفون الإذاعة منذ افتتاحها وحتى عام 1956 عندما نشب خلاف بينه وبين رئيس الإذاعة حافظ عبدالوهاب.
وظل بعيدا عن الإذاعة حتى عام 1967 وكان يمارس هوايته بالغناء فى الأفراح والمحلات الليلية وزادت شهرته وعاد للإذاعة بقوة وعلى أنغام الملحنين المشاهير فى الإسكندرية ومنهم محمد غنيم وصبحى شفيق، وكتب الأغانى المؤلف الشهير أحمد ملوخية وكان أول تلك الأعمال يا عين صلى ع النبى وحكاية عاشق وعلى عليوة وبدأ رحلة صياغة الألحان لأول مرة لتمثيلية على عليوة، الملاحة، جواهر، موال السمك، وأيضا سهرة الغول من غناء المطربة أمل شريف والدة المطربة أنغام وزوجة محمد على سليمان الملحن وأيضا غنت المطربة إكرام من ألحانه فى مسلسل الأسطى درويش.
انتقل إلى القاهرة بصحبة المخرج الإذاعى الكبير محمود شركس وتم اعتماده كمطرب وبعدها كملحن فى الإذاعة والتليفزيون بالقاهرة عام 1967 على يد الموسيقار مدحت عاصم.
كان أول أعماله الغنائية فى إذاعة القاهرة خماسية «عابر سبيل» أشعار عبدالرحيم منصور ألحان الفنان عبدالعزيز محمود غناء الفنان إبراهيم عبدالشفيع وكتبها السيد الشوربجى، بطولة وحيد سيف وشفيق نور الدين إخراج محمود شركس .ومسلسل «أبو الفتيان» أشعار عبد الفتاح مصطفى ألحان الموسيقار محمود الشريف غناء الفنان إبراهيم عبد الشفيع بطولة محمود ياسين ومديحة حمدى وتوفيق الدقن وعبدالرحيم الزرقانى إخراج محمود شركس.
ومسلسل «أنا وعشاق الأمل» وكان من ألحانه وغنائه وتأليف الدراما محمود على فهمى وبطولة بوسى سمير حسنى سعد أردش محمد الدفراوى سلوى محمود إخراج يوسف حجازى، ومسلسل «الأتوبيس واليويو» كتبها كمال إسماعيل ألحان الموسيقار محمود الشريف غناء الفنان إبراهيم عبدالشفيع بطولة جلال الشرقاوى وليلى طاهر وحمدى أحمد وعبدالرحيم الزرقانى رجاء حسين إخراج محمود شركس. وبرنامج «اصحى يا نايم» لإذاعة البرنامج العام كتبه عبده يوسف ألحان محمود مندور غناء الفنان إبراهيم عبدالشفيع إخراج محمود شركس.
ومسلسل «بحر الانفوشى» ألحان وغناء إبراهيم عبدالشفيع من تأليف د.محمد بشير صفار بطولة أنور إسماعيل وعبد الرحمن أبو زهرة ومدحت مرسى وسلوى محمود وإخراج محمود يوسف، ومسلسل «قهوة الأربعين» تأليف اللواء أنور ماضى أشعار عبدالله أحمد عبد الله - ميكى ماوس - ألحان محمد عمر غناء الفنان إبراهيم عبدالشفيع بطولة سناء جميل وعلى الغندور إخراج عصام لطفى لإذاعة صوت العرب.
عمل عبد الشفيع بالأفراح والحفلات العامة فى جميع محافظات مصر كما سجل أغانى لإذاعة القاهرة منها العاشقين -بلدى الغالية- يا مرحبا- جهاد- أسمر- يا أبو الخدود تفاح- بلادى ليبيا وبلادى مصر- حكاية بحار- عشق الملاح غية - بلدى الغالية.
الفنان الكبير إبراهيم عبدالشفيع ما زالت تتذكره الأجيال القديمة والحديثة بأغنيات شعبية، حظيت بشهرة كبيرة فى فترتى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات أيضا، مثل «على عليوة»، «يا عين صلى ع النبى»، وظل صوته هو العلامة المميزة لإذاعة الإسكندرية، لفترة طويلة والتى غنى لها على مدار عشرات السنوات، مقدمات برامجها، ومسلسلاتها، بينما عرفه جمهور التليفزيون، من خلال حفلات الموسيقى العربية، التى اشتهر بها بإعادات مميزة لأغنيات منها: «يا حاسدين الناس» و«ميعاد حبيبى».. فمن الإسكندرية ومن الإذاعة تحديدا كانت بداية الشهرة والانتشار، رفض عبدالشفيع، مغادرة عروس المتوسط، رغم العروض الفنية التى انهالت عليه فى بداية شهرته، هذا التمسك بالبقاء فى عروس البحر، هو ما منحه لقب «عاشق الإسكندرية»، الذى أطلقه عليه الإعلامى السكندرى عبدالله عبدالصبور، فى كتابه حول السيرة الذاتية للفنان.
مع محمد رشدي
لم يكن مجرد مطرب ذاع صيت أغانيه ونافس بها كبار المطربين فى الستينيات والسبعينيات بل كان ملحنا متمكنا لحن معظم أغانيه ثم انطلق ليطلب منه كبار مطربى زمن الطرب التلحين لهم، فلحن للفنان محمد العزبى أغنية «اليوم الجديد»، وللفنان ماهر العطار أغنية «طبع الأخ الأكبر»، وللفنان محمد رشدى «سألونى يا مصر» ولسمير الإسكندرانى «اسبقوا الأيام» وللفنان أحمد سامى «جمال الصبح فى عينيا» وللفنان كارم محمود أغنية «شال الحليوة» وللمطربة عايدة الشاعر «زفة فرح» وللمطربة ليلى نظمى «ماتحبش بعدنا» وإيمان الطوخى «ياحمام البرج يا طاير» ومحمد ثروت لحن أغانى «لعب الهوا، ونويت أحج وأزور» وللفنان أحمد إبراهيم أغنية «مع كل سحور، ومستحيل».
كما لحن ابراهيم عبد الشفيع للفنان الراحل عمر فتحى أغنية «بتغضبى ليه» وللمطرب الشعبى أحمد عدوية «يا تاعبنى خليك على راحتك» من فيلم ممنوع للطلبة إنتاج لسنة 1984 بطولة سمير صبرى ومها أبو عوف وشويكار.
وسجل أوبريت فرح بلدى لتليفزيون القاهرة تأليف الشاعر الكبير فتحى قورة ألحان الموسيقار فؤاد حلمى وشارك بالغناء مع الفنان أحمد سامى والفنان أحمد حمدى إخراج عبدالهادى طه كما سجل أغانى مصورة كليبات فى التليفزيون القاهرة منها يا حلوة يا أم الطرحة ويا مصر ألف سلام ووحشانى صبية والعاشقين وجهاد وأسمر وياما قال الطير وخمرية من إخراج المبدع الكبير محمد سالم كما سجل أغنية يا حاسدين الناس وأغنية ميعاد حبيبى وأغنية الحياة حلوة مع فرقة المايسترو عبدالحليم نويرة لبرنامج «الموسيقى العربية» الذى كانت تقدمه الدكتورة رتيبه الحفنى.
كما سجل أغنية وطنية غناء الفنان محمد الحلو والفنان إبراهيم عبدالشفيع والفنان مغرد حجاب لتليفزيون المصرى كما سجل أسطوانة غناء الفنانة الكبيرة حورية حسن وإبراهيم عبدالشفيع من إنتاج شركة صوت القاهرة كلمات محمد ياسين قاسم ألحان الموسيقار محمد عمر.
غنى إبراهيم عبدالشفيع لكبار شعراء الأغنية المصرية مثل عبد الفتاح مصطفى وعبدالرحيم منصور وفتحى قورة وسمير الطائر وكمال عمار وإدوارد سليمان ومحمد ذكى الملاح ومصطفى الشندويلى وعبدالله أحمد عبدالله ميكى موس وصلاح محمد على وعبد السلام بدر ومحمد ياسين قاسم وسعد عبدالرحيم وحسيب غباشى وسيف النصر محمد وعبدالمنعم كاسب ولحن له أيضا كبار الملحنين مثل محمود الشريف وفؤاد حلمى وعبدالعزيز محمود وجلال حرب والموسيقار سامى الغندور ومحمد قابيل ومحمد عمر ومحمد غنيم.
وشغل الفنان إبراهيم عبدالشفيع مناصب عديدة منها كان عضواً بمجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية بالقاهرة دورتين متتاليتين أيام النقيب المايسترو أحمد فؤاد حسن وكان عضوا بمجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين دورتين أيام الموسيقار محمد الموجى وأيام الشاعر الغنائى والإذاعى الكبير عمر بطيشة وكان عضواً لجنة الاستماع للإتحاد الاذاعه والتليفزيون وكان عضواً بمجلس إدارة المعهد العالى للموسيقى العربية أيام الفنان أحمد شفيق أبو عوف
أنجب فى حياته بعد زواجه عام 1960 اثنين، المعلق الرياضى خالد عبدالشفيع والإعلامية عبير عبدالشفيع وابن شقيقه هوالممثل والمخرج الفنان إسلام عبدالشفيع.
تم تكريم الفنان إبراهيم عبد الشفيع من وزير الثقافة الأسبق الدكتورمحمد صابر عرب ورئيس دار الأوبرا المصرية السابقة د.إيناس عبد الدايم فى مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية على مسرح سيد درويش بالاسكندرية خلال فعاليات المهرجان فى الدورة السابعة لسنة 2013.
كما تم تكريمه من جمعية وفنانى ومبدعى الإسكندرية ورئيس الجمعية المهندس عوف همام، وحصل أيضاً على عدد كبير من دروع التكريم من جهات كثيرة، منها: مكتبة الإسكندرية، هيئة الفنون والآداب، الهيئة العامة لقصور الثقافة وغيرها من الجهات وأطلق محافظ الإسكندرية الأسبق أسامة الفولى اسم الفنان إبراهيم عبد الشفيع على أحد الشوارع بمنطقة سموحة بالاسكندرية.
ظل الفنان الكبير ابراهيم عبدالشفيع يعمل مستشارا فنيا لفرق الموسيقى العربية بإقليم غرب ووسط الدلتا الثقافى، حتى عمر 75 عاما ولم يفكر فى العودة للغناء بعد اعتزاله قبل وفاته بسنوات طويلة إلا منذ سنوات قليلة عندما قرر أن يقدم استثناءً واحداً بغنائه فى حفل تكريمه بقصر التذوق بسيدى جابر، وسط تلامذته من الأجيال الشابة، الذين استغلوا المناسبة لتسجيل الحفل ونشره على موقع «يوتيوب» على شبكة الإنترنت، كما قاموا بنشر أغنياته القديمة على أحد المواقع الإلكترونية لتحميل الأغانى.
لم يعترف ابراهيم عبدالشفيع فى كل حواراته الصحفية وأحاديثه بمقولة أن الأجيال القديمة، من فنانى الثغر فى عصره تعرضت للظلم، بل يؤكد أن هذا الجيل، «أخذ حقه وزيادة»، بمعنى أنه حصل على فرصة الشهرة والنجومية، من خلال ميكروفون الإذاعة التى كانت جزءاً أساسياً من كل بيت مصرى، وكذلك الغناء فى الحفلات والكازينوهات والأفراح.
ويقول: «جيلنا وصل للجمهور وحصل على التكريم، أما الجيل الحالى من المطربين المبدعين ففرصه ضئيلة للغاية، مثلاً شباب فرق الموسيقى العربية ممتازون، لكن لا تسلط عليهم الأضواء، غير أن أجورهم رمزية تكفى فقط مواصلاتهم ولا يوجد لهم متنفس يعرفهم منه الجمهور».
وقال إن الإذاعة، بما توفره من فرز للأصوات الجيدة، بعيداً عن بهرجة الفيديو كليب وإبهار الصورة، هى الوسيلة الحقيقية للحفاظ على الطرب والتراث، وأضاف: كان زمان فيه مطرب وملحن وشاعر، الآن المطرب هو المسؤول عن كل شىء، يغنى أى كلام، وينتج لنفسه الألبومات والفيديو كليب، ورأى أن الإذاعة تراجعت بسبب قلة ميزانية الموسيقى والغناء بها، وهو ما جعلها تصبح ضد نفسها، وليس ضد الإبداع فقط، لأن جمهور الإذاعة يحب أن يستمع إلى الأغانى، وعودة الاهتمام بها هى الحل لرجوع المستمعين للإذاعة أيضاً.
لم يشعر ابراهيم عبدالشفيع بالندم على بقائه فى الثغر، بعيدا عن العاصمة، وقال: إن غياب مبدعى الإسكندرية من المقيمين بها عن الخريطة الفنية المصرية، هو عرض جديد سببه إهمال المسؤولين عنها وعدم وعيهم بدورها الفنى وكيفية استغلاله، وأضاف: المسلسلات الإذاعية المصرية بدأت فى إذاعة الإسكندرية بمسلسل «سمارة»، ويعرف الجميع أن السينما أيضا بدأت فى الإسكندرية، وكانت أغلب الأفلام تصور بها، حركة المسرح والغناء وجميع الفنون بدأت هنا، كانت دائماً مدينة سباقة فى كل شىء، وغيابها الحالى سببه سوء إدارة.
ورحل الفنان الكبير ابراهيم عبدالشفيع صباح الخميس 3 نوفمبر من العام 2022 عن عمر يناهز 86 عاما ونعته نقابة المهن الموسيقية فرع الإسكندرية، فى بيان لها،: «ببالغ الحزن والأسى نعزى أنفسنا فى وفاة علامة من علامات الفن السكندرى الأستاذ إبراهيم عبدالشفيع فى ذمة الله.. خالص تعازينا نقيبا ومجلسا وجميع العاملين بالفرع فى وفاة المغفور».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة