سعيد الشحات يكتب: سيد درويش ينشر مقدمة كتاب عن الموسيقى من تأليفه بمجلة النيل عام 1921.. المنشور يؤكد التفكير العلمى لفنان الشعب.. والبحث عن الكتاب ينتهى إلى احتمالات فقده

الإثنين، 11 سبتمبر 2023 12:30 م
سعيد الشحات يكتب: سيد درويش ينشر مقدمة كتاب عن الموسيقى من تأليفه بمجلة النيل عام 1921.. المنشور يؤكد التفكير العلمى لفنان الشعب.. والبحث عن الكتاب ينتهى إلى احتمالات فقده سيد درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أسهم الفنان العبقرى سيد درويش فى تأليف الأغانى نصا وتلحينا، لكن هل أقدم على تأليف كتابا عن الموسيقي؟.
 

1

يطرح الموسيقى الدكتور "محمود أحمد الحفني" هذا السؤال فى كتابه "سيد درويش"، الصادر عن سلسلة "أعلام العرب، 1955"، واللافت أن هذا الكتاب يبدأ بنشر خطاب خاص من الرئيس جمال عبدالناصر إلى "محمد البحر" ابن الفنان سيد درويش بتاريخ 24 ديسمبر 1955 يشكره فيه على حرصه على تخليد ذكرى والده، ويقول فيه نصا :"أشكر لك اتجاهك الكريم الذى يعبر عن وطنيتك الصادقة، وإيمانك بمستقبل أمتك، فقد شئت أن يكون تخليد تراث والدك العظيم فريدا فى نوعه، كما كان والدك فخرا للأجيال فى فنه الرائع، فباسم الوطن أحيى فيك روحك العظيمة".

سيد درويش في عدد اليوم السابع الورقي
سيد درويش في عدد اليوم السابع الورقي

 

2

لا يقتصر" الحفني" فى كتابه على سؤال ما إذا كان سيد درويش أقدم على تأليف كتاب فى الموسيقى أم لا، وإنما يجعله ضمن قضايا أخرى فى الكتاب حول فنان الشعب، ويجيب عليه بعد استقصاء منه، قائلا :"لم يكن من المنتظر أن نجده مؤلفا لكتب الموسيقي، ذلك لأن القدر لم يسعفه فى نشأته بدراسة معهدية ذات مراحل ودرجات، يقرأ معها المؤلفات، ويقف على أصنافها المختلفة، وما نظن أن وفرة انتاجه المتزايد من الألحان كانت تسمح له بوقت يصدر فيه المصنفات، ولكننا نلتقى بهذه المحاولة فيما نشرته "مجلة النيل"، عدد 35 من السنة الأولي،9 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1921، بعنوان "حضرة الأستاذ الشيخ سيد درويش".

تقول "النيل": "أراد الله لهذا البلد الأمين أن يرفع شأن الفن، فأنجبت مصر حضرة الأستاذ النابغة الشيخ سيد درويش، فأخرج للناس من كنوز الموسيقى آثارا يجب الاحتفاظ بها ودررا تسابق الناس إلى التقاطها حتى أصبحت ألحان الأستاذ الشجية تملأ الدور والطرقات، يتغنى بها الفتي، وتعزف بها الفتاة فى خدرها، وينشدها الحادي، ويستعين بها الفلاح فى حقله على قتل الوقت، وما ذلك إلا لأنها روح جديدة وأنغام توافق الأذواق، وللأستاذ عبقريته لا يجهلها المصريون ويقربها من لهم إلمام بهذا الفن الجميل".
 
تضيف: "أراد الله لهذا الفن الرفعة الحقيقية والرقى الذى تنشده الأمة من أعصر مضت، فوفق الأستاذ الشيخ سيد درويش إلى تأليف كتاب موسيقى أهداه إلى جريدتنا النيل، تنشره تباعا، وبدأنا فى هذا العدد بنشر القطعة الأولى فى تعريف الموسيقي، وسنتبعها بنشر قطعة فى كل عدد، ونشر أغنية من تلحينه مع نشر نوتتها ليسهل على الفتيات ومن لهم ولع بضرب الآلات الموسيقية تناولها".

3

بعد هذه المقدمة، تنشر "النيل" المقطع الأول من الكتاب، وكتب سيد درويش فيه: "الموسيقى أصوات مكهربة، تحدث أنغامها بواسطة اهتزازات تنجذب لها الأفئدة كما تنجذب الإبرة للمغناطيس، وهى محك القلوب يعرف بها الحساس، فيؤخذ عند سماعها، ويبغضها الجبان فلا يلوى عليها، يأتى المولود من عالم الغيب إلى دنيانا، فتستقبله القابلة والأقارب بأغانى الفرح والحبور، يحييهم عندما يرى النور بالبكاء والعويل، فيجيبونه بالهتاف والتهليل كأنهم يسابقون بالموسيقى الزمان على افهامه الحكم الإلهية.. هى نغمات رقيقة تستحضر على صفحات المخيلة ذكرى ساعات الأسى والحزن إذا كانت محزنة أو ذكرى أوقات الصفا والأفراح إذا ما كانت مفرحة، هى جسم الحشاشة له روح من النفس وعقل من القلب، هى عامل من عوامل الشعور الحى الذى يقود المرء حيث الغرض المقصود من التوقيع، إن حزنا فحزن، وإن شجاعة فشجاعة، ولذلك كانت أهم عدد الجيوش فى الممالك المتمدينة، وأنك لا تجد جيشا إلا ومن أوائل مطاليب رؤسائه إتمام معدات(الأصول الموسيقية)، لأنهم يعتقدون الاعتقاد الكلى بأن الجندى يدفعه إلى خوض غمرات القتال عاملان:
 
أولهما: المدافعة الوطنية المبنية على الشعور الكامن فى الفؤاد الذى يحتمه حب تربة البلاد التى رضع من ثديها وشب وترعرع من خيراتها.. وثانيهما:(القوة التأثيرية) التى تدفعه بعامل التأثير الذى لا يترك للفكر مجالا للتجوال حول الماديات الاجتماعية التى لا يخلو منها أيا كان، وهى القوة الموسيقية، فإنك ترى الجنود عند توقيعها ثملين بخمرة الشهامة والهمة لا يفكرون إلا فى التقدم إلى الأمام، مهما كانت قوة الأعداء التى أمامهم، والفضل فى ذلك راجع إلى ما قلنا من أن (توقيع النغمات)/ تدفع الجيش للقتال بيأس/ أقوى عزما من الأسود الضواري/ تسكت الطفل إن بكى وتداوي/ كل مضنى مشتت الأفكار/فهى والله سلوة وسرور/ بل وسر من أجمل الأسرار" ..توقيع، خادم الموسيقى "سيد درويش".

4

يذكر "الحفني" أنه واصل متابعة هذه المجلة استقصاء لما نشرته، فعثر فى العدد 38، أول أكتوبر 1921 على مقال بعنوان "عظمة الموسيقى أو الملكات الموس يقيات"، بتوقيع "خادم الموسيقى الشيخ سيد درويش"، ذكر فيه طائفة من ملكات اشتهرن بممارسة الموسيقى أمثال "مارى انطوانيت، ومارى تريز، وكاترين أوف فالو، وهنريت ماريا، وغيرهن" ..يعلق "الحفني": "هذا المقال وإن لم يكن يتجاوز حدود المعلومات العامة الشائعة فلا أقل أنه يدل على محاولة الفنان الاهتمام بثقافته الموسيقية فى جانب من جوانبها".
سعيد الشحات يكتب سيد درويش ينشر مقدمة كتاب عن الموسيقى من تأليفه بمجلة النيل عام 1921
سعيد الشحات يكتب سيد درويش ينشر مقدمة كتاب عن الموسيقى من تأليفه بمجلة النيل عام 1921
يضيف "الحفني": "بينما نرى المجلة تسجل اعترافها بإهدائه إياها هذا الكتاب، إذا بها فى عددها 43، 5 نوفمبر 1931، تعيد الحديث مرة أخرى على وجه غير الذى سبق، فتعلق على مقال قصير بعنوان "الموسيقي" لمحمود صادق شلبي، وتطلب من سيد درويش أن يدلى بدلوه فى هذا المضمار، ويبر بما وعد به من قبل لقراء "النيل"، وتهدده "الويل كل الويل للفنان إذا هو تراخى فى انجاز ذلك، فإن لديها مقالات عديدة انتقادية عن تقصيره فى هذا الموضوع".

5

بعد رحلة البحث التى خاضها "حفني" عن أى أثر لهذا الكتاب، يبدى رأيه قائلا :" فى رأينا أن سيد درويش الملحن العبقرى كان جديرا أن ينكر سيد درويش صاحب تصنيف الكتب، فقد دلتنا هذه المقدمة على بعدها عن صميم الفن، وإذا كنا لم نعثر لهذا الكتاب على أثر سوى هذه المقدمة التى نشرتها تلك المجلة، فإن الخسارة ربما كانت فى فقده كتراث للفنان فحسب".
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة