وقعت في سنة 286 هجرية العديد من الأحداث المهمة، منها حروب وخروج على الدولة وصراعات داخلية ومهادنات وغيرها، فما الذي يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائتين":
فيها وقع تسلم آمد من ابن الشيخ فى ربيع الآخر، ووصل كتاب هارون بن أحمد بن طولون من مصر إلى المعتضد وهو مخيم بآمد أن يسلم إليه قنسرين والعواصم، على أن يقره على إمارة الديار المصرية، فأجابه إلى ذلك.
ثم ترحل عن آمد قاصدا العراق وأمر بهدم سور آمد، فهدم البعض ولم يقدر على ذلك، فقال ابن المعتز يهنئه بفتح آمد:
اسلم أمير المؤمنين ودم ** فى غبطة وليهنك النصر
فلرب حادثة نهضت لها ** متقدما فتأخر الدهر
ليث فرائسه الليوث ** فما بيض من دمها له ظفر
ولما رجع الخليفة إلى بغداد جاءته هدية عمرو بن الليث من نيسابور، فكان وصولها بغداد يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة، وكان مبلغها ما قيمته أربعة آلاف ألف درهم خارجا عن الدواب وسروج وسلاح وغير ذلك.
وفيها: تحارب إسماعيل بن أحمد السامانى وعمرو بن الليث، وذلك أن عمرو بن الليث لما قتل رافع بن هرثمة وبعث رأسه إلى الخليفة، سأل منه أن يعطيه ما وراء النهر مضافا إلى ما بيده من ولاية خراسان، فأجابه إلى ذلك فانزعج لذلك إسماعيل بن أحمد بن السامانى نائب ما وراء النهر، وكتب إليه:
إنك قد وليت دنيا عريضة، فاقتنع بها عن ما فى يدى من هذه البلاد.
فلم يقبل، فأقبل إليه إسماعيل فى جيوش عظيمة جدا، فالتقيا عند بلخ، فهزم أصحاب عمرو، وأسر عمرو، فلما جيء به إلى إسماعيل بن أحمد قام إليه وقبل بين عينيه، وغسل وجهه وخلع عليه وأمنه، وكتب إلى الخليفة فى أمره، ويذكر أن أهل تلك البلاد قد ملوا وضجروا من ولايته عليهم، فجاء كتاب الخليفة بأن يتسلم حواصله وأمواله فسلبه إياها، فآل به الحال بعد أن كان مطبخه يحمل على ستمائة جمل إلى القيد والسجن.
ومن العجائب أن عمرا كان معه خمسون ألف مقاتل لم يصب أحد منهم، ولا أسر سواه وحده، وهذا جزاء من غلب عليه الطمع، وقاده الحرص حتى أوقعه فى ذل الفقر، وهذه سنة الله فى كل طامع فيما ليس له، وفى كل طالب للزيادة فى الدنيا.
ظهور أبى سعيد الجنابى رأس القرامطة
وهم أخبث من الزنج وأشد فسادا، كان ظهوره فى جمادى الآخرة من هذه السنة بنواحى البصرة، فالتف عليه من الأعراب غيرهم بشرٌ كثير، وقويت شوكته جدا، وقتل من حوله من أهل القرى.
ثم صار إلى القطيف قريبا من البصرة ورام دخولها، فكتب الخليفة المعتضد إلى نائبها يأمره بتحصين سورها، فعمروه وجددوا معالمه بنحو من أربعة آلاف دينار، فامتنعت من القرامطة بسبب ذلك.
وتغلب أبو سعيد الجنابى ومن معه من القرامطة على هجر وما حولها من البلاد، وأكثروا فى الأرض الفساد.
وكان أصل أبى سعيد الجنابى هذا أنه كان سمسارا فى الطعام يبيعه ويحسب للناس الأثمان، فقدم رجل به، يقال له: يحيى بن المهدى فى سنة إحدى وثمانين ومائتين، فدعا أهل القطيف إلى بيعة المهدي، فاستجاب له رجل يقال له: على بن العلاء بن حمدان الزيادي، فساعده فى الدعوة إلى المهدي، وجمع الشيعة الذين كانوا فى القطيف، فاستجابوا له، وكانوا فى جملة من استجاب أبو السعيد الجنابى هذا قبحه الله.
ثم تغلب على أمرهم وأظهر فيهم القرمطة، فاستجابوا له والتفوا عليه، فتآمر عليهم وصار هو المشار إليه فيهم، وأصله من بلدة هناك يقال لها: جنابة، وسيأتى ما يكون من أمره وأمر أصحابه.
قال فى المنتظم: ومن عجائب ما وقع من الحوادث فى هذه السنة.
ثم روى بسنده: أن امرأة تقدمت إلى قاضى الري، فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار، فأنكره، فجاءت ببينه تشهد لها به، فقالوا:
نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، فلما صمموا على ذلك، قال الزوج:
لا تفعلوا هى صادقة فيما تدعيه، فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها.
فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه، وإنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو فى حل من صداقى عليه فى الدنيا والآخرة.
وممن توفى فيها من الأعيان المشاهير: أحمد بن عيسى أبو السعيد الخراز فيما ذكره شيخنا الذهبي.
وقد أرخه ابن الجوزى فى سنة سبعة وسبعين ومائتين، فالله أعلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة