القمة 18 لمجموعة العشرين G20 فى نيودلهى بالهند تعقد فى ظل تحولات عالمية متعددة، فى السياسة والاقتصاد، الذى أصبح يشغل مساحات من الاهتمام بسبب ما يواجه العالم من تفاعلات وأزمات، منذ انتهاء الحرب الباردة، وسط مساع لإعادة بناء قواعد الاقتصاد والنفوذ فى العالم، بشكل أكثر توازنا خاصة مع صعود دول اقتصاديا وتصاعد طموحات الدول الناشئة مع رغبة فى بناء قدرات اقتصادية تتناسب مع هذه التفاعلات، ومن هنا يمكن النظر إلى القمة 18 لدول العشرين من خلال ما يجرى خلال السنوات الماضى داخل التكتلات الاقتصادية والتغيرات التى تجرى بشكل متسارع.
وطوال عقود كان السعى لبناء تكتلات اقتصادية تناسب طموحات الدول الصاعدة، قمة العشرين تعقد تحت شعار «أرض واحدة، وعائلة واحدة، ومستقبل واحد»، وتعقد فى ظل استقطاب عالمى، اقتصادى وسياسى، حيث ما إن انتهت أزمة فيروس كوفيد 19، حتى اندلعت الحرب فى أوكرانيا، والتى عكست مواجهة بين روسيا والغرب، بقيادة الولايات المتحدة، وهى حرب وصفها الرئيس الفرنسى ماكرون بأنها أزمة عدم يقين، بينما اعتبرها رئيس وزراء الهند أزمة عدم ثقة، حيث تنعقد القمة فى ظل استقطاب بين الدول الكبرى وتعقد القمة وسط غياب رئيسى روسيا والصين.
رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى أكد فى كلمته بافتتاح قمة العشرين أن «العالم يعانى أزمة ثقة هائلة»، وأن «الحرب عمّقت نقص الثقة، وأضاف أنه إذا كنا قادرين على مواجهة «كوفيد»، فنحن أيضا قادرون على التغلب على أزمة الثقة المتبادلة هذه».
رئيس الوزراء ناريندرا مودى ألقى خطابه مع لافتة أمامه مكتوب عليها «بهارات» بدلا من الهند، حيث تتجه الحكومة الهندية بقيادة ناريندرا مودى إلى تغيير اسم «الهند» إلى «بهارات» خلال الجلسة الخاصة للبرلمان، والمقررة فى 18 سبتمبر الجارى، و«بهارات» هى تسمية الهند باللغة المحلية، وهى مشتقة من كلمة «بهاراتام» بمعنى «أرض الجنوب»، ربما فى محاولة لإنهاء الاسم الذى ارتبط بالمرحلة الاستعمارية.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش حذّر زعماء مجموعة العشرين من أن العالم يواجه مخاطر النزاع، مع اتساع الانقسامات بين الدول، وقال عشية انعقاد القمة: «إذا كنا بالفعل أسرة عالمية واحدة، فإننا نشبه اليوم أسرة تعجز عن أداء وظيفتها على النحو الصحيح مشيرا إلى أن «الانقسامات تتزايد، والتوترات تشتعل، والثقة تتآكل، وكل هذا يهدد بالتشرذم ومن ثم المواجهة فى نهاية المطاف»، وأضاف، «عالمنا يمر بلحظة انتقالية صعبة، فالمستقبل متعدد الأقطاب، ولكن مؤسساتنا المتعددة الأطراف تعكس عصرا مضى».
قمة العشرين تعقد وسط آمال بتجاوز الوضع العالمى الصعب، خاصة أنها تنعقد بعد أيام من قمة «بريكس» الـ15، وتم طرح مطالب بضرورة تغيير النظام الاقتصادى العالمى بشكل أكثر توازنا وعدالة.
من التغيرات الجديدة هو أن الاتحاد الأفريقى أصبح رسميا، عضوا فى «مجموعة العشرين» بدعوة من رئيس وزراء الهند الذى قال فى الجلسة الافتتاحية للقمة: «بموافقة الجميع، أطلب من رئيس الاتحاد الأفريقى أن يأخذ مكانه عضوا دائما فى «مجموعة العشرين»، وبهذا يحصل الاتحاد الأفريقى، الذى يضم 55 دولة عضوا، على نفس وضع الاتحاد الأوروبى، التكتل الإقليمى الوحيد الذى يملك عضوية كاملة فى مجموعة العشرين، ووضع الاتحاد الأوروبى الحالى هو «منظمة دولية مدعوة».
وتشمل القضايا الأخرى التى يتم اتخاذ قرار بشأنها فى القمة تقديم المزيد من القروض للدول النامية من قبل المؤسسات المتعددة الأطراف، وإصلاح هيكل الديون الدولية، واللوائح المتعلقة بالعملات المشفرة وتأثير الجغرافيا السياسية على الأمن الغذائى والطاقة.
وشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال الجلسة الافتتاحية للقمة الثامنة عشر لقادة مجموعة العشرين، وأشار فى كلمته «إن تحقيق أهدافنا المشتركة، وسط تحديات غير مسبوقة تواجهنا اليوم، يتطلب منظورا شاملا، لصياغة ترتيبات مستقبلية، محورها النظام متعدد الأطراف، داعيا أعضاء مجموعة العشرين إلى معالجة اختلالات الهيكل المالى العالمى، وتطوير مؤسسات التمويل الدولية، مع وضع حلول مستدامة للمشاكل الهيكلية التى تواجهها الدول النامية، خاصة فيما يتعلق بتنامى إشكالية الديون، وتضاؤل جدوى المعونات التنموية، مقابل تعاظم مشروطيات الحصول عليها، واتساع الفجوة التمويلية لتحقيق التنمية المستدامة، والانتقال العادل إلى اقتصاد منخفض الكربون».
واستعرض الرئيس السيسى جهد وكالة الاتحاد الأفريقى للتنمية «النيباد»، والأهداف التى وضعتها فيما يتعلق بدفع التكامل الاقتصادى القارى، وتسريع تنفيذ أجندة التنمية، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية، ودعم البنية التحتية والطاقة، والاتصالات، وتأمين الغذاء، ومعالجة أزمة ديون القارة، من أجل تحقيق الاستقرار، والقدرة على مواجهة التحديات العالمية. وجدد التأكيد على أهمية مواجهة تغير المناخ، وجهود مصر أثناء رئاستها للدورة الـ27 لمؤتمر المناخ، واستضافة قمة شرم الشيخ COP27 ، داعيا لتنفيذ هذا التوصيات واضطلاع كل طرف بمسؤولياته، وتنفيذ ما تم اعتماده من قرارات، وإلا تبددت الثقة وانهارت منظومة العمل متعدد الأطراف.
مصر تحرص على طرح وجهة نظر أفريقيا، ومطالبها، فى القمة أو فى أى فعاليات دولية، بجانب دعوتها إلى توسيع التعاون الاقتصادى، والسعى لنظام اقتصادى أكثر عدالة وتوازنا، فيما يتعلق بالتنمية والديون، بما يتناسب مع طموحات الدول فى بناء تجاربها الاقتصادية المستقلة.