اختتمت قمة مجموعة العشرين G20 أعمالها، أمس الأحد، بعد يومين من المناقشات التى شارك فيها قادة 30 دولة، وكانت من أصعب القمم التى عقدت، ولعبت الهند برئاستها للقمة دورا فى انتزاع الكثير من الفتائل التى كادت تنسف القمة، منها الموقف من الحرب فى أوكرانيا، والابتعاد عن تضمين إدانة أو تبرئة من شأنها أن تهدد التوافق، وحرصت الهند على تضمين قضايا الجنوب والأزمات الاقتصادية، ولعبت البرازيل وجنوب أفريقيا دورا حاسما فى تقريب وجهات النظر، فى القمة التى وصفتها سفيتلانا لوكاش ممثلة روسيا فى المجموعة بأنها «كانت من أصعب مؤتمرات قمة المجموعة فى تاريخها الممتد إلى 20 عاما، حيث استغرق الاتفاق على الإعلان قبل القمة ما يقرب من 20 يوما وخمسة أيام هنا».
وبالرغم من الصعوبات انتهت قمة G20 بتوافق حول مجموعة من القضايا، وانضمام الاتحاد الأفريقى إلى المجموعة، وسلم رئيس الوزراء الهندى رئاسة المجموعة إلى رئيس البرازيل، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذى تستضيف بلاده قمة العشرين القادمة 2024، لتبقى فرصة أخرى للتفاعل مع مطالب الجنوب، خاصة أن كلا من الهند والبرازيل مع جنوب أفريقيا والصين وروسيا كانت ضمن تجمع «بريكس» بما أثاره من ضغط لإصلاح النظام العالمى، وضم دول جديدة، تمثل ثقلا اقتصاديا وسياسيا.
ودعا إعلان نيودلهى، بالإجماع الدول كافة لاحترام القانون الدولى والسيادة الوطنية والقانون الدولى الإنسانى والنظام متعدد الأطراف، الذى يضمن السلام والاستقرار، وأكد رئيس الوزراء الهندى أن الهند تعطى فى رئاستها لـG20 الأولوية «لمصالح» الجنوب العالمى. ولهذا تم عقد قمة صوت الجنوب العالمى، التى حضرها قادة وممثلو أكثر من 125 دولة نامية، كما دعت الهند إلى «عدم تسييس» سلاسل توريد المواد الغذائية والأسمدة، وأسواق الطاقة، وحثت على إحراز تقدم فى «معالجة الديون لمعالجة تحديات الديون التى يعانى منها العالم النامى، وأن تكون المؤسسات العالمية أكثر تمثيلا وشمولا، كما لعبت الهند دورا فاعلا مع قادة مجموعة العشرين لمنح الاتحاد العضوية الكاملة فى المجموعة».
الإعلان النهائى عن القمة صدر بتوافق دقيق، وأعلن رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى، أن المناقشات تستهدف تحقيق أوضاع أفضل لكوكب الأرض، بينما قال الرئيس الأمريكى جو بايدن «فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد العالمى من تداعيات صدمات التغيرات المناخية والهشاشة والنزاعات أثبتت قمة نيودلهى أن مجموعة العشرين يمكنها المساهمة فى إيجاد الحلول لكل القضايا الدولية الملحة».
وبدا أنه تم تحقيق مكاسب فيما يتعلق بقضية التغير المناخى، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطانى ريتشى سوناك - خلال القمة - التزام بلاده بتقديم مساعدات بقيمة مليارى دولار لصندوق المناخ الأخضر لدعم الجهود الدولية الرامية إلى التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وهو ما أثارته القمة وطرحته الهند ومصر وأفريقيا.
البيان أحجم عن انتقاد روسيا بسبب الحرب، وإن كان سلط الضوء على المعاناة الإنسانية التى سببها الصراع، ودعا جميع الدول إلى عدم استخدام القوة للاستيلاء على الأراضى، وبالتالى تلافى الإعلان عن أى استقطابات، وحسم وجهات النظر المتباينة بشدة بخصوص الحرب الروسية، والتى أثارت مخاوف من خروج القمة عن مسارها، وفى حالة تنفيذ مطالب غربية بانتقاد موسكو بسبب الحرب كان يمكن أن يدفع موسكو لعرقلة صدور البيان الذى صدر بالإجماع.
ولهذا اعتبر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، الذى ترأس الوفد الروسى، أن القمة كانت ناجحة للهند ولدول الجنوب، والدول النامية، التى ساعد موقفها على ضمان عدم طغيان الصراع على جدول أعمال قمة مجموعة العشرين.. فى المقابل اعتبر مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان ـ حسب سكاى نيوز عربية ـ أن الإعلان «دافع عن مبدأ أنه لا يجوز للدول استخدام القوة للسعى للاستيلاء على أراض أو انتهاك سلامة أراضى دول أخرى وسيادتها أو استقلالها السياسى».. وقال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إن مجموعة العشرين التى تأسست لحل القضايا الاقتصادية الدولية ليست بالضرورة المكان الذى يُتوقع منه أن يحرز تقدما دبلوماسيا بشأن الحرب فى أوكرانيا، لكنه اعتبر فى مؤتمر صحفى أن الإعلان لا يمثل نصرا دبلوماسيا لروسيا، وأشادت ألمانيا وبريطانيا أيضا بالقرار لكن أوكرانيا اعتبرته شيئا لا يدعو للفخر.
ومن بين المكاسب التى تحققت من جهود الهند وأفريقيا ومصر، هو فرض رأى الجنوب، وصدى «بريكس» فى قمة العشرين، التى يبدو أنها ضاعفت من مرونة المواقف الأمريكية والأوروبية، لقبول بيان لا يحمل إدانة أو تبرئة، ويحمل كلاما عاما لا يثير الاستقطاب. ومن المكاسب أيضا موافقة مجموعة العشرين على انضمام الاتحاد الأفريقى، الذى يضم 55 دولة، كعضو دائم ممثلا عن دول جنوب العالم فى المجموعة، بجهود الهند البرازيل وجنوب أفريقيا، ومساعى الاتحاد الأفريقى، والدور الذى لعبته مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى على مدى سنوات، أيضا جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بأن روسيا ستعود إلى اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب فى حالة تلبية مطالبها، لكن عودة روسيا لاتفاقية الحبوب التى انسحبت منها فى يوليو الماضى، مشروط بتلبية مطالبها المتمثلة فى تنفيذ اتفاق يخفف القيود المفروضة على صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، وهو ما قد يتحقق خلال الجلسة الافتراضية الذى اقترحها رئيس وزراء الهند لزعماء مجموعة العشرين بحلول نهاية نوفمبر المقبل، لمناقشة المقترحات والقرارات التى اتخذت خلال قمة نيودلهى.
فهل يمكن أن تمثل قمة العشرين خطوة لنصرة دول الجنوب، فى مواجهة نظام دولى مختل؟ أم أنها تتحقق بالنقاط؟